< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

34/07/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ المطهرات العشرة \ حكم الصلاة مع النجاسة وأحكام الآنية
 إذا عرفت ذلك فنقول : فالمشهور بين الأعلام كراهة استعمال الإناء المفضض .
 قال الشيخ في "المبسوط": ( يجوز استعمالها ، لكن يجب عزل الفم عن موضع الفضَّة ...) .
 وفي "الجواهر": ( يُكرَه استعمال الإناء المفضَّض على المشهور بين الأصحاب ، نقلًا وتحصيلًا ، بل في الحدائق عليه عامَّة المتأخِّرين ومتأخريهم ، بل لا أجد فيه خلافاً ، إلَّا ما حُكي عن الخلاف ، حيث سوَّى بينه وبين أواني الذهب والفضَّة في الكراهة التي صرَّح غير واحدٍ من الأصحاب بإرادته الحرمة منها هناك ...) .
 ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ حسنة الحلبي المتقدِّمة يُفهم منها حرمة استعمال المفضَّض ، حيث قال أبو عبد الله ع: ( لا تأكل في آنية من فضَّة ، ولا في آنية مفضَّضة ) [1] وبما أنَّه يحرم استعمال آنية الفضَّة فالمفضَّض كذلك ، لاشتراك المعطوف مع المعطوف عليه في الحكم .
 ولكنَّ الإنصاف: هو رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة بالنسبة للمفضَّض ، وذلك لصحيحة معاوية بن وهب قال: ( سُئِل أبو عبد الله ع عن الشرب في القدح ، فيه ضبَّة من فضَّة ، فقال: لا بأس ، إلَّا أن يُكره الفضَّة ، فينتزعها ) [2]
 وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال: ( لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض ، واعزل فمك عن موضع الفضة ) [3]
 ومقتضى الجمع العرفي حمل النهي في حسنة الحلبي بالنسبة للمفضض على الكراهة .
 لا يقال: يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، وهو غير جائز ، لأن النهي في حسنة الحلبي المتقدمة استعمل في آنية الفضة في الحرمة ، فلو استعمل في المفضض في الكراهة لزم هذا المحذور .
 فيقال: أن النهي استعمل في معنى واحد ، وهو النسبة الإيقاعية على ما تقدم في علم الأصول ،وأما الحرمة فتستفاد من العقل ، وأما الكراهة فتستفاد من وجود القرينة على لا ترخيص في العقل .
 والخلاصة: أن كل من الحرمة والكراهة خارجتان عن مدلول النهي وضعا ، فلم يستعمل النهي إلا في معنى واحد ، وهو النسبة الإيقاعية .
 وأما ما ورد في خبر عمرو بن أبي المقدام قال: ( رأيت أبا عبد الله ع قد أتى بقدح من ماء فيه ضبة من فضة فرأيته ينزعها بأسنانه ) [4] فلا ينافي صحيحة معاوية بن وهب .
 أما أولا: فلضعفه سندا ، بعدم وثاقة عمرو بن أبي المقدام .
 وثانيا: أنه حكاية فعل لم يعرف وجهه .
 ثم إن المشهور بين الأعلام أنه يجب اجتناب موضع الفضة ، بل في الجواهر ( لا خلاف أجده فيه بين القدماء والمتأخرين إلا منمعتبر المضيف فاستحبه وتبعه الطبأطبائي في منظومته ، واستحسنه في المدارك والذخيرة ...) .
 أقول: استدل الاستحباب الاجتناب بصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة ، حيث ذكر صاحب المدارك أن ترك الاستفصال في جواب السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم .
 ولكن الإنصاف: أن هذا العموم مخصص بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ، حيث ورد فيها :" واعزل فمك عن موضع الفضة "وعليه ، فما ذهب إليه المشهور ،من وجوب اجتناب موضع الفضة ، هو الصحيح
 ولكن صحيح بن سنان لا يشمل المفضض المطلي بماء الفضة ، إذ لا يصدق عليه قوله ع: " واعزل فمك عن موضع الفضة " إذ الفضة ما كانت جرما ، لا لونا ، وعرضا مثل المفضض .
 ثم إنه ينبغي التنبيه على أمر: وهو أن مورد الأخبار الإناء المفضض فهل يكون الإناء المذهب كذلك أم لا .
 قال المصنف في الذكرى: هل ضبة الذهب كالفضة يمكن ذلك كأصل الإناء والمنع لقوله (صلى الله عليه وآله) : " في الذهب والحرير هذان محرمان على ذكور أمتي" انتهى
 وقال العلامة في المنتهى الأحاديث وردت في المفضض ، وهو مشتق من الفضة ففي دخول الآنية المضببة بالذهب نظر ، ولم أقف للأصحاب فيه على قول ، والأقوى عندي : جواز اتخاذه عملا بالأصل والنهي إنما يتناول استعمال آنية الذهب والفضة ، نعم هو مكروه ، إذ لا ينزل عن درجة الفضة.
 وممن ألحقه بالمفضض صاحب الحدائق ، وصاحب الجواهر ، لا شتراكهما في أصل الحكم ، بل ربما كان المذهب أولى بالحكم .
 أقول: مقتضى الإنصاف عدم كراهية استعمال الإناء المذهب ، وعدم وجوب عزل الفم عن موضع الذهب ، وذلك لعدم الدليل على الإلحاق بالمفضض .
 وأما الأولوية والمساواة في العلة فلا يمكن القول بها لعدم علمنا بالملاكات ومجرد كون الذهب أعلى قيمة من الفضة لا يكون ذلك ملاكا للمساواة أو الأولوية ، ، وإلا للزم الحكم بكراهة الإناء المصنوع من الألماس والربرجد ، لأنه أعلى قيمة من الذهب والفضة وبالجملة ، إن العلم بالملاك يحتاج إلى دعوى علم الغيب .
 وأما ما ورد في خبر الفضيل بن يسار قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن السرير فيه الذهب ، أيصلح إمساكه في البيت ، فقال : إن كان ذهبا فلا ، وإن كان مء الذهب فلا بأس ) .
 ففيه أولا: أنه ضعيف بمحمد بن سنان .
 وثانيا: أنه ليس مما نحن فيه لأن كلامنا في الآنية .
 وثالثا: أنه لا مانع من إمساك الذهب ، وإبقائه في البيت ، سواء أكان سريرا أم غيره ، إذ لا يحرم اقتناء الذهب وادخاره في البيت ، والله والعالم .


[1] - الوسائل 66 من أبواب النجاسات ح1
[2] - الوسائل 66 من أبواب النجاسات ح4
[3] - الوسائل 66 من أبواب النجاسات ح5
[4] - الوسائل 66 من أبواب النجاسات ح6

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo