< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/02/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: فقه / الصَّلاة / صلاة القضاء وأحكامها /
وأمَّا القول الثاني : فقد استدل له بعدّة أدلّة :
منها : أصالة الاحتياط، لأنَّه عند الشكّ في شرطيّة شيء للواجب لا يحصل العلم بالفراغ عن التكليف اليقيني بالحاضرة إلَّا بعد الإتيان بما شكّ في شرطيّته، وهو الفائتة .
وفيه أوَّلاً : أنّ المورد ليس من موارد أصالة الاحتياط، بل من موارد البراءة، فعند الشكّ في ذلك يرجع إلى أصالة البراءة، كما لا يخفى .
وثانياً : أنّ الرجوع إلى الأصل العملي إنّما هو بعد فقدان الدليل الاجتهادي على المسألة .
ومنها : الإجماع المنقول بخبر الواحد .
وفيه : ما عرفت من عدم حجيّته .
أضف إلى ذلك : أنّه كيف ينعقد الإجماع مع معروفيّة الخلاف، وذهاب الأكثر إلى عدم الاشتراط .
ومنها : الأدلّة المتقدّمة التي استدلّ بها على المضايقة، باعتبار أنه لا قائل بالفصل بينها وبين القول بوجوب تقديم الفائتة .
وفيه أوّلاً : أنّ القائل بالفصل موجود .
وثانياً : أنَّ الأقوى هو القول بالمواسعة، وأنَ أدلة المضايقة محمولة على الاستحباب، بناءً على تماميّتها في نفسها .
وثالثاً : مع التسليم بالدَّلالة على وجوب المضايقة، وأنَّه لا قائل بالفصل بين المسألتين، إلَّا أنَّ بطلان الحاضرة إذا لم يأتِ بالفائتة متوقِّف على كون الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ، وقد عرفت عدمه .
ومنها : النبوي المرسل أنَّه لا صلاة لِمَنْ عليه صلاة[1].
وفيه أنَّه أوَّلاً : ضعيف بالإرسال، بل لم يوجد في الأصول المعدَّة لجمع الأخبار .
وثانياً : أنَّ المراد بالصَّلاة المنفيَّة هي النافلة، أي لا تطوع لمن عليه فريضة، وقد ذكرنا سابقاً أنَّ النهي عن التطوّع لِمَنْ عليه فريضة محمول على الكراهة، بمعنى أقليّة الثواب، وذلك جمعاً بين الأخبار .

ولا يصحّ أن يكون المراد من الصَّلاة المنفيَّة في المرسل هي الصَّلاة الواجبة الحاضرة، إذ كلّ من الفائتة والحاضرة يصدق عليهما أن عليه صلاة، فليس الاستشهاد بالمرسل لوجوب تقديم الفائتة على الحاضرة أولى من العكس .
ومنها : حسنة زرارة عن أبي جعفر ‘ (قَالَ : إِذَا نَسِيتَ صَلَاةً، أَوْ صَلَّيْتَهَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، وكَانَ عَلَيْكَ قَضَاءُ صَلَوَاتٍ، فَابْدَأْ بِأَوَّلِهِنَّ (بأُولاهن خ ل) فَأَذِّنْ لَهَا وأَقِمْ، ثُمَّ صَلِّهَا، ثُمَّ صَلِّ مَا بَعْدَهَا بِإِقَامَةٍ، إِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ ( وقَالَ خ ل) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ‘ : وإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ الظُّهْرَ، وقَدْ فَاتَتْكَ الْغَدَاةُ، فَذَكَرْتَهَا فَصَلِّ الْغَدَاةَ، أَيَّ سَاعَةٍ ذَكَرْتَهَا، ولَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ، ومَتَى مَا ذَكَرْتَ صَلَاةً فَاتَتْكَ صَلَّيْتَهَا، وقَالَ : إِنْ ( إذا خ ل) نَسِيتَ الظُّهْرَ حَتَّى صَلَّيْتَ الْعَصْرَ فَذَكَرْتَهَا، وأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِكَ، فَانْوِهَا الأُولَى، ثُمَّ صَلِّ الْعَصْرَ، فَإِنَّمَا هِيَ أَرْبَعٌ مَكَانَ أَرْبَعٍ، وإِنْ ذَكَرْتَ أَنَّكَ لَمْ تُصَلِّ الأُولَى وأَنْتَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، وقَدْ صَلَّيْتَ مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ، فَانْوِهَا الأُولَى، ثُمَّ صَلِّ الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ، وقُمْ فَصَلِّ الْعَصْرَ، وإِنْ كُنْتَ قَدْ ذَكَرْتَ أَنَّكَ لَمْ تُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، ولَمْ تَخَفْ فَوْتَهَا فَصَلِّ الْعَصْرَ، ثُمَّ صَلِّ الْمَغْرِبَ، فإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ فَقُمْ فَصَلِّ الْعَصْرَ، وإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ مِنَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرْتَ الْعَصْرَ فَانْوِهَا الْعَصْرَ، ثُمَّ قُمْ فَأَتِمَّهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تسَلِّمْ، ثُمَّ تُصَلِّي الْمَغْرِبَ، فَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، ونَسِيتَ الْمَغْرِبَ، فَقُمْ فَصَلِّ الْمَغْرِبَ، وإِنْ كُنْتَ ذَكَرْتَهَا، وقَدْ صَلَّيْتَ مِنَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ قُمْتَ فِي الثَّالِثَةِ، فَانْوِهَا الْمَغْرِبَ، ثُمَّ سَلِّمْ، ثُمَّ قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فإِنْ كُنْتَ قَدْ نَسِيتَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ حَتَّى صَلَّيْتَ الْفَجْرَ فَصَلِّ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، وإِنْ كُنْتَ ذَكَرْتَهَا، وأَنْتَ فِي الرَكْعَةِ الأُولَى، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ مِنَ الْغَدَاةِ، فَانْوِهَا الْعِشَاءَ، ثُمَّ قُمْ فَصَلِّ الْغَدَاةَ وأَذِّنْ وأَقِمْ، وإِنْ كَانَتِ الْمَغْرِبُ والْعِشَاءُ الآخِرَةُ قَدْ فَاتَتَاكَ جَمِيعاً فَابْدَأْ بِهِمَا قَبْلَ أَنْ تُصَلِّيَ الْغَدَاةَ، ابْدَأْ بِالْمَغْرِبِ، ثُمَّ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ تَفُوتَكَ الْغَدَاةُ إِنْ بَدَأْتَ بِهِمَا فَابْدَأْ بِالْمَغْرِبِ، ثُمَّ صلِّ الْغَدَاةِ، ثُمَّ صَلِّ الْعِشَاءَ، وَإِنْ خَشِيتَ أَنْ تَفُوتَكَ الْغَدَاةُ إِنْ بَدَأْتَ بِالْمَغْرِبِ فَصَلِّ الْغَدَاةَ، ثُمَّ صَلِّ الْمَغْرِبَ والْعِشَاءَ، ابْدَأْ بِأَوَّلِهِمَا، لأَنَّهُمَا جَمِيعاً قَضَاءٌ، أَيَّهُمَا ذَكَرْتَ فَلَا تُصَلِّهِمَا إِلَّا بَعْدَ شُعَاعِ الشَّمْسِ، قَالَ : قُلْتُ : ولِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ : لأَنَّكَ لَسْتَ تَخَافُ فَوْتَهَا) [2]
والرواية حسنة، وليست صحيحة لأن السند الآخر للكليني فيه محمّد بن إسماعيل، وهو البندقي النيشابوري المجهول .
والظاهر أنَّ محلّ الاستشهاد في هذه الحسنة الطويلة ثلاث فقرات :
الأولى : قوله ‘ : ( وإِنْ كُنْتَ قَدْ ذَكَرْتَ أَنَّكَ لَمْ تُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، ولَمْ تَخَفْ فَوْتَهَا فَصَلِّ الْعَصْرَ، ثُمَّ صَلِّ الْمَغْرِبَ)، وهذا يدلَّ على وجوب الترتيب، وأنَّ الحاضرة متوقِّفة على الإتيان بالعصر التي هي الفائتة .
ولا يخفى أنَّ هذا الاستدلال متوقِّف على كون وقت المغرب مضيّقاً، أي : ينتهي وقت الإجزاء بذهاب الحرمة المغربيَّة، لأنّه لم تذكر عدم الإتيان بصلاة العصر حين دخول وقت المغرب - وهذا الوقت مضيّق لأنّه تقريباً مقدار ثلاث أرباع السَّاعة - فمن الممكن حينئذٍ عدم تمكّنه من الجمع بين قضاء العصر والإتيان بصلاة المغرب، لاشتغاله بمقدمات الصَّلاة من الطهارة الخبثيَّة والحدثيَّة .
وعليه، فصحَّ التفصيل بين خوف فوت وقت صلاة المغرب، فيقدَّم حينئذٍ صلاة المغرب، وبين عدم الخوف فيقدّم قضاء صلاة العصر .
وأمَّا على القول الصحيح - وهو المشهور من أنَّ وقت الإجزاء يمتدّ إلى نصف الليل - فلا يصحَّ الاستشهاد، بل هي على العكس المطلوب أدلّ، وذلك لعدم صحّة التفصيل، إذ لا خوف حينئذٍ من فوت وقت المغرب لاتساعه كثيراً، فإذا تذكّر عدم الإتيان بالعصر حين دخول وقت المغرب فبإمكانه أن يجمع بينهما بسهولة .
ومن هنا يتعيّن أن يكون المراد من خوف فوت وقت المغرب هو خوف وقت الفضيلة، فإذا خاف فوتها بدأ بالمغرب ثمّ قضى العصر .
وعليه، فيدلّ على عكس المطلوب، وهو صحّة الحاضرة مع اشتغال الذمّة بالفائتة، هذا كلّه مبني على كون كلمة حتّى في الرواية غاية للنسيان، أي انتهاء النسيان بدخول وقت المغرب .
وأمَّا إذا كانت غاية لترك العصر، أي ترك صلاة العصر، واستمر تركه حتّى دخل وقت المغرب فيصحّ الاستدلال حينئذٍ، إذ يمكن أن يكون النسيان مستمراً إلى ما قبل منتصف الليل بقليل، بحيث يخاف فوت وقت المغرب إذا أتى بصلاة العصر قضاء .
وبالجملة، فإنّ التفصيل صحيح حتّى على مذهب المشهور الصحيح، وهو انتهاء الوقت بانتصاف الليل .
ولكن الإنصاف : أنَّ هذه الفقرة ليست ناظرة إلى ترتب الحاضرة على الفائتة، وإنَّما سياقها يشهد بأنَّها ناظرة إلى المضايقة في حدِّ نفسها، وإن المبادرة إلى إتيان الفائتة أمر مرغوب فيه، ومحبوب في حدِّ نفسه، سواء كان ذلك قبل دخول وقت الحاضرة، أو بعد دخوله قبل أداء الحاضرة، أو في أثنائها مع إمكان العدول، أو بعد الإتيان بالحاضرة .
أُنظر قوله ‘ في صدر الرواية : ( وقَدْ فَاتَتْكَ الْغَدَاةُ، فَذَكَرْتَهَا فَصَلِّ الْغَدَاةَ، أَيَّ سَاعَةٍ ذَكَرْتَهَا، ولَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ، ومَتَى مَا ذَكَرْتَ صَلَاةً فَاتَتْكَ صَلَّيْتَهَا) .
وعليه، فالفقرة وما بعدها تفريع على ما ذكره في الصَّدر، وأنَّه بيان لحكم الفائتة في حدِّ نفسها، وبما أنّه قد تقدّم أنّ القول بالمواسعة هو الصحيح فيكون الأمر حينئذٍ محمولاً على الاستحباب .
وبهذا يتضح لك حال الفقرتين الأخريين المستدلّ بهما على الترتيب، وهما قوله ‘ : (وإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ مِنَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرْتَ الْعَصْرَ فَانْوِهَا الْعَصْرَ)، وقوله ‘ : (وإِنْ كَانَتِ الْمَغْرِبُ والْعِشَاءُ الآخِرَةُ قَدْ فَاتَتَاكَ جَمِيعاً فَابْدَأْ بِهِمَا قَبْلَ أَنْ تُصَلِّيَ الْغَدَاةَ... )، فإنَّ المنظور فيهما هو المضايقة في حدّ نفسها، وأنّها مطلوبة، وأمَّا كون الترتيب بنفسه مطلوبا، لا من حيث ابتنائه على المضايقة، فلا يستفاد من هذه الحسنة .
إن قلت : الترتيب بين الظهرين والعشائين ثابت كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - .
قلت : هذا صحيح، ولكن من دليل آخر، لا من نفس هذه الحسنة .
ثمّ لو تنزلنا عن كلّ ما ذكرناه، وقلنا : بأنّ الأمر العدول إلى الفائتة فيما لو تذكّر في الأثناء إنّما هو للترتيب، إلّا أنّه مع ذلك لا يدلّ على الوجوب، لكون الأمر وارداً مورد توهَّم الحظر، لامتناع العدول في الأثناء بحسب ارتكاز المتشرعة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo