< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / درس 29 في لباس المصلَّي /

واعلم أيضاً أنّ الكراهة تخفّ بالستر أيضاً، وذلك لصحيحة حماد بن عثمان (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الدّراهم السُّود، فيها التماثيل، أيصلي الرجل وهي معه ؟ فقال : لا بأس بذلك إذا كانت مواراة)[1].
وإنَّما قلنا بالتخفيف، دون الارتفاع، لظاهر جملة من النصوص من بقاء الكراهة حتى مع الستر، منها صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (أنَّه سُئِل عن الدّراهم السود تكون مع الرجل، وهو يصلي، مربوطة، أو غير مربوطة، فقال : ما أشتهي أن يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها، ثمَّ قال (عليه السلام) : ما للنَّاس بدّ من حفظ بضايعهم، فإن صلّى، وهي معه، فَلْتكن من خلفه، ولا يجعل شيئاً منها بينه وبين القبلة)[2].
ثمَّ إنَّه قد يُستفاد من بعض الأخبار أيضاً حصول خفّة أخرى بالوضع خلف المصلِّي، منها خبر ليث المرادي (قال : قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام) - إلى أن قال : - وإذا كانتْ معك دراهمُ سودٍ، فيها تماثيل، فلا تجعلها من بين يديك، واجعلها من خلفك)[3]، ولكنَّه ضعيف بمحمَّد بن سنان .

قوله : (واشتمال الصمَّاء بأن يلتحف بالإزار، ويُدخِل طرفَيْه تحت يده، ويجمعها على منكب واحد)
المشهور بين الأعلام عدم الفرق في الكراهة بين مثال الحيوان وغيره، لإطلاق النصوص، بل نسبه بعض منهم إلى الأكثر، وآخر إلى الأصحاب تارة إلى المشهور أخرى، ولم يُحْكَ الخلاف إلَّا عن ابن إدريس ¬، فخصّها بصورة الحيوان .
قال المصنِّف ¬ في الذكرى : (خصّ ابن إدريس (قدس سره) الكراهة بتماثيل الحيوان لا غيرها، كالأشجار، وكأنّه نظر إلى تفسير قوله تعالى : يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ، فعن أهل البيت ﭺ إنّها كصور الأشجار، وقد روى العامّة في الصحاح أنّ رجلاً قال لابن عباس : أُصوِّر هذه الصُّور، فافتني فيها ؟ فقال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : كلّ مصوِّر في النَّار، يجعل له لكل صورة صوَّرها نفساً، فيعذِّبه في جهنم، وقال : إن كنت لا بدّ فاعلاً فاصنع الشَّجر، وما لا نفس له - إلى أن قال : - وأكثر هذه يشعر بما قاله ابن إدريس، وان أطلقه كثير من الأصحاب) .
ويظهر من كلامه أخيراً ميله إلى ما ذهب إليه ابن إدريس ¬، وربما استظهر ممّن عبّر بالخاتم بالصّورة، وفي الثوب بالتمثال إلى اختصاص الصّورة عرفاً بذي الروح، بخلاف التمثال، قال في كشف اللثام : (ظاهر الفرق تغاير المعنى وقد يكون المراد بالصّور صور الحيوانات خاصّة، وبالتماثيل الأعمّ ... ) .
وفيه : أنّ المحكي عن أكثر اللغويين تفسير الصورة والمثال والتمثال بما يشمل غير الحيوان .
ومعنى ذلك : اتحاد المراد في المقامين، قال الفيومي في مصباحه : (التمثال الصورة المصورة، وفي ثوبه تماثيل، أي : صور حيوانات مصورة ) .
والإنصاف : ما ذهب إليه ابن إدريس ¬، ما إليه المصنِّف ¬ في الذكرى، والمجلسي ¬ في المحكي عن بحاره، والفاضل الأصبهاني في كشفه، والشيخ جعفر في كشف الغطاء، وذلك لأنّ إطلاق النصوص منصرف إلى صورة الحيوان، سواء وقع فيها التعبير بالصّورة أو التماثل .
ويشهد ذلك : جملة من النصوص، حيث يُستفاد منها أنّ المراد بالتمثال، أو الصورة، التي ورد النهي عنها ليس إلَّا صورة ذي الروح، ففي حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال : لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت إذا غُيِّرت رؤوسُها منها، وترك ما سوى ذلك)[4]، ومثلها صحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)، فإنّ ذيل الحسنة شهادة بأنّ المراد بالتماثيل عند إطلاقها ليس إلّا ما كان لها رؤوس .
ويشهد لذلك أيضاً : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال : لا بأس أن يكون التماثيل في الثوب إذا غُيِّرتِ الصّورة منه)[5]، وهي ظاهرة جدّاً في أنّ المراد بالتماثيل المكروهة ليس مطلق المثال الشامل لغير الحيوان، بل المراد منها خصوص ذي الروح، بدليل أنّ المقصود بتغيير المثال ليس تغييره بالمرّة، بل تغييره في الجملة بقطع رأسه، أو جعله نصفين أو نحو ذلك، ممّا يخرجه عن الهيئة الخاصّة، فلو كان المراد بالمثال مطلق النقش الحاكي للجسم لم يكن تغيير الصّورة مجدياً ما لم ينتفِ موضوعها رأساً، لأنّ كلّ جُزءٍ من أجزاء المثال مثال لجزء من الممثّل، فما دام شيء منه باقياً على حالته الأولى لا يخرج عن كونه مصداق للتمثال، بناءً على إرادة العموم منه، وهو خلاف ما ينسبق إلى الذهن من الصحيحة .
ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (قال سألته عن الدَّار والحجرة فيها التماثيل أيصلّي فيها ؟ فقال : لا يصلِّي فيها، ومنها ما يستقبلك، إلَّا أن لا تجد بُدّاً فتقطع رؤوسها، وإلّا فلا تصلِّ فيها)[6] [7]، وهي وإن كانت ضعيفة في قرب الإسناد بعبد الله بن الحسن، حيث إنّه مهمل، إلّا أنّها صحيحة في كتاب المحاسن للبرقي، فإنّ ذَيْلها يشهد بأنّ المراد بالتماثيل عند إطلاقها هي صورة الحيوانات، وهناك أيضاً كثير من الشواهد على ما ذكرنا، والله العالم .


قوله : (ولا فرق بين صور الحيوان وغيرها، خلافاً لابن إدريس، حيث خصّ الكراهة بالحيوانيّة)

قال المصنِّف ¬ في الذكرى : ( يُكره اشتمال الصمَّاء بالإجماع ... )، وفي المدارك : (أجمع العلماء كافّة على كراهة اشتمال الصمّاء)، وفي الجواهر : (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، أو متواتر ... ).
أقول : هناك تسالم على الكراهة عندنا، وعند أكثر العامّة .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo