< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/06/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 كان الكلام فيما سبق في الناسي للنجاسة وقلنا أن هناك ثلاثة أقوال قول أول وهو المشهور يعيد ويقضي وقول بعدم الاعادة والقضاء وقول بالتفصيل
 وقدِ استُدل للمشهور بعدَّة من الأخبار مستفيضة جدًّا ، كادت أن تكون متواترة :
 منها: حسنة ابن مسلم المتقدِّمة ، مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ المتقدِّمة ، حيث ورد في الذيل: ( وإِذَا كُنْتَ قَدْ رَأَيْتَه ، وهُوَ أَكْثَرُ مِنْ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ ، فَضَيَّعْتَ غَسْلَه ، وصَلَّيْتَ فِيه صَلَاةً كَثِيرَةً ، فَأَعِدْ مَا صَلَّيْتَ فِيه ) [1]
 ومنها: صحيحة زرارة الطويلة عن أبي جعفر ع ( أصاب ثوبي دمُ رُعافٍ ، أو غيره ، أو شيء من المني ، فعلَّمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فأصبت ، وحَضَرِتِ الصلاة ، ونسيت أنَّ بثوبي شيئاً ، وصلَّيت ، ثمَّ إنَّي ذكرت بعد ذلك ، قال ع : تعيد الصلاة ، وتغسله ... ) [2]
 ومنها: موثَّقة سماعة قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يرى في ثوبه الدم ، فينسى أن يغسله حتَّى يصلِّي ، قال : يُعِيد صلاتَه ، كي يهتمَّ بالشيء إذا كان في ثوبه ، عقوبةً لنسيانه ... ) [3]
 ومنها: صحيحة عبد الله بن يعفور: ( قال: قلت لأبي عبد الله ع: الرجل يكون في ثوبه نُقَط الدم ، لا يعلم به ، ثمَّ يعلم ، فينسىي أن يغسله ، فيصلِّي ، ثمَّ يذكر بعد ما صلَّى ، أيُعِيد صلاته ؟ قال : يغسله ، ولا يُعِيد صلاته إلَّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً ، فيغسله ، ويعتدَّ الصلاة ) [4]
 ومنها: خبر أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال: ( إن أصاب ثوب الرجل فصلِّى فيه ، وهو لا يعلم ، فلا إعادة عليه ، وإن هو علم ، قبل أن يُصلِّي ، فنسي ، وصلَّى فيه ، فعليه الإعادة ) [5]
 ولكنَّه ضعيف لتردُّد ابن سنان بين كونه محمدًا الضعيف ، وعبد الله الثقة وكذا غيرها من الأخبار الكثيرة ، والأخبار المستفيضة الواردة في ناسي الاستنجاء ، الآمرة بالإعادة .
 وأمَّا مَن ذهب إلى عدم الإعادة مطلقاً في الوقت ، وخارجه ، فقد يُستَدلّ له بعدَّةٍ من الأخبار:
 منها: صحيحة العلاء عن أبي عبد الله ع قال: ( سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ، ينجّسه ، فينسى أن يغسله ، فيصلي فيه ، ثمَّ يُذكر أنَّه لم يكن غسَله ، أيُعِيد الصلاة ، قال : لا يعيد ، قد مضت الصلاة ، وكتبت له ) [6]
 ومنها: الأخبار الكثيرة النافية للإعادة عمَّن نسي الاستنجاء :
 منها: موثقة عمار بن موسى قال: ( سمعت أبا عبد الله ع يقول: لو أنَّ رجلًا نَسِي أن يستنجي من الغائط ، حتَّى يصلِّي ، لم يُعِدِ الصَّلاة ) [7] وكذا غيرها .
 ومقتضى الجمع بين هذه الأخبار ، والأخبار المتقدِّمة ، حمل الأخبار الآمرة بالإعادة على الاستحباب .
 وفيه
 أوَّلًا: أنَّ الحمل على الاستحباب إنَّما يكون في الأحكام التكليفيَّة ، لا في الأحكام الوضعيَّة ، فإنَّ الأخبار المتقدِّمة فيها إرشاد إلى بطلان الصلاة مع النجاسة المنسيَّة .
 وهذه الأخبار فيها إرشاد إلى الصحة معها ، فكيف يمكن حمل الأخبار المتقدِّمة على الاستحباب ؟! بل الأخبار تكون متعارضة ، كما لا يخفى .
 وثانياً - مع قطع النظر عن ذلك - : فإنَّ بعض الأخبار المتقدِّمة تأبى عن الحمل على الاستحباب .
 أُنظر إلى موثَّقة سماعة المتقدِّمة ، فإنَّ العقوبة على النسيان لا تتناسب مع الأمر الاستحبابي ، إذ لا عقوبة على ترك المستحب .
 وأيضاً التفصيل - في بعض الأخبار المتقدِّمة - بين الجاهل والناسي : دليل على لزوم الإعادة على الناسي ، إذ لو كانت الإعادة مستحبَّة على الناسي فما الفرق بينه وبين الجاهل ؟! ، لأنَّ الجاهل بالنجاسة أيضا تستحب له الإعادة ، فلا معنى للتفصيل حينئذٍ .
 هذا ، والإنصاف : أنَّ الأخبار متعارضة .
 وذكر السيد الخوئي - في علاج التعارض -: ( أنَّ الروايات الآمرة بالإعادة من الروايات المشهورة ، وصحيحة العلاء النافية لوجوب الإعادة رواية شاذَّة نادرة ، كما شهد بذلك الشيخ في التهذيب ، وهي ساقطة عن الاعتبار ، لأنَّها لا تعارض الرواية المشهورة ، لا من باب أنَّ الشهرة من المرجِّحات حتَّى يُقال : إنَّه لا دليل على الترجيح بها ، بل من جهة أنَّ الشهرة إذا بلغت تلك المرتبة كان معارض المشهور مما خالف السنة ، وقد أمرنا بطرح ما خالف السنة والكتاب ... ) .
 وفيه: ما لا يخفى ، فإنَّ الذي يُطرَح هو ما خالف السنة القطعيَّة ، والفرض أنَّ الروايات الآمرة بالإعادة هي مستفيضة ، وليست متواترة ، كما أنَّها ليست محفوفةً بما يوجب القطع بها .
 وعليه ، فالروايات الآمرة بالإعادة روايات مشهورة ، ولكنَّك عرفت أنَّ الشهرة الروائيَّة ليست من المرجِّحات .
 والإنصاف: في علاج التعارض هو أنَّ الروايات النافية للإعادة موافقة للعامَّة ، حيث نسب الشيخ عدم الإعادة إلى جملة من علماء العامة ، كالأوزاعي ، والشافعي في القديم ، وأبي حنيفة .
  وعليه ، فالروايات الآمرة بالإعادة مخالفة لهم ، وقد أُمرِنا بالأخذ بما خالفهم ، بل الرشد في خلافهم ، كما في بعض الأخبار ، وتسقط الرواية الموافقة لهم عن الاعتبار .


[1] - الوسائل باب20 من أبواب النجاسة ح6
[2] - الوسائل باب42 من أبواب النجاسات ح2
[3] - الوسائل باب42 من أبواب النجاسات ح5
[4] - الوسائل باب 20 من أبواب النجاسات ح1
[5] - الوسائل باب40 من أبواب النجاسات ح7
[6] - الوسائل باب42 من أبواب النجاسات ح3
[7] - الوسائل باب10 من أبواب أحكام الخلوة ح3

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo