< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/06/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :الصَّلاة في جلد الميتة /فقه الصَّلاة / الصَّلاة في جلد الميتة /
وقد يُجاب عن ذلك : بأنَّ قوله × : (هَوْذا) بفتح الهاء وسكون الواو كلمة مفردة تُستعمل للتأكيد، والتحقيق والاستمرار والتتابع والاتصال، مرادفة (همي) في لغة الفرس المستعملة في أشعارِ بُلَغائهم كثيراً، لا أنَّ المراد منها : الضمير واسم الإشارة، فيكون إخباره × باستمرار لُبْسه واتصاله كالصَّريح في شموله لحال الصَّلاة، وإلَّا لنُقِل عنهم ^ نزعهم لها حالها .
أضف إلى ذلك : أنَّ تعليق حِلّ الجلد على الوبر الشامل بإطلاقه لحلّ الصّلاة، مع حلّ الصلاة فيه إجماعاً، بل تسالماً، ونصّاً، هو حلّ الصّلاة في الجلد .
بل قد يُقال : إنَّ الإشكال على هذه الصحيحة بأنَّها تدلّ على جواز لُبْسه، وهو لا يستلزم جواز الصلاة فيه، غير وارد أصلاً، وذلك لأنّ الباعث على السُّؤال عن الجلود بحسب الظاهر على ما هو المنساق إلى الذهن عند السّؤال عنها إمَّا احتمال نجاستها بلحاظ كونها متخذة من الميتة، أي نجاسة عرضيّة، وإمَّا احتمال نجاستها الذاتيّة، باعتبار كونها من أجزاء كلاب الماء المحتمل نجاستها عيناً بلحاظ اندارجها في مسمّى الكلب، أو احتمال المنع عنها بلحاظ كونها من أجزاء غير المأكول .
وأمَّا الاحتمال الأوَّل : فهو بعيد عن الصحيحة، وإلَّا لم يكن يعلَّق حِلّ الجلد على حِلّ الوبر، إذ لا ملازمة بينهما، فإنّ جلد الميتة نجس لا يحلّ استعماله دون الوبر .
وأمَّا الاحتمال الثاني : فهو أبعد، إذ كيف يحتمل في حقّ السّائل - وهو سعد بن سعد الذي هو من أجلاء أصحاب الإمام الرضا × - أن يخفى عليه مثل هذا الحكم، أعني اختصاص النجاسة الذاتيّة بالكلب البريّ دون البحريّ، وبالأخصّ أنّه رأى الإمام × وقد لبس الوبر، كما اعترف به في الصحيح ؟!، فهل يحتمل في حقّه أن يفرِّق في أجزاء النجس الذاتي بين الوبر والجلد، مع عدم خفائه على أصاغر الطلبة ؟! .
وعليه،فلم يبقَ إلَّا الاحتمال الثالث، والمتبادر من السّؤال عن الجلود من هذه الجهة إرادة لُبْسها في الصَّلاة، لأن معهودية المنع عن الصلاة في أجزاء ما لا يُؤكل لحمه في الجملة تُوجب صرف السّؤال عن شيءٍ منها إلى الجهة التي هي مظنَّة المنع، لا مطلق لُبْسه .
والخلاصة إلى هنا : أنَّ الأقوى ما ذهب إليه المشهور من جواز الصَّلاة في جلده أيضاً .
وأمَّا ما استدل به على المنع بالتوقيع المروي في الاحتجاج عن محمَّد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان # أنَّه كتب إليه (روي لنا عن صاحب العسكر × أنّه سُئِل عن الصَّلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب، فوقع : يجوز، وروي عنه أيضاً : أنه لا يجوز، فبأيِّ الخبرَيْن نعمل ؟ فأجاب × : إنَّما حرم في هذه الأوبار والجلود، فأمّا الأوبار وحدها فكلّ حلال)[1].
وفيها أوَّلاً : أنَّها ضعيفة بالإرسال .
وثانياً :أنَّ متنها مضطرب في الجملة، وإلا فمقتضى تنزيل الجواب على السؤال كون الموضوع خصوص المغشوش بوبر الأرانب، وهو خارج عن محل الكلام، والله العالم .
ثمَّ إنَّ الظَّاهر جريان الحكم على ما في أيدي التجّار ممَّا يسمَّى في زماننا خزّاً، لأصالة عدم النقل، ولكن عن المحدِّث المجلسي + في البحار أنَّه قال : (إذا عرفت هذا، فاعلم أنَّ في جواز الصَّلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخزّ، وشعره، ووبره، إشكالاً، للشكّ في أنّه هل هو الخزّ المحكوم عليه بالجواز في عصر الأئمة ^ أم لا، بل الظّاهر أنّه غيره لأنّه يظهر من الأخبار أنّه مثل السّمك، يموت بخروجه من الماء، وذكاته إخراجه، والمعروف من التجّار أنّ الخزّ المعروف الآن دابّة تعيش في البرّ، ولا تموت بالخروج من الماء، إلّا أن يقال : إنَّهما صنفان بري وبحري، وكلاهما تجوز الصّلاة فيه وهو بعيد ؛ ويشكل التمسّك بعدم النقل واتصال العرف من زمانهم ^، والقدح في الأخبار بالضعف، إذ اتصال العرف غير معلوم، إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين أيضاً رضوان الله عليهم، وكون الأصل عدم النقل في ذلك حجّة في محلّ المنع، والاحتياط في عدم الصّلاة فيه)[2].
أقول : منع حجية أصالة عدم النقل في غير محلّه، إذ ليس حاله إلّا حال سائر الموضوعات الذي يحتمل كونها في عرف السّابقين موضوعه لغير المعاني المعروفة عندنا، وهذا الاحتمال ممَّا لا يلتفت إليه، واختلاف العلماء في حقيقته نشأ من عدم اطلاعهم على حقيقة ذلك الحيوان الذي يعرفه أهل خبرته، ويتخذون الثياب من جلده ووبره، فبعضهم يزعم أنَّه القندس، مستشهداً لذلك بشهادة بعض التجَّار، وبعضهم زعم أنّه كلب الماء، كما يشهد له بعض الأخبار .
وقال المصنّف + في الذكرى : (لعلّه ما يسمى في زماننا بمصر : وبر السّمك، وهو مشهور هناك)، وقال في حواشي القواعد : (سمعت بعض مدمني السّفر يقول : هو القندس، وقال : وهو قسمان ذو إلية، وذو ذنب، فذو الإلية الخزّ، وذو ذنب الكلب)[3].
وقال الشيخ فخر الدين ابن طريح النجفي طاب ثراه في كتاب مجمع البحرين : (الخزّ - بتشديد الزاء - : دابّة من دوابّ الماء تمشي على الأربع تشبه الثعلب ترعى في البرّ، وتنزل البحر، لها وبر يعمل منه الثياب تعيش بالماء، ولا تعيش خارجه، وليس على حدّ الحيتان، وذكاتها إخراجها من الماء حية، قيل : وقد كانت في أوّل الإسلام إلى وسطه كثيرة جدّاً)[4].
وقال المحقِّق + في المعتبر : (والخزّ دابّة بحريّة ذات أربع، تصاد من الماء، وتموت بفقده - إلى أن قال : - وحدّثني جماعة من التجّار أنّها القندس، ولم أتحققه)[5]
أقول : لا خلاف في الواقع بين الأعلام، لأنّ ما سمّوه بالقندس الذي سمّاه الآخرون بكلب الماء، وسماه بعضهم بوبر السمك، وعن بعضهم التصريح بأنّ القندس هو كلب الماء .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo