الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
34/05/15
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
كان الكلام في حسنة ابن مسلم وعلى كل حالٍ ، فإنْ أمكن هذا الحمل فيها ، وإلَّا يقع التعارض بينهما ، وبين ما دلَّ على عدم العفوِّ عن مقدار الدرهم ، كصحيحة ابن أبي يعفور ، وغيرها .
وقد يُقال: إنَّ الترجيح - مع ما دلَّ على عدم العفوِّ - للشهرة الروائية .
وفيه: ما ذكرناه في محلِّه ، من أنَّ الشهرة الروائيَّة ليست من المرجِّحات .
وعليه ، فبَعْد التعارض ، والتساقط ، يرجع إلى ما دلَّ بعمومه ، أو إطلاقه ، على وجوب إزالة الدم من الثوب ، والبدن ، خرج من ذلك ما وقع الاتفاق على العفوِّ عنه ، وهو ما دون الدرهم ، فيبقى الباقي ، والله العالم .
ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على أمرين:
أحدهما: أنَّه لا فرق فما ذكرناه بين الثوب والبدن فإنَّ مورد النصوص ، وإن كان هو الثوب ، كما أنَّ بعض الإجماعات موردها الثوب أيضاً ، لكنَّ بعض الأعلام ادَّعى الإجماع صريحاً في البدن ، وبعضهم ادَّعاه ظاهراً في البدن .
وعن جملة من الأعلام: دعوى الإجماع على العفوِّ على الإطلاق من غير تعرّض لذكر المتعلّق ، وظاهره إرادة العفوّ عن الثوب والبدن .
والإنصاف: أنَّ التأمُّل في كلمات الأعلام ، وأدلِّتهم ، يعطي عدم الفرق هنا بين الثوب ، والبدن ، وأنَّ ذِكْر الثوب في الروايات إنَّما هو من باب المثال .
هذا ، وقد استدلّ بعضهم على العفوّ في البدن برواية المثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله ع قال: ( قلت له: إنِّي حككت جلدي فخرج منه دم ، فقال : إنِ اجتمع قدر حمصة فاغسله ، وإلَّا فلا )
[1]
والاستدلال به مبني على أنَّ تنزيل وزن حمصة يساوي سعة الدرهم ، لا تقدير إرادة سِعة الحمصة ، وإلَّا كان مخالفاً للنصوص المتقدِّمة ، والفتاوى .
اللهمَّ ، إلَّا أن يُقال: إنَّ مخالفته للنصوص من هذه الجهة لا توجب طرحه بالمرّة ، فيمكن الاستدلال به على أصل العفوّ في البدن
واحتمل صاحب الرياض قراءتها بالخاء المعجمة ، وهو سِعة ما انخفض من راحة الكفّ ، حيث قدَّر بعض الأعلام سعة الدرهم به .
ثمَّ قال: إنَّه يتوقف على القرينة لهذه النسخة ، وهي مفقودة .
أقول: والذي يهوِّن الخطب في المقام أن الرواية ضعيفة السند بأبي المفضل ، وابن بطة ، والحسين بن محمَّد بن مصعب الواقعَيْن في طريق الشيخ إلى المعاوية بن حكيم ، وأمَّا مثنَّى بن عبد السلام فإنَّه ممدوح .
الأمر الثاني: لا فرق في العفوِّ عمَّا دون الدرهم بين أن يكون دم نفسه ، أو غيره ، لإطلاق النصوص خلافاً لصاحب الحدائق ، حيث قال: ( ويلحق بدم الحيض هنا - في وجوب إزالة قليله وكثيره - دم الغير ، لمرفوعة البرقي عن الصادق ع قال: ( دمك أنظف من دم غيرك ، إذا كان في ثوبك شِبه النضح من دمك فلا بأس ، وإن كان دم غيرك قليلًا ، أو كثيراً ، فاغسله )
[2]
)
ولم أقِف على مَن تنبَّه ونبَّه على هذا الكلام إلَّا الأمين الأسترآبادي ، فإنَّه ذكره واختاره ، وإلى هذه الرواية أشار أيضاً في كتاب "الفقه الرضوي" فقال: ( وأروي أن دمك ليس مثل دم غيرك ... )
[3]
والإنصاف: أنَّ ما ذكره صاحب الحدائق بعيد عن الصواب ، فإنَّ الروايتَيْن ضعيفتا السند .
أمَّا الأولى : فبالرفع .
وأمَّا الثانية : فبالإرسال .
وقد قلنا سابقا: إنّ كتاب "الفقه الرضوي" ، وإن كان فتاوى لابن بابويه ، إلَّا أنَّه إذا كان بلسان "رُوي" ، أو "أَروي" ، ونحو ذلك ، فتكون رواية مرسلة .
أضف إلى ذلك: أنَّ الأعلام هجروا هاتَيْن الروايتَيْن ، وهذا يزيدهما ضعفاً .
نعم ، لولا ضعف السند لكانت دلالتهما تامَّة ، ولقيَّدنا بهما الأخبار المطلقة ، والله العالم .
[1] - الوسائل باب20 من أبواب النجاسات ح5
[2] - الوسائل باب21 من أبواب النجاسات ح2
[3] - البحار : ج18 / ص21 .