< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/02/23

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فقه / الصَّلاة / صلاة القضاء وأحكامها /
المسألة الثانية : هل يجب تقديم الفائتة على الحاضرة ما لم يتضيق وقتها ؟، وبعبارة أخرى : هل يشترط في صحة الحاضرة تفريغ الذمّة عن الفائتة أم لا ؟ .
هناك أقوال في المسألة :
القول الأوَّل : أنّه لا يشترط تقديم الفائتة في صحّة الحاضرة، سواء أكانت الفائتة صلاة واحدة، أو صلوات متعدِّدة، وسواء كانت ليوم حاضرٍ أم فائت، وقد ذهب إلى هذا القول جماعة كثيرة من الأعلام، وقدِ ادَّعى بعض الأعلام أنّ هذا القول هو المشهور بين المتأخرين، وذهب إليه جماعة من المتقدِّمين .
ثمّ إنّ أصحاب هذا القول اختلفوا :
فمنهم : من صرح باستحباب تقديم الفائتة .
ومنهم : من نصّ على استحباب تقديم الحاضرة .
القول الثاني : يعتبر تقديم الفائتة على الحاضرة مطلقاً، ما لم يتضيَّق وقت الحاضرة، فلو قدَّم الحاضرة على الفائتة لم تصحّ، وقد حُكِي هذا القول عن الشيخ والإسكافي والسيدين والحلبي والحلي (قدس الله أسرارهم)، بل عن غير واحد من الأعلام نسبة هذا القول إلى المشهور بين المتقدِّمين، بل عن الخلاف والغنية، ورسالتي المفيد والحبي (قدس سرهما) : الإجماع عليه .
القول الثالث : ما عن المحقِّق(رحمه الله)في المعتبر، وغيره ممّن تبعه : التفصيل بين فائتة واحدة، وفوائت متعدّدة، فاعتبر الترتيب في الأوّل دون الثاني .
القول الرابع : ما عن العلَّامة(رحمه الله)في المختلف : من التفصيل بين ما لو قضاها في يوم الفوات وغيره، فقال : (الأقرب : أنّه إذا ذكر الفائتة في يوم الفواات وجب تقديمها على الحاضرة، ما لم يتضيّق وقت الحاضرة، سواء اتحدت أم تعدّدت، ويجب الابتداء بسابقتها على لاحقتها، وإن لم يذكرها حتّى يمضي ذلك اليوم جاز له فعل الحاضرة في أوّل وقتها، ثمّ اشتغل بالقضاء، سواء اتحدت الفائتة أو تعددت، ويجب الابتداء بسابقتها على لاحقتها، والأولى تقديم الفائتة، ما لم يتضيّق وقت الحاضرة) .
والمهمّ في المقام : هو القول الأوّل والثاني، وبذكر أدلّتهما تتضح بقيّة الأقوال :
أمّا القول الأوّل : فقدِ استُدل له بعدَّة أدلَّة :
منها : أصالة عدم اشتراط الحاضرة، بتقدم الفائتة عليها، وقد ذكرنا في علم الأصول جريان البراءة عند الشكّ في الشرطيّة .
ولكن لا يخفى أنّ جريان الأصل إنّما يصحّ إذا لم يتمّ شيء من الأدلّة الاجتهاديّة على القولين .
ومنها : أكثر النصوص المتقدِّمة المستدلّ بها على القول بالمواسعة فإنّها تصلح أن تكون دليلاً في المقام كما هو كذلك، ولا حاجة لإعادتها .
ومنها : صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة، فإنِ استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلّهما، وإن خاف أن تفوته إحداهما فَلْيبدأ بالعشاء الآخرة، وإنِ استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح، ثمّ المغرب، ثمّ العشاء قبل طلوع الشَّمس)[1]، ومثلها : صحيحة عبد الله بن سنان [2]، وهي واضحة الدَّلالة في تقديم الحاضرة على الفائتة، وأنَّها تصحّ قبل تفريغ الذمّة من الفائتة .
ومنها : صحيحة ابن مسلم (قال : سألته عن الرجل تفوته صلاة النَّهار، قال : يصلِّيها إن شاء بعد المغرب، وإن شاء بعد العشاء)[3].
ومنها : حسنة الحلبي (قال : سُئِل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل فاتته صلاة النَّهار متى يقضيها ؟ قال : متى شاء، إن شاء بعد المغرب، وإن شاء بعد العشاء)[4].
إن قلت : إنّ المراد بصلاة النَّهار في الصحيحة والحسنة خصوص النوافل النَّهارية ! .
قلت : لا دليل على ذلك، وقياسها على صلاة الليل التي ينصرف إطلاقها إلى نافلة الليل قياس مع الفارق، باعتبار أنَّ صلاة اللّيل صارت حقيقة عرفيّة في النافلة المعهودة، فكيف يُقاس عليها صلاة النَّهار التي لم يتعارف استعمالها في خصوص النافلة ؟ .
وعليه، فيكفي في الاستدلال احتمال إرادة السائل خصوص الفريضة أو الأعمّ منها، ومن النافلة، ضرورة عدم كون السؤال ظاهراً في إرادة خصوص النافلة على وجه لم يكن محتاجاً إلى الاستفصال لو كان الحكم مخصوصاً بها .
ومنها : مرسلة جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) الآتية - إن شاء الله تعالى - المستدلّ بها هناك على وجوب الترتيب على الفوائت (قال : قلت تفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب، ويذكر بعد العشاء، قال : يبدأ بصلاة الوقت الذي هو فيه، فإنّه لا يأمن الموت، فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل، ثمّ يقضي ما فاته الأوّل فالأوّل) [5]، هكذا في رواية الوسائل، وفي المعتبر (عند العشاء) بدل (بعد العشاء) .
ومهما يكن، فقد دلّت على صحّة الحاضرة مع اشتغال الذمّة بالفوائت .
وفيها أوَّلاً : أنها ضعيفة بالإرسال .
وثانياً : أنّ التعليل الوارد فيها غير مفهوم ويردّ علمه إلى أهله، لأنّ التعليل إنّما يتناسب لو قدمنا الحاضرة على أمر مباح أو مستحب، دون تقديمها على الفائتة التي هي كالحاضرة في الوجوب .
وبالجملة، فإنّ الفائتة ممّا تشترك مع الحاضرة في العلّة المذكورة، ولا مزية لأحدهما على الأخرى، فإنّ عدم الأمن من الموت يصلح أن يكون علّة لكلٍّ منهما، فلا خصوصيّة للحاضرة .
وأمَّا فرض كون صلاة المغرب فائتة فسيأتي توضيحه - إن شاء الله تعالى - عند التكلّم عن المرسلة في مسألة وجوب الترتيب بين الفرائض، والله العالم .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo