< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :فقه الصَّلاة / درس 29 في لباس المصلَّي /

قوله : ( ورُوي : استحبابُ كشفِ الرأسِ للأمَّة )
قال المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر : (وهل يستحبّ لها القناع، قال به عطاء، ولم يستحب الباقون، لِمَا رُوي : أنّ عمر كان ينهى الإماء عن التقنّع، وقال : إنَّما القناع للحرائر، وضرب أمة لآل أنس رآها متقنّعة، وقال : اكشفي، ولا تشبهي بالحرائر، وما قاله عطاء حسن، لأنّ الستر أنسب بالخفر والحياء، وهو مراد من الحرّة والأمة، وما ذكروه من فعل عمر جاز أن يكون رأياً رآه) .
وفي المدارك : (الأظهر عدم ثبوت الاستحباب، لعدم ثبوت ما يقتضيه)، واختار صاحب الحدائق (رحمه الله) الكراهة، ونسب ذلك إلى المشهور، وحُكِي عن ظاهر الصدوق (رحمه الله) في العِلَل الحرمة، حيث قال : (باب العلّة التي من أجلها لا يجوز للأمة أن تقنع رأسها ... ويمكن أن يريد الكراهة، كما عن المجلسي، ولعل ذهابه للحرمة الأخبار الواردة في المسألة، والتي :
منها : خبر حمّاد اللحَّام المروي في العِلَل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : سألته عن الخادم تقنع رأسها في الصَّلاة، قال : اضربوها حتّى تُعرِف الحرّة من المملوكة)[1].
ومنها : خبر حماد اللحَّام الآخر المروي في العِلَل والمحاسِن (قال : سألتُ أبا عبد الله عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلَّتْ، قال : لا، قد كان أبي إذا رأى الخادم تصلّي وهي مقنّعة ضربها، لتُعرِف الحرّة من المملوكة)[2].
وفيهما : أنهما ضعيفا السند بجهالة حماد اللحام، فلا يمكن الذهاب إلى الحرمة .
ويؤيِّد ذلك : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله ‘ حيث ورد في الذيل ©فإنَّه ليس عليها الخمار إلَّا أن تحبّ أن تختمر، وعليها الصيام®[3].
ومنها : خبر أبي خالد القماط المروي في الذكرى عن كتاب علي بن إسماعيل الميثمي (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأمة أيُقنَّع رأسُها ؟ قال : إن شاءتْ فعلتْ، وإن شاءت لم تفعل، سمعتُ أبي يقول : كُنَّ يُضْرَبن، فيُقال لهنّ : لا تشبهنّ بالحرائر)[4]، وإنّما جعلناهما مؤيدَيْن لضعفهما سنداً :
الأول : بعلّي بن أبي حمزة البطائني، وبجهالة القاسم بن محمّد الجوهري.
والثاني : بأبي خالد القماط، حيث إنَّه مشترك بين عدّة أشخاص، فيهم الضعيف والمجهول، وبجهالة طريق الشهيد إلى كتاب علي بن إسماعيل، فتكون مرسلة، بل لا دليل على الكراهة، لضعف الأخبار المتقدّمة من جهة، ومن جهة أخرى يغلب الظنّ أنّها صدرت للتقيّة، لأنّ المحكي عن عمر أنّه كان يضرب الأمة لذلك .
ويؤيِّد الحمل على التقيَّة : أنّ الضرب أذيّة لا يجوز أن يرتكب إلّا لفعل حرام، أو ترك واجب، وليس عدم الستر واجباً، مع أنّ ظاهر الروايات أن الضرب كان من دون أن يتقدّم النهي منع، ولا كان منهنّ إصرار .
والإنصاف : أنّ الاستحباب أقرب، لأنّه أنسب بالحياء والعفة، والله العالم .
ثمّ ما الباعث لمعرفة المملوكة من الحرّة في الصّلاة على أنّها معروفة بلا شبهة، كلّ ذلك شواهد على التقيّة .

قوله : (والمعتق بعضها : كالحرة)
هذا هو المعروف بين الأعلام، لاختصاص الأمة في النصّ في النص والفتوى بغيرالمبعضة، فتبقى داخلة تحت إطلاق وجوب الستر على المرأة، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى - بعد نقل صحيحة محمّد بن المسلم المتقدّمة والتي ورد في ذَيْلها : ولا المكاتبة إذا اشترط عليها مولاها - : (وهو يشعر بما قالوه للتخصيص بالمشروطة، ومقصوده أنّ تخصيص (عليه السلام) المكاتبة المشروطة بالذكر - وهي التي لا تنعتق حتى تؤدّي مال الكتابة كاملة، دون المطلّقة التي ينعتق منها بنسبة ما تؤدّيه - مشعر بأنّ المطلقة متى أدّت بعضها لم تدخل في عداد هؤلاء المذكورين بانعتاق بعضها) .
والإنصاف : أنّها ظاهرة في ذلك، وليست فقط مشعرة، وذلك لمفهوم الشّرط، إذ مفهومها أنّ المكاتبة المطلقة عليها القناع وإن أصبحت حرة بمقدار ما أدّت من مال الكتابة، وصارت مبعّضة .
وقد يستدلّ أيضاً برواية حمزة بن حمران عن أحدهما (عليهما السلام) (قال : سألتُه عن الرّجل أعتق نصف جاريته - إلى أن قال : - قلت : فتغطي رأسها منه حين أعتق نصفها ؟ قال : نعم، وتصلّي هي مخمرة الرأس ... )[5]، ولكنَّها ضعيفة لعدم وثاقة حمزة بن حمّران، ولم يمدح معتدّاً به .
لا يقال : إنّ أخبار الستر وإن كانت مطلقة إلّا أنّها مقيّدة بالحرّة، وذلك لرواية يونس بن يعقوب (أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد، قال : نعم، قال : قلت : فالمرأة، قال : لا، ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلّا الخمار، إلّا أن لا تجده)[6].
وفيها أوّلاً : أنّها ضعيفة، لأنّ في طريق الشيخ الصّدوق (رحمه الله) إلى يونس بن يعقوب الحكم بن مسكين، وهو ضعيف .
وثانياً : أنّ التخصيص بالحرّة إنّما ينبغي الحكم عن المبعّضة بناءً على ثبوت مفهوم اللقب - لأنّ الوصف إذا لم يعتمد على الموصوف يدخل في مفهوم اللقب - وهو غير ثابت .
ثمّ إنّه على تقدير ثبوت المفهوم فهو لا يصلح لتقييد المطلقات إلّا بالنسبة إلى الأمة المنصرفة عن المبعّضة، لأنّها هي المقابلة للحرّة، والله العالم .

قوله : (ولو أعتقت في الأثناء وعلمت استترت)
قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (ولو أعتقت الأمة في الأثناء وجب عليها الستر، فإن افتقرت إلى فعل كثير استأنفت مع سعة الوقت وأتمّت، لا معه، لتعذّر الشّرط حينئذٍ فتصلّي بحسب المكنة، وقال الشيخ (رحمه الله) في المبسوط

إن قدرت على ثوب تغطي رأسها وجب عليها أخذه وتغطية الرأس، وإن لم يتمّ لها ذلك إلّا بأن تمشي خطًى قليلةً من غير أن تستدير القبلة كان مثل ذلك، وإن كان بالبعد منها، وخافت فوات الصّلاة أو احتاجت إلى استدبار القبلة صلّت كما هي، وليس عليها شيء، ولا تبطل صلاتها) .
وبالجملة، فالمعروف بين الأعلام الصحّة إن لم يتخلّل زمان بين العتق وستر رأسها، كما لو كانت ساترة رأسها آناً ما قبل العتق، بل لا إشكال في هذه الصّورة، وإنّما الكلام لو تخلّل زمان بين العتق وستر رأسها، بحيث بادرت إلى ستر رأسها، بلا فعل منافٍ فالمعروف بين الأعلام أيضاً الصحّة في هذه الصّورة قال صاحب الجواهر (رحمه الله) : (لعموم الدليل وزوال المسقط، وصدق الامتثال، وأصالة صحّة ما مضى فيختص التكليف حينئذٍ بالستر للباقي، ويلزمه العفو عن التكشّف زمن الاشتغتال بالامتثال - إلى أن قال : - نعم يؤيّد الصحّة في المقام عدم الخلاف فيها فيما أجد إلّا ما حكاه في كشف اللثام عن ابن إدريس من البطلان، بناءً على أنّ انكشاف العورة كالحدث فيها، مع أنّ المحكي عن سرائره، وخلاف ذلك ... ) .
أقول : إن ثبت التسالم بين الأعلام على الصحّة في هذه الصّورة فيه، وكفى به دليلاً وإلّا فلا بدّ من التماس دليل آخر، وقد استدلّوا بثلاثة أدلّة :
الأوّل : أصالة البراءة عن شرطيّة التستر في الآن المتخلّل لقصور الأدلّة اللفظيّة عن إثبات اعتبار التستر فيما عدا الأفعال من الأكوان المتخلّلة .
وفيه : أنَّ المفهوم من الأدلّة اللفظيّة، كما ستأتي - إن شاء الله تعالى - اعتبار التستّر من أوّل الصّلاة إلى آخرها والتخصيص بالأفعال لا دليل عليه، ومن هنا لا مورد حينئذٍ لأصالة البراءة .
الثاني : حديث لا تُعاد الصّلاة إلّا من خمسة، بناءً على شموله لمطلق الخَلَل، وإن كان عن غير سهو، ما لم يكن عن عمد واختيار، وعلى جواز تطبيقه ولو في أثناء الصّلاة، وبناءً عليه فلو رفعت المعتقة يدها عن صلاتها وأعادتها بعد التستر فقد أعادت الصّلاة من غير الخمس المستثناة، مع أنّ الحديث ينفي ذلك .
والخلاصة : أنّ حديث (لا تعاد) يصحّح صلاتها لو استمرت بعد التستّر .
وفيه : أنّ حديث (لا تعاد) وإن كان يشمل مطلق الخَلَل ويصحّ تطبيقه ولو في الأثناء إلَّا أنّه إمّا مختصّ بالناسي كما عن المحقّق النائيني (رحمه الله)، أو يشمل الجاهل القاصر كما اخترناه، وعلى الحالتين فلا يشمل الملتفت إلى الخَلَل في ظرفه، كما فيما نحن فيه .
الثالث : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) (قال : سألته عن الرّجل صلّى وفرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة أو ما حاله ؟ قال : لا إعادة عليه، وقد تمّت صلاته)[7]، بناءً على إطلاقها الشامل لصورة الالتفات في الأثناء المستلزم بعد التستّر التكشّف من زمان العلم إلى زمان وقوع التستّر، فإذا لم يضرّ هذا المقدار في كشف العورة، فبالأولويّة يتعدّى منه إلى المقام .
ويردّ عليه : أنّ الصّحيحة وإن كانت مطلقة بحيث تشمل صورة الالتفات في الأثناء - كما قوّينا ذلك - إلَّا أنّ ذلك مخصوص بما لو بالكشف بعد سترها كما لو علم وهو قائم أنّ العورة كانت مكشوفة حال الركوع وهي الآن مستورة، ولم يفرض في الصحيحة الكشف حين الالتفات الذي هو محلّ الكلام، ليتعدّى منه إلى المقام، ولا إطلاق في الصحيحة، بحيث يشمل الكشف حين الالتفات .
والخلاصة : أنَّ الأقرب في هذه الصورة بطلان الصّلاة، ولا بد من الإعادة .


قوله : (فإنِ استلزم المنافي بطلت مع سعة الوقت)
قد عرفت أنّ الأقوى هو بطلان، سواء التزم ذلك فعل المنافي، أم لا، يبقى أنّ ظاهر الشيخ (رحمه الله) في الخلاف أنّها لو اعتقت في الأثناء أتمّت صلاتها ولو لم تتستّر للباقي، ثمّ نسب التفصيل بين التستر فتصحّ، وتركه فتبطل، إلى الشافعي، وظاهره الصحّة مطلقاً، قال (رحمه الله) في المدارك - بعد نقل قول الشيخ - : (لأنّ دخولها كان مشروعاً، والصّلاة على ما افتتحت عليه وهو ظاهر اختيار المصنف (رحمه الله) في المعتبر ولا يخلو من قوّة، لأنّ الستر إنّما ثبت وجوبه إذا توجه التكليف به قبل الشروع في الصلاة، لا مطلقاً) .
أقول : لا يوجد فيه شيء من القوّة، كما لا يخفى .
وأمّا قوله : (والصّلاة على ما افتتحت عليه) .
ففيه : أنّ ذلك مورده لو دخل في الفريضة فظّنها النافلة أنّ دخل في النافلة فظنّها الفريضة فلا يضرّ ذلك حينئذٍ كما هو مورد الرّوايات، لا مطلقاً، والله العالم .

قوله : (والصبيّة إذا بلغت في الأثناء تستأنف إذا بقي من الوقت مصحّح الصّلاة)
أطلق جماعة من الأعلام الاستثناف وإن أمكنها التستر من غير فعل منافٍ إذا اتسع الوقت للستر وركعة، منهم المصنِّف (رحمه الله) هنا، وفي الذكرى والبيان، والعلاّمة في جملة من كتبه كالمنتهى ونهاية الأحكام والمختلف والتذكرة والتحرير، والمحقِّق الثاني (رحمه الله) في جامع المقاصد والشهيد الثاني في الروض .
ولعلّ ذلك منهم بناءً على أنّها تمرينية قبل البلوغ، وذكر جماعة من الأعلام أنّها تفعل مثل الأمة من وجوب الستر في الأثناء إذا لم يستلزم المنافي، وإلا استأنفت .
والإنصاف : أن حكمها حكم الأمة من حيث البطلان فما قلناه هنكا لقوله هنا لاتحاد الأدلّة .

قوله : (والظاهر أّن الأُذنين والشعر في الحرّة من العورة)
ذكرنا ذلك بالتفصيل عند قول الماتن سابقا : وبدن المرأة ورأسها عورة، فراجع .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo