< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/12/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكان المصلَّي

الأمر الثاني : إذا كانت الأرض نجسة وفرش عليها فرشاً طاهراً فالظاهر أنّه على مذهب السّيد المرتضى & لا مانع من الصّلاة ، وكذا على المختار أيضاً بالنسبة إلى خصوص محلّ الجبهة فلا بأس بنجاسة ما تحت المباشر منه.

ويدلّ عليه جملة من النصوص ، دلّت على جواز اتّخاذ الحشّ مسجداً إذا أُلقي عليه من التراب ما يُواريه:

منها : صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي - في حديث - أنّه قال لأبي عبد الله × ، فيصلح المكان الذي كان حشّاً[1] زماناً أن ينظّف ، ويتّخذ مسجداً ؟ فقال : نعم ، إذا ألقي عليه من التراب ما يواريه ، فإنّ ذلك ينظّفه ويطهّره [2] ، ونحوها صحيحة عبد الله بن سنان[3] .

ومنها : رواية محمد بن مصادف (مضارب خ ل) عن أبي عبد الله × قال : لا بأس بأن يُجعل على العذرة مسجداً [4] ، ولكنّها ضعيفة بمحمّد بن مصادف.

ومنها : رواية مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد × أنّه سُئِل أيصلح مكان حشّ أن يتّخذ مسجداً ؟ فقال : إذا أُلقي عليه من التراب ما يُواري ذلك ، ويقطع ريحه ، فلا بأس ، وذلك لأنّ التراب يظهره ، وبه مضت السّنة [5] ، وهي ضعيفة أيضاً بمسعدة بن صدقة.

ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكرناه من عدم البأس بنجاسة ما تحت المباشر إنّما هو مشروط بما لم ينافي الاحترام ، كالملوِّث لأسفل التربة الحسينيّة ، ولأسفل قرطاس مكتوب في وجهه الأسفل شيء من القرآن الكريم ، أو الأسماء المحترمة ، ونحوها ، بل مطلق المتّصل ، وإن لم يكن ملوّثاً لهما.

الأمر الثالث : قال المصنّف & في الذكرى : وعلى قول المرتضى الأقرب أنّ المكان ما لاصق أعضاء المصلّي وثيابه ، لا ما أحاط به في الجهات الأُخَر ، لأنّه المفهوم من المكان[6] - إلى أن قال : - ولو سقط طرف ثوبه ، أو عمامته على نجاسة ، أمكن على قوله بطلان الصّلاة اعتداداً بأنّ ذلك مكان المصلّي.[7]

أقول : ليس مفهوم المكان ما ذكره & ، ضرورة عدم صدقه على ملاقاة الجدار ، ونحوها مما لا استقرار فيه له ، ولثيابه .

ومنه يعلم حينئذٍ ما في المحكي عن الفخر & من أنّ الصّدر والبطن والفرج بين الأعضاء في حالة السجود - على قول المرتضى والجبائيين - من المكان ، وعلى تفسير أبي الصّلاح ليس من المكان .

فعلى الأوّل : إن لاقى أبطل.

وعلى الثاني : لا يبطل ، ضرورة أنّه لا دلالة في اشتراط المرتضى & طهارة مكان المصلّي على إرادة ما يشمل ذلك منه ، ولعلّه يخصّه بالمفهوم منه عرفاً ، وهو محلّ ثقله من الأرض مثلاً في أحوال صلاته ، فلا يدخل فيه بعض ملاقاة البدن ، فضلاً عن الثياب ، بل لولا أنّ العرف يقضي بتبعيّة الثياب للمصلّي في نسبة المكان إليه لأمكن القول باختصاصه بخصوص مسقط البدن من الأرض.

والذي يهوِّن الخطب : أنّه ليس في شيءٍ من النصوص حفظ المكان ، بل الموجود يصلّي عليه ، وفيه ، ونحوهما ، ولا ريب في الرّجوع فيهما إلى العرف واللغة.

الأمر الرابع : هل المعتبر طهارة مقدار ما يجب السّجود عليه ، فلو طهر هذا المقدار ، ونجس الباقي ، ممّا يقع عليه الجبهة بنجاسة غير متعدية ، لم يضرّ ، أو أنّ المعتبر طهارة مجموع موضع الجبهة ؟

ذهب جماعة من الأعلام - منهم المحقّق الثاني & - إلى الأوّل ، لعدم تحقّق المنافي ، إذ غاية ما يمكن ادّعاء الإجماع عليه ، واستفادته من بعض الأخبار المتقدّمة ، إنّما هو اعتباره في الجملة ، والقدر المتيقن منه هو المقدار المعتبر في السّجود.

وذهب بعض الأعلام إلى الثالث ، لأنّ المستفاد من إطلاق معاقد إجماعاتهم المحكيّة ، والتي هي عمدة مستند الحكم ، أنّه يشترط أن يكون ما يقع عليه السّجود طاهراً لا نجساً ، ولا يتحقّق هذا المعنى عرفاً إلّا إذا كان مجموع المسجد طاهراً ، إذ لو كان بعضه نجساً لا يقال : إنّه سجد على أرض نظيفة ، بل يُقال : إنّه سجد على أرض نجسة ، إذ لا يعتبر استيعاب النجاسة في صدق السجدة على النجس.[8]

ولكنّ الإنصاف : هو القول الأوّل ، إذ كما لا يعتبر استيعاب النجاسة في صدق السّجدة على النجس أيضاً لا يعتبر استيعاب الطهارة في صدق السّجود على موضع طاهر .

والشاهد على ذلك : هو العرف ، ومثله مثل ما لو وضع الجبهة على ما يصحّ السّجود عليه ، وما لا يصحّ ، فإنّه لا إشكال في الصحّة ، مع فرض تحقّق مقدار الواجب منها ، وإن قارنه غيره .

الأمر الخامس : لو تعذّرت طهارة المسجد ، فعن كاشف الغطاء & في كشفه : يسجد بمقدار ما يقارب محلّ السّجود ، ولا يلزمه الإصابة ، ولا يكفيه مجرد الإيماء على الأحوط ، ولو أمكن رفع مسجد طاهر لزم.[9]

أقول : مقتضى الإنصاف هو سقوط شرطيّة طهارة المسجد في حال التعذّر كسائر الشّرائط المعتبرة في الصّلاة ، وأجزائها ، لا سقوط وجوب أصل السّجود كي ننقل الفرض إلى ما ذكره كاشف الغطاء & ، أو إلى الإيماء ، كما أنّ الأمر كذلك فيما إذا تعذّر تحصيل ما يصحّ السّجود عليه من الأرض ونباتها ، فإنّه لا يسقط بذلك نفس السّجود.

الأمر السادس : لوِ اشتبه النجس بغيره فيما لو كانت الشبهة محصورة وجب الاجتناب عن الجمع ، كما ذكرنا ذلك في علم الأصول ، بخلاف ما لو كانت الشبهة غير محصورة ، أو انحلّ العلم الإجمالي ، لسبب من الأسباب ، فيجوز حينئذٍ ، والله العالم.

قوله : (وفي جواز محاذاة المرأة للرّجل ، أو تقدّمها عليه : روايتان ، أقربهما الكراهيّة)[10] .

هل يجوز لكلٍّ من الرّجل والمرأة أن يصلّي إلى جانب الآخر ، أو مع تقدم المرأة ، بحيث لا يكون بينهما حائل ، أو بُعْد عشرة أذرع ، فيه ثلاثة أقوال :

الأوّل : المنع ، ونُسِب إلى أكثر المتقدّمين ، إلى الشيخين ، وأتباعهما ، وإلى أكثر علمائنا ، وإلى المشهور ، وعن الخلاف ، والغنية : الإجماع عليه ، واختاره صاحب الحدائق &.

الثاني : هو الجواز على كراهة ، ذهب إليه السيّد المرتضى & ، وأكثر المتأخرين ، ومتأخريهم ، بل عامّتهم ، عدا النادر .

الثالث : ما ذهب إليه الجعفي ، وهو المنع ، إلّا مع الفصل بقدر عظم الذراع تقريباً ، ووافقه السّيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) ، ولكنّه حدَّه بالشبر ، لا بالذّراع ، وإن كانا متقاربين ، وهو المختار عندنا.

وأمّا من ذهب إلى المنع ، فقد استُدلّ له بعدّة رواياتٍ :

منها : صحيحة إدريس بن عبد الله القمي قال : سألتُ أبا عبد الله × عن الرّجل يصلّي ، وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنباً ، فقال : إن كانت قاعدة فلا يضرك ، وإن كانت تصلّي فلا [11] .


[1] الحش : الكنيف أو المرحاض ( لسان العرب، ابن منظور، ج6، ص288 ).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo