< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/07/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :حكم لبس الحرير المحض للرجل في الصلاة وغيرها .

وقدِ استُدل أيضاً : برواية إبراهيم بن مهزيار أنَّه كتب إلى أبي محمد ’ : الرّجل يجعل في جُبَّته بدل القطن قزّاً، هل يصلّي فيه، فكتب : نعم، لا بأس [1]، ولكنّها ضعيفة، لأنّ إبراهيم بن مهزيار لم يوثّق، والمدح الوارد فيه من القائم عجل الله فرجه الشريف هو راويه، ووجوده في كامل الزيارات غير نافع، لأنّه ليس من مشايخه المباشرين .
وأمّا الاستدلال لذلك بصحيحة الريان ابن الصلت أنه سأل الرضا ’ عن أشياءَ منها المحشو بالقز، فقال : لا بأس بهذا كلّه [2]، ففي غير محلّه، لأنّ مفادها الحكم بالتلكيفي، وهو جواز اللبس في نفسه، لا الحكم الوضعي، وهو عدم المانعية في الصلاة .

قوله : (وأمَّا الحشو به فالأقرب المنع، وفي مكاتبة العسكري ’ جوازه)[3]
قال في المدارك - وفاقاً للمصنّف ¬ في الذكرى - : لو لم يجد المصلّي إلّا الحرير - ولا ضرورة في التعرّي - صلّى عارياً عندنا لأنّ وجود المنهي عنه كعدمه ...[4]، وفي الجواهر : بلا خلاف أجده ... .
أقول : وهذا هو الصحيح، وذلك لأن ما دل على وجوب الستر لا يعارض ما دلّ على حرمة لُبْس الحرير، وإنّما يقع التزاحم بينهما خارجاً لعدم قدرة المكلف على الجمع بينهم، ومن المعلوم تقديم حرمة لُبْس الحرير، والإتيان بالصّلاة عارياً، لأنّ القدرة المعتبرة في حرمة لُبْس الحرير عقلية، وفي وجوب الستر شرعية بدليل زوم الصّلاة عارياً عند العجز عن الساتر، وهذا يكشف عن اختصاص اشتراط الساتر بالقدة الشرعية .
وبالجملة، فمن دليل جعل البدل عند العجز يُستكشف تقيّد المبدل عنه بالقدرة الشرعية .
وعليه، فيقدم عند التزاحم ما هو المشروط بالقدرة العقلية، لأنّ إطلاق النهي عن لُبْس الحرير سالب للقدرة عن الستر، والممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً .
هذا إذا كانت الحرمة النفسية للُبْس الحرير تابعة لدليل مانعية لُبْسه من الصحة، وأمّا إن كانت الحرمة النفسية مستفادة من دليل مستقل، وليست تابعة لدليل المانعية، كما هو الصحيح، حيث ذكرنا سابقاً أنّ كلا منهما مستفاد من دليل مستقل، فالنتيجة وإن كانت أيضاًَ هي الصّلاة عارياً ولكن بملاك آخر .
وتوضيحه : أنّ ما دل على وجوب الستر لا يزاحم ما دل على مانعية لُبْس الحرير، إذ لا معنى للتزاحم بين أجزاء المركب وشرائطه وموانعه، إذ لا يوجد في المركبات إلا تكليف واحد متعلق بالمركب، وأما الأوامر الغيريّة فهي إرشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية .
وعليه، ففي المقام وإن كانت القاعدة الأوليّة تقتضي سقوط المركب عند تعذّره أو تعذّر أحد أجزائه كالستر، أو تعذر عدم المانع، إلّا أن القاعدة الثانوية هنا تقتضي عدم سقوط الصلاة رأساً لما هو معلوم من عدم سقوطها بحال .
إذن يتعارض إطلاق دليل الشرطية مع إطلاق دليل المانعية، وبما أنّه لا مرجّح لأحدهما على الآخر فيسقطان، ويرجع إلى الأصل العملي، والقاعدة هنا وإن كانت مقتضى التخيير بين الصلاة عارياً والصلاة في الحرير إلَّا أنّه كان لُبْس الحرير محرماً تكليفاً أيضاً بدليل مستقل، فلا معنى للتخيير حينئذٍ، بل يتعين الصلاة عارياً، والله العالم .

قوله : (ولو لم يجد إلَّا الحرير صلّى عارياً)
ما ذكره المصنّف ¬ واضح بناء على جواز الصلاة في النجس عند الانحصار به، ومع عدم الاضطرار إليه، بل قلنا في مبحث النجاسات : إنَّ الصلاة فيه أولى من الصلاة عارياً، وأمّا بناء على وجوب الصلاة عارياً فقد رجّح صاحب الجواهر الصلاة فيه عند الدوران بينه وبين الحرير، وعلّل ذلك بأنّ مانعه عرضي بخلاف الحرير، وبأنّ في الحرير حرمة اللباس وليس في النجس ذلك ...، وما ذكره صابح الجواهر موةافق لما ذكره المصنف ¬ في الذكرى .
والإنصاف : أنّ الحرير من يحث كونه مانعاً من صحة الصلاة ومع قطع النظر عن حرمته النفسية يكون معارضاً للنجس لأنّه أيضاً مانع من صحة الصلاة، وبعد التساقط لعدم الترجيح يكون المرجع هو أصالة التخيير، ولكن بما أنّ الحرير محرم أيضاً تكليفاً حرمة غير مستفادة من أدلة المنع عنه في الصّلاة بدليل مستقلّ - كما ذكرنا سابقاً - فيقع التزاحم بين النجس ولُبْس الحرير، وليس بينهما تعارض، وتكاذب في مقام الجعل والتشريع، وإنّما يقع بينهما التزاحم لعدم القدرة على امتثالها خارجاً، وبما أنّ القدرة المأخوذة في حرمة لُبْس الحرير تكليفاً عقليّة بخلاف عدم مانعية النجس، فالقدرة المأخوذة فيه شرعية كما عرفت سابقاً، والقاعدة تقتضي تقديم ما كان مأخوذاً فيه القدرة العقلية على القدرة الشرعيّة , وتكون النتيجة هي تقديم الحرمة النفسيّة .
وبناءً عليه لا تجوز الصّلاة في الحرير، بل تتعين في النجس، والله العالم .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo