< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/07/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ المعفو عنه
 ومنها: حسنة أبي بصير المتقدِّمة أيضاً عن أبي عبد الله ع ( في رجلٍ صلَّى - في ثوبٍ فيه جنابة - ركعتين ، ثمَّ عَلِمَ به ، قال : عليه أن يبتدأ الصَّلاة ، قال : وسألتُه عن رجلٍ يصلِّي ، وفي ثوبه جنابة ، أو دم ، حتَّى فرغ من صلاته ، ثمَّ علم ...) [1]
 وجه الاستدلال بهما: هو أنَّ إصابة الجنابة للثوب يكون عادة قبل الصلاة ، إذ من البعيد جدًّا إصابة الجنابة للثوب ، وهو في الصَّلاة .
 وعليه ، فلا يُستفاد من هاتَيْن الروايتَيْن إلَّا وجوب الإعادة ، فيما لو علم بنجاسةٍ سابقة على الصَّلاة ، سواء تمكَّن من إزالتها ، أو تبديل الثوب ، أم لم يتمكَّن .
 أقول: ذَكَرَ المحقِّق الهمداني: ( أنَّ صحيحة محمَّد بن مسلم ، وحسنة أبي بصير ، يحتمل قويًّا أن تكونا مسوقتَيْن لبيان حُكْم مَنْ صلَّى مع النجاسة نسياناً ، أي : إنَّه رأى النجاسة ، وغَفَلَ عنها حين الدخول في الصَّلاة ، ثمَّ عَلِم في الأثناء ، لا أنَّه كان جاهلًا بالجنابة ، ثمَّ حصل له العلم في الأثناء ، ثمَّ إنَّ هذا الاحتمال ، إن لم يكن أرجح منِ احتمال كونهما مسوقتَيْن لبيان حكم الجاهل الذي حصل له العلم في الأثناء ، فلا أقلّ من كونه مساوياً له ، وبه تسقط الروايتان عن الاستدلال من هذه الجهة ) .
 ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذا الاحتمال بعيد جدًّا ، وذلك لأنَّ الصدر في كلٍّ من الروايتَيْن مقابل للذَيْل ، والذَيْل ظاهر جدًّا ، إن لم يكن صريحاً في كون العلم بعد الفراغ من الصَّلاة ، فيكون المراد من الصدر هو العلم في الأثناء ، فلاحِظ الروايتَيْن .
 وقدِ استُدلَّ للقول المشهور - القائل: بالصِّحة إذا تمكَّن من إزالة النجاسة في الأثناء ، أو من تبديل الثوب - بالأخبار المتقدِّمة الواردة في صِحِّة الصَّلاة ، الواقعة مع النجاسة المجهولة ، إلى أن فرغ منها .
 وجه الاستدلال: أنَّه إذا كانت الصَّلاة صحيحة ، فيما لو وقعت بتمامها مع النجاسة ، فتصحُّ بالأولويَّة لو وقع بعض الصَّلاة مع النجاسة .
 وفيه: أنَّه لا أولويَّة ، ولا ملازمة بينهما ، إذ من الممكن أن تكون الطهارة الظاهريَّة المحرَزة ، ولو بالأصل ، مجزية في خصوص ما إذا كانت الصَّلاة واقعة في النجس بأجمعها ، دون ما إذا وقع شيء فيها في النجس ، بأنِ انكشف في أثناء الصلاة ، والأحكام الشرعيَّة مبنية على التعبُّد ، لا على الاستحسانات العقليَّة ، ولا علم لنا بالملاكات حتَّى نسرِّي بعض الأحكام إلى بعض الموضوعات الأُخَر .
 وقدِ استُدلَّ أيضاً بعدَّةٍ من الأخبار :
 منها: موثَّقة داود بن سرحان عن أبي عبد الله ع ( في الرجل يصلِّي ، فأبصر في ثوبه دماً ، قال : يتمّ ) [2] .
 وحمَلَها الشيخ على ما إذا كان الدم ممَّا يُعفى عنه ، كالأقلِّ من الدرهم .
 أضف إلى ذلك: أنَّه لا يمكن العمل بإطلاقها ، لأنَّها دالَّة على جواز الإتمام ، بلا تطهير للنجاسة ، ولا تبديل ، وهذا ممَّا لم يلتزم به أحد من الأعلام ،.
 ويحتمل أيضاً - احتمالًا معتدًّا به -: أن تكون النجاسة حادثة في الأثناء ، لا قبل الصَّلاة ، بقرينة ما تقدَّم من الأخبار الواردة في بطلان الصَّلاة الواقعة في النجاسة ، السابقة عليها .
 ومنها: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع ( قال: إن رأيت في ثوبك دماً ، وأنت تصلِّي ، ولم تكن رأيتَه قبل ذلك ، فأتمَّ صلاتك ، فإذا انصرفت فاغسله ، قال : وإن كنت رأيت قبل أن تصلِّي ، فلم تغسله ، ثمَّ رأيتَه بعدُ ، وأنت في صلاتك ، فانصرف فاغسله ، وأعِد صلاتَك ) [3]
 وقد عبَّر كثير من الأعلام عن هذه الرواية: بالصحيحة ، ولكنَّها في الواقع ضعيفة ، لأنَّ هذه الرواية ذكرها ابن إدريس في آخر "السرائر" ، نقلًا من كتاب المشيخة ، للحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان .
 ومن المعلوم أنَّ ابن إدريس لم يذكر طريقه إلى كتاب المشيخة ، فتكون الرواية مرسلة ، أو بحكم المرسلة ، هذا بالنسبة للسند .
 وأمَّا بالنسبة للدلالة: فلا يمكن حملها على ما إذا كان الدم ممَّا يعفى عنه ، كالأقلِّ من الدرهم ، كما حمل الشيخ موثَّقة ابن سرحان على ذلك .
 ووجه عدم إمكان الحمل: هو أمره ع بالانصراف ، وإعادة الصلاة ، على تقدير رؤيته قبل الصلاة .
 ولا وجه لهما على تقدير كون الدم معفوًّا عنه في الصَّلاة ، كما لا يمكن تقييد الإتمام بكونه بعد الإزالة ، لِمَا فيها من التصريحِ بكون الإزالةِ ، والغَسْل ، بعد الانصراف .
 وعليه ، فهي ، وإن كانت قابلة للتقييد ، بكون النجاسة حادثة في أثناء الصَّلاة ، إلَّا أنَّه لا يمكن العمل بها ، لدلالتها على وجوب الإتمام مع النجاسة ، لِمَا عرفت من عدم إمكان تقييد الإتمام بكونه بعد الإزالة ، ولم يقلْ أحد من الأعلام بمضمونها .
 وعليه ، فيردُّ علمها إلى أهلها .
 ومنها: حسنة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة ( قال: قلت له: الدم يكون في الثوب عليَّ ، وأنا في الصَّلاة ، قال: إن رأيت ، وعليك ثوب غيره ، فاطرحه ، وصلِّ في غيره ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامضِ في صلاتك ، ولا إعادة عليك ، ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقلَّ من ذلك فليس بشيء ، رأيته قبل ، أو لم تره ، وإذا كنت قد رأيته ، وهو أكثر من مقدار الدرهم ، فضيعت غَسْله ، وصلَّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعِدْ ما صلَّيت فيه ) [4]


[1] - الوسائل باب40 من أبواب النجاسات ح2
[2] - الوسائل باب44 من أبواب النجاسات ح2
[3] - الوسائل باب44 من أبواب النجاسات ح3
[4] - الوسائل باب20 من أبواب النجاسات ح6

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo