< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 قال المصنف: ( وعن نجاسة ما لا يتمّ الصلاة فيه وحده ، وإن غلظت نجاسته )
 المعروف بين الأعلام - قديماً وحديثاً -: أنَّه تجوز الصلاة فيما لا يتمّ فيه الصلاة منفرداً ، وإن كان فيه نجاسة ، وفي "الجواهر": ( بلا خلاف محقّق أجده فيه ، كما اعترف به غير واحد ، بل عليه الإجماع تحصيلًا ، ونقلًا ، في الانتصار ، والخلاف ، والسرائر ، صريحاً والتذكرة ، وغيرها ظاهراً ) .
  وفي "الحدائق": ( الظاهر أنَّه لا خلاف بين الأصحاب في أنَّ كلّ ما لا تتمّ فيه الصلاة وحده ، كالتكة ، والقلنسوة ، والخف ، والنعل ، يعفى عن نجاسته ، كائنة ما كانت ، ولو كدم الحيض ، ونجس العين ).
  والإنصاف: أنَّ المسألة متسالم عليها في الجملة ، والنصوص فيها مستفيضة .
  وقبل ذكر النصوص الواردة في المقام نقول: إنَّ المراد ممَّا لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً هو عدم إمكان الستر بلا علاج ، فإنّ تحزّم بشيء لا يستر العورة به ، بلا علاج ، ولكن يمكن الستر به بشدة بحبل ، أو بجعله خرقاً ، لا مانع من الصلاة فيه إذا كان متنجساً .
  إذا عرفت ذلك فيدلّ على أصل المسألة عدّة من الأخبار:
  منها: زرارة عن أحدهما ع قال: ( كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده ، فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة ، والتكة ، والجورب ) [1]
  ومنها: مرسلة حماد بن عثمان عمَّن رواه عن أبي عبد الله ع ( في الرجل يصلِّي في الخف الذي قد أصابه القذر ، فقال : إذا كان مما لا تتمّ فيه الصلاة فلا بأس ) [2] ولكنَّه ضعيفة بالإرسال .
 ومنها: مرسلة إبراهيم بن أبي البلاد عمَّن حدثهم عن أبي عبد الله ع قال: ( لا بأس بالصلاة في الشيء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده ، يصيبه القذر ، مثل القلنسوة ، والتكة والجورب ) [3]
 وهي ضعيفة بالإرسال أيضاً .
 ومنها: مرسلة عبد الله بن سنان عمَّن أخبره عن أبي عبد الله ع أنَّه قال: ( كلّ ما كان على الإنسان ، أو معه ، ممَّا لا تجوز الصلاة فيه وحده ، فلا بأس أن يصلِّي فيه ، وإن كان فيه قذر ، مثل القلنسوة ، والتكة ، والكمرة ، والنعل ، والخفين ، وما أشبه ذلك ) [4]
 وهي أيضا ضعيفة بالإرسال .
  والكمرة - على ما قيل -: كيس للذكر ، خوف الاحتلام .
 ومنها: خبر زرارة قال: ( قلت لأبي عبد الله ع: قلنسوتي وقعت في بول ، فأخذتها فوضعتها على رأسي ، ثم صلّيت ، فقال : لا بأس ) [5]
  ولكنَّها ضعيفة بابن أبي ليلى ، وهو محمَّد بن عبد الرحمن الأنصاري القاضي الكوفي ، وكان يردّ شهادة الشيعة ، وقد شهد عنده يوماً من الأيام عمَّار الدهني ، فقال له القاضي: قمْ يا عمار ! ، فقد عرفناك ، إنَّك لا تقبل شهادتم لأنَّك رافضي ، وتبيّن أنّ أخبار الباب كلّها ضعيفة ، إلَّا موثَّقة زرارة الأولى .
  ومهما يكن ، فلا إشكال في أصل المسألة .
 قال المصنف: ( وعدَّ ابنا بابوَيْه منه العمامَّة )
 قال الشيخ الصدوق في "الفقيه": ( ومن أصاب قلنسوته ، أو عمامته , أو تكته ، أو جوربه ، أو خفّه ، مني ، أو دم ، أو بول ، أو غائط ، فلا بأس بالصلاة فيه ، ذلك لأنَّ الصلاة لا تتمّ في شيء من هذا وحده)
 ونقل ذلك عن أبيه أيضاً في الرسالة .
 وقال العلَّامة المجلسي: ( ظاهر الصدوق جواز الصلاة في العمامة ، وإن كانت نجسة ، والظاهر أنَّه وجد فيها نصّاً ، وإلَّا يشكل الجزم بجواز الصلاة ، باعتبار أنَّها بهذه الهيئة لا يتمكّن من ستر العورتَيْن بها ، فيلزم جواز الصلاة في كلِّ ثوب مطويّ مع نجاسته ، والظاهر أن التزامه سفسطة ، وعلى أيّ حالٍ فالعمل على خلافه ) .
  ونقل المحقِّق في "المعتبر" عن القطب الراوندي: ( حمل العمامة في كلام الصدوق على عمامة صغيرة كالعصابة ، قال : لأنها لا يمكن ستر العورة بها ، وربَّما حملت على اعتبار كونها على تلك الكيفيَّة )
  وفيه: أنَّ حمل العمامة على العمامة الصغيرة كالعصابة في غاية البعد ، وذلك لعدم العلم بصدق العمامة حقيقة إذا كانت كالعصابة .
  والإنصاف: أنَّه لا دليل على كون العمامة ممَّا لا تتمّ بها الصلاة ، إلَّا الرضوي ، وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّه فتاوى لابن بابويه ، إلَّا إذا كان الموجود فيه بعنوان "روي" ، أو "أروي" ، ونحو ذلك ، فتكون الرواية حينئذٍ مرسلة .
 وعليه ، فالعمامة ثوب تتمّ بها الصلاة ، لأنَّها إن لفَّت على الرأس فيصدق عليها اسم العمامة ، وإن شدَّت على السوط ، وتستَّر بها فيطلق عليها المئزر .
 وبالجملة: فالعمامة في حدِّ ذاتها ثوب يجوز الصلاة فيه ، فلا تكون كالقلنسوة ، والتكَّة ونحوهما .
  وممَّا ذكرنا يندفع ما ذكره صاحب المدارك: ( منِ انتفاء ما يدلّ على اعتبار طهارة ما عدا الثوب والجسد ، والعمامة لا يصدق عليها اسم الثوب عرفاً ، مع كونها على تلك الكيفية المخصوصة )
 لما عرفت من أنَّها ثوب أو قطعة تارة تلفّ على الرأس فتكون عمامة ، وأخرى تُشدّ على الوسط فتكون مئزراً
 قال المصنف: ( واشترط بعضهم كونها في محالّها ، وآخرون كونها ملابس ، والخبر عامّ في كلّ ما على الإنسان ، أو معه )
 المعروف بين الأعلام - منهم المصنِّف هنا ، وفي الذكرى -: تعميم الحكم في كلّ ما لا تتمّ الصلاة فيه ، من ملبوس ، ومحمول ، في محلّها كانت الملابس ، أم لا .
  وخصَّه ابن إدريس بالملابس ، وتبعه العلَّامة في ذلك ، فقال في "النهاية" ، و"المنتهى": ( لو كان معه دراهم نجسة ، أو غيرها ، لم تصحَّ صلاته ) ، ووافقه المصنِّف في "البيان" .
 وزاد العلَّامة في جملة من كتبه: ( اعتبار كون الملابس في محالّها ) ، فصرَّح في "المنتهى": ( بأنَّه لو وضع التِّكَّة على رأسه ، والخُفّ في يده ، وكانا نجسَيْن لم تصحَّ صلاته ) ، ووافقه على ذلك المصنِّف في "البيان" ، ونقل عن القطب الراوندي قصر الحكم أيضاً على الملابس .
 ما هو الإنصاف في المسألة يأتي غدا ان شاء الله


[1] - الوسائل باب31 من أبواب النجاسات ح1
[2] - الوسائل باب31 من أبواب النجاسات ح2
[3] - الوسائل باب31 من أبواب النجاسات ح4
[4] - الوسائل باب31 من أبواب النجاسات ح5
[5] - الوسائل باب31 من أبواب النجاسات ح3

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo