الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/05/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ انقلاب الخمر خلا
كان الكلام فيما نقل عن أبو هريرة
ونقل بعضهم : أنَّه لا يقبلون رواياته في معالم الحلال والحرام ، وإنَّما يقبلونها في مثل الجنَّة والنَّار .
أضف إلى ذلك: أنَّها قضية في واقعة ، مجملة الوجه ، فلعلَّ المكان الذي أمر النبي صلى الله عليه وآله بصبِّ الماء عليه ممَّا ينحدر عنه غُسالته إلى خارج المسجد ، أو في بالوعة ، فلا ينافي حينئذٍ القول : بنجاسة الغُسالة ، أو لعلَّ الأمر بالصبِّ لأجل استهلاك العين ، وبقاء الرطوبة ، حتَّى تجففها الشَّمس ، فتكون الشَّمس هي المطهِّرة ، ونحو ذلك .
وذكر صاحب المعالم أنَّ في بعض الأخبار إشعاراً بما تضمَّنته رواية أبي هريرة قال: وقد روى عبد الله بن سنان في الصحيح عن الصادق ع قال: ( سألته عن الصلاة في البيع ، والكنائس ، وبيوت المجوس ، فقال : رشَّ ، وصلِّ )
[1]
وروى أبو بصير قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن الصلاة في بيوت المجوس ، فقال : رشَّ ، وصلِّ )
[2]
ثمَّ قال: ( وفي هذّيْن الخبرَيْن نوعُ إشعارٍ بالاكتفاء في زوال النجاسة عن الأرض بصبِّ الماء عليها ، وإلَّا لم يكن للرشِّ في المواضع المذكورة فائدة ، كما لا يخفى )
وفيه: أنَّه على القول بنجاسة الغُسالة يحصل بالرشِّ زيادة النجاسة ، وتُضَاعِفها .
والإنصاف: أنَّ الأمر بالرشِّ يتوافق مع القول : بطهارة الغُسالة ، كما هو الصحيح ، فتكون هذه الأخبار كغيرها من الأخبار الدَّالة على طهارة الغُسالة .
والخلاصة: أنَّه على المبنى الصحيح - من طهارة الغُسالة - تكون رواية أبي هريرة مطابقة للمسألة .
نعم ، ذكرنا سابقاً أنَّ الطهارة من البول بالماء القليل يحتاج إلى التعدد ، وقلنا أيضاً: إنَّ ذلك لا يختصّ بالثوب والبدن ، بل يعمّ غيرهما ، فيُحتاج هنا إلى التطهير مرَّة ثانية ، والله العالم .
قال المصنف: ( ويُشترط ورود الماء حيث يمكن ، ويَطْهر الدم بانتقاله إلى البعوض ، والبرغوث )
أما اشتراط ورود الماء: فذكرنا المسألة بالتفصيل عند قول الماتن سابقا : (والعصر في غير الكثير)
وقلنا: ينبغي التنبيه على بعض الأمور ، وبيَّنا عدم اشتراط ورود الماء في الأمر الثالث ، فراجع ، فإنَّه مهم .
وأما الدم المنتقل: فالمشهور بين الأعلام أنَّ الانتقال من المطهِّرات ، كانتقال دم الإنسان ، أو غيره ، ممَّا له نفس سائلة إلى جوفِ ما لا نفس له ، كالبقِّ ، والقُمَّل ، وكانتقال الماء المتنجِّس إلى باطن الشجر ، أو النبات ، ونحو ذلك .
وفي الجواهر: ( لا خلاف أجده فيه ، ولا إشكال ، بل نَقْل الإجماع مستفيض على الطهارة بالانتقال ، مضافاً إلى السيرة الشرعيَّة )
وينبغي أن يُعلم
أوَّلا: أنَّ الانتقال قد يوجب الاستحالة ، فيدخل حينئذٍ في قسم الاستحالة التي تقدَّم الكلام عنها وقلنا: إنَّه لا إشكال في مطهِّريتها .
ثانيا: كون الانتقال قد يكون موجباً للاستحالة فكالأمثلة المتقدِّمة ، بحيث يصير الماء المتنجِّس جزءًا من النبات والشجر ، لا مجرد رسوبه فيهما ، بحيث أمكن إخراجه بِعَصْر ، ونحوه ، باقياً على حقيقته الأُولى .
وكما إذا صار دم ذي النفس ، أو غيره ، جزءًا من غير ذي النفس ، من لحمه ، أو عظمه ، ونحو ذلك .
وبالجملة: فإذا كان الانتقال موجباً للاستحالة ، فيكون خارجاً عن محلِّ الكلام .
وعليه ، فمحلّ الكلام إذا لم يكن الانتقال موجباً للاستحالة ، بأن كان الموضوع باقياً على حقيقته الأصليَّة بنظر العرف .
ولكنَّ الانتقال أوجب انقلاب النسبة ، وإضافة الشيء المنتقل منه إلى المحلِّ المنتقل إليه ، كدم الإنسان المنتقل إلى جوف البقّ والبرغوث ، ونحوهما ، قبل أن يستحيل ، فإنَّه بمجرد الانتقال يسمَّى عرفاً دم البقّ ، ولا يسمَّى دم الإنسان ، إلَّا مجازاً ، أو يمكن أن تكون إضافته إلى دم الإنسان أيضاً على نحو الحقيقة ، إذ لا تنافي بين الإضافتَيْن .
فيُقال عن الدم المنتقل: إنَّه دم إنسان ، كما يقال : إنَّه دم البق ، كما أنَّه قد يُشكّ في إضافته إلى الإنسان ، مع القطع بإضافته إلى البقِّ ، أو البرغوث ، وقد يكون العكس ، وهو القطع بإضافته إلى الإنسان ، مع الشكِّ في إضافته إلى البقِّ .
وقد يُشكّ في إضافته إلى كلٍّ منهما ، وعليه ، فعندنا عدَّة صور :
الصورة الأولى: أن يُقطع بإضافته إلى البقّ ، ويُقطع بعدم إضافته إلى الإنسان .
ففي هذه الصورة : يكون مشمولًا للدليل الدَّال على طهارة دم المنتَقل إليه ، أي دم ما لا نفس له ، إذا لم يكن له عموم ، أو إطلاق ، يشمل هذه الصورة .
فمقتضى الأصل: الطهارة ، لأنَّ الدليل الدَّال على نجاسة دم الإنسان لا يشمله ، كما أنَّ استصحاب النجاسة لا يجري ، لكونه منِ استصحاب الحكم الكلي ، نعم يجري على مبنى المشهور .
الصورة الثانية: عكس الصورة الأُولى ، أي يصدق عليه أنَّه دم الإنسان ، ولا يصدق عليه دم البقِّ ، كما إذا انتقل دم الإنسان إلى البقِّ ، وبعد ذلك بقليل شُقّ بطنه ، فإنَّ الدم المانع منه هو دم الإنسان .
ولا يقال: إنَّه دم البقِّ ، وفي هذه الحالة يكون مشمولًا للدليل الدَّال على نجاسة دم الإنسان .
الصورة الثالثة: أن يُقطع بإضافته إلى كلٍّ منهما ، فيقال : إنَّه دم الإنسان ، ودم البق .
وعليه ، فإن كان الدليل الدَّال على نجاسة دم الإنسان ، والدليل الدَّال على طهارة دم ما لا نفس له ثابتاً بنحو العموم فيتعارضان .
وبما أنَّه لا مرجِّح لأحدهما من موافقة الكتاب ، ومخالفة العامة ، فالقاعدة تقتضي : التساقط ، والرجوع إلى الأصل العملي ، وهو هنا الطهارة ، لا استصحاب النجاسة ، لأنَّه من استصحاب الحكم الكلي ، وقد عرفت ما فيه .
وكذا الكلام لو كان الدليل لكلٍّ منهما ثابتاً بالإطلاق ، فإنَّه بعد التساقط يرجع إلى قاعدة الطهارة .
وأمَّا إذا كان الدليل على أحدهما ثابتاً ، بنحو العموم ، والآخر بنحو الإطلاق ، فيُؤخذ بالأوَّل ، لأنَّ الدلالة الوضعيَّة مقدمة على الإطلاق ، باعتبار أنَّ العموم يصلح أن يكون قرينة على الخلاف ، فتنخرم مقدمات الحكمة في الإطلاق التي من جملتها عدم نصب قرينة على الخلاف .
الصورة الرابعة: أن يُشكّ في إضافته إلى الإنسان ، مع القطع بإضافته إلى البقِّ ، وفي هذه الحالة إن كان الشكّ في إضافته إلى الإنسان ناشئاً من الشبهة المفهوميَّة ، كما إذا لم نعلم أنَّ لفظ دم الإنسان موضوع لمعنًى وسيع ، بحيث يشمل ما كان في البقِّ والبرغوث ، أم أنَّه ضيِّق فلا يشمل ما كان فيهما .
وعليه ، فإذا كان الأمر كذلك فيُؤخذ حينئذٍ بالدليل الدَّال على طهارة دم ما لا نفس له .
وأمَّا استصحاب بقاء إضافته إلى الإنسان : فلا يجري ، لِمَا عرفت ، من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهوميَّة ، لا من حيث الحكم ، لعدم إحراز بقاء الموضوع ، ولا من حيث الموضوع ، لعدم الشكّ .
مضافا : إلى أنَّ استصحاب الحكم في الشبهات المفهوميَّة منِ استصحاب الحكم الكلي .
هذا كلّه إذا كان الشكّ في إضافته إلى الإنسان منشؤه الشبهة المفهوميَّة .
وأمَّا إذا كان منشؤه الشبهة الموضوعيَّة ، كما إذا بنينا على أنَّ دم الإنسان لا يشمل ما في جوف البقّ ، ففي هذه الحالة إذا رأينا دماً على الثوب ، أو الجسد ، وشككنا أنَّه قبل الانتقال ، أو بعده ، فنستصحب بقاء إضافته إلى الإنسان ، وبعد هذا الاستصحاب يدخل في موضوع ما دلَّ على نجاسة دم الإنسان ، ويتعارض حينئذٍ مع الدليل الدَّال على طهارة دم ما لا نفس له ، ويأتي الكلام السابق في الصورة الثالثة طابق النعل بالنعل .
[1] - الوسائل باب13 من مكان المصلي
[2] - الوسائل باب14 من مكان المصلي