< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / في لباس المصلَّي /

وقد ردّ عليه أيضاً صاحب الحدائق (رحمه الله)، ولكنَّه بالغ في نقده له، مع أنّ بيان الحقّ لا يتوقّف على ذلك .
ومن جملة وجوه الجمع بين الأخبار : ما ذكره صاحب الحدائق (رحمه الله) وفاقاً لصاحب الوسائل (رحمه الله) من أنّ أخبار السَّدل تدلّ على أنّ السنّة في لبس العمامة هي هذه الكيفية، أي الإسدال مطلقاً، ولكنَّها مخصَّصة بأخبار التحنُّك، فإنّها أخصّ من هذه الأخبار، فإنّ منها ما يدلّ على كراهة ترك التحنُّك في السَّفر، ومنها ما يدلّ على كراهة تركه عند السَّعي في قضاء الحوائج، وقسم منها ما دلّ على كراهة أن يتعمَّم ولم يتحنّك، ظاهر هذا القسم إرادته حال فعل العمامة، أي بعد الفراغ منه، لا مطلقاً، ما دام متلبسا بها .
ويرد عليه : أنَّ بعض الأخبار الدَّالة على كون التلحيّ هو الفارق بين المسلمين والكفار يأبى عن هذا الجمع ؛ ومن هنا قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى أنه(يستحبُّ الدوام على التحنُّك).
ومن جملة وجوه الجمع : ما ذكره بعضهم من أنَّ أخبار السَّدل مختصَّة بالنبي (صلى الله عليه وآله)، والأئمة (عليهم السلام) .
وفيه : أنَّ هذا مخالف لقاعدة الاشتراك في التكليف .
والإنصاف : في مقام الجمع بين الأخبار هو التخيير بين التلحيّ والإسدال، وتخصيص الكراهة بعمامة لا حنك لها، ولا سدل، وهي المرادة بالطابقية والاقتعاط، لا مطلقاً ما لا يكون شيء منها تحت الحنك، ولو مع سدل طرفها، والله العالم .
ثمَّ اعلم أنَّ كراهة التحنُّك إنَّما هو لمن صلَّى مع العمامة ؛ وعليه، فمن صلّى بلا عمامة فليس له هذا الحكم .
بقي شيء في المقام : ذكره صاحب المفاتيح، وهو (أنَّ التحنُّك صار في هذا الزمان لباس شهرة) .
أقول : بناء على ذلك فيحرم حينئذٍ إذا قلنا بحرمة لباس الشهرة لعدَّة روايات دالَّة على النهي عن ذلك :
منها : حسنة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله (عليه السلام)(قال : إن الله يبغض شهرة اللباس)[1].
ومنها : مرسلة ابن مسكان عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام)(قال : كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يُشهِره، أو يركب دابة تُشْهِره)[2]، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .
ومنها : مرسلة عثمان بن عيسى عمَّن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام)(قال : الشهرة خيرُها وشرُّها في النَّار)[3]، وفي ضعيفة بالإرسال أيضاً .

قوله : (والصَّلاة في ثوب المتَّهم بالنجاسة، أو الغصبيَّة)
المشهور بين الأعلام كراهة الصَّلاة في ثوب المتّهم بعد توقّي النجاسات، سواء كان ذلك لعدم مبالاته بالنجاسة، أو لعدم تدينه بها كالكافر، ويظهر من الشيخ (رحمه الله) في المبسوط الحرمة، حيث قال (رحمه الله) فيه :(إذا عمل كافر ثوباً لمسلمٍ فلا يصلِّي فيه إلَّا بعد غسله، وكذلك إذا صنعه له، لأنَّ الكافر نجس ... )، واختاره ابن إدريس (رحمه الله) .
هذا، وقد يُقال : إنَّ مراد الشيخ (رحمه الله) الكراهة، لا سيَّما وأنَّه ذهب إليها في النهاية .
ومهما يكن، فلا إشكال في ضعف القول بالحرمة، كما يتضح لك، إن شاء الله تعالى، وقد يستدلّ لقول بالكراهة بعدَّة رواياتٍ :
منها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) - في حديث -(قال : سألته عن رجل اشترى ثوباً من السَّوق للُّبس، لا يدري لمن كان، هل تصلح الصلاة فيه ؟ قال : إن كان اشتراه من مسلم فليصل فيه، وإن اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله)[4].
ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان(قال : سأل أبي أبا عبد الله عن الرَّجل يعير ثوبه لمن يعلم أنَّه يأكل الحِبْرِيَّ (الجري خ ل) ويشرب الخمر، فيردّه، أيصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ قال : لا يصلّي فيه حتّى يغسله)[5].
ومنها : صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام)(في الرجل يصلّي في إزار المرأة، وفي ثوبها، ويعتمّ بخمارها، قال : نعم إذا كانت مأمونة)[6]، وهي صحيحة بطريق الشيخ الصَّدوق (رحمه الله)، وهي دالّة بمفهومها على المنع من غير المأمونة .
وإنّما قلنا : يكره، ولا يحرم، لأجل عدَّة من الرِّوايات دلَّت على الجواز :
منها : صحيحة عبد الله بن سنان(قال : سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) - وأنا حاضر - إنِّي أَعير الذميّ ثوبي، وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر، ويأكل لحم الخنزير، فيردّه عليَّ، فأغسله قبل أن أصلّي فيه ؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : صلِّ فيه، ولا تغسله من أجل ذلك، فإنَّك أعرته إياه وهو طاهر، ولم تستيقن أنَّه نجَّسه، فلا بأس أن تصلِّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجَّسه)[7].


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo