< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/01/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكانُ المصلِّي

وجه الاستدلال : هو إطلاق الأمر بالصّلاة عند الرأس الشريف ، وهو وإن احتُمل أن يكون مع عدم المحاذاة ، إلّا أن من أظهر مصاديق الصّلاة عند الرأس هي المحاذاة ، ولكنّ الرّواية ضعيفة ، لعدم وثاقة جعفر بن ناجية ، ورواية جعفر بن بشير عنه لا يدلّ على وثاقته ، لِمَا عرفت في مبحث علم الرّجال أنّ قول النجاشي رحمه الله عن جعفر بن بشير : (إنَّه يروي عن الثقات ، وروى الثقات عنه) لا يدلّ على وثاقة كلّ مَنْ روى عنهم ، أو رَوَوا عنه .

ومنها : رواية صفوان (فصلِّ ركعتين عند الرأس)[1] [2] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .

ومنها : موثّقة ابن فضّال (قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام وهو يريد أن يودّع للخروج إلى العمرة ، فأتى القبر من موضع رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد المغرب ، فسلَّم على النبي (صلى الله عليه وآله) ، لزق بالقبر ، ثمَّ أتى المنبر ، وانصرف حتّى أتى القبر ، فقام إلى جانبه يصلّي ، وألصق منكبه الأيسر بالقبر قريباً من الاسطوانة التي دون الاسطوانة المخلقة التي عند رأس النبي (صلى الله عليه وآله) ، فصلّى ستّ ركعات ، أو ثماني ركعات في نعليه ... ) [3] ، ومن أظهر مصاديق إطلاقها المحاذاة .

ثمّ إنّه لا دليل على كراهة المحاذاة .

والخلاصة إلى هنا : أنّ الأقوى هو جواز المحاذاة بلا كراهة .

بقي شيء في المقام : وهو أنّه هل يرتفع حكم التقدُّم على قبور المعصومين عليه السلام حرمة ، أو كراهة ، وكذا حكم المساواة لو قلنا به ، بحيلولة الشبابيك وشبهها ، ممَّا هي موضوعة على قبورهم من صندوق ، ونحوه .

مال صاحب الجواهر قدس سره إلى الارتفاع حيث قال : (وعليه ، قد يُقال : بعدم البطلان في هذه الأزمنة ، لوجود الحائل من الصندوق ، والثياب ، والشبابيك ، ونحوها ، واحتمال سريان حكم القبر إليها ، باعتبار معاملتها معاملته في التعظيم ، وغيره ، لا تساعده الأدلّة)[4] .

وفيه : أنَّ المتبادر من النهي عن التقدّم على قبورهم ، أو محاذاتها ، أو الأمر بالصّلاة خلفها ، أو عن يمينها أو شمالها ، إنّما هو إرادتها ولو مع اشتمالها على مثل هذه الأمور ، كما هو الغالب في قبورهم ، لا سيّما أنّ هذه الأمور معدودة من توابع القبر ، فهي كثياب المصلّي المعدودة من توابعه ، والله العالم ) .

الجهة الثالثة : في حكم التأخّر عنه ، وقد عرفت عند الكلام عن الجهة الثلاثة في الصّلاة إلى القبر - سواء أكان قبر معصوم أم غيره - أنّ الأقوى : هو الجواز على كراهة ، جمعاً بين الأخبار ، فراجع ، ولسنا بحاجة للإعادة .

 

قوله : (ولو تكرر النبش ، وعلم نجاسة التراب بالصديد ، لم يجز إذا وقع عليه الجبهة ، أو تعدّى إلى المصلِّي)[5]

قال المصنِّف قدس سره في الذكرى : (فرع : لو صلّى على ظهر القبر كره أيضاً ، ولو تكرر الدفن فيه ، والنبش ، وعلم نجاسة التراب بالصديد ، وتعدّى إلى المصلِّي امتنع ، وإلّا فلا)[6] ، وذكر مثله الشهيد الثاني قدس سره في الروض.

أقول : أمّا كراهة الصّلاة على القبر فقد تقدّم الكلام عنه ، وذكرنا ما يدلّ عليه ، فراجع .

وأمّا إذا علم نجاسة التراب بالصديد ، وتعدّى إلى المصلّي ، أو وقع عليه الجبهة ، فقد اتّضح حكمه أيضا ممّا تقدم ، حيث اشترطنا في حصة الصّلاة طهارة بدن المصلّي ولباسه ، كما يشترط أيضاً طهارة موضع الجبهة مطلقاً ، فراجع ما ذكرناه ، والله العالم بحقائق أحكامه .

قوله : (وفي البِيَع والكنائس)

المشهور بين الأعلام الجواز من غير كراهةٍ في البيع والكنائس ، وفي الجواهر : (عند المشهور بين الأصحاب نقلاً ، إن لم يكن تحصيلاً ، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا ... )[7] .

ونقل عن ابن إدريس قدس سره ، وسلّار قدس سره ، وابن البرّاج قدس سره : (أنّهم كرهوا الصّلاة في البِيَع والكنائس ، محتجّين بعدم انفكاكها من النجاسة ... )[8] .

وعن جماعة من الأعلام - منهم الفاضل وثاني المحققين والشهيدين قدس الله أسرارهم - (أنه يستحبّ الرشّ فيهما ، كما هو مقتضى الأمر في الرواية ... )[9] .

أقول : هناك جملة من الرّوايات دلّت على جواز الصّلاة مطلقاً :

منها : صحيحة العيص بن القاسم (قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البيع والكنائس يصلَّى فيها ؟ قال : نعم ، وسألته هل يصلح بعضها مسجداً ؟ فقال : نعم ) [10] .

ومنها : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله - في حديث - (قال : سألتُه عن الصّلاة في البِيَعة ، فقال : إذا استقبلت القبلة فلا بأس به) [11] .

ومنها : رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال : لا بأس بالصّلاة في البِيَعة ، والكنيسة ، الفريضة والتطوّع ، والمسجد أفضل) [12] ، ولكنّها ضعيفة بأبي البختري .

ومنها : رواية حكم بن الحكم (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : وسُئِل عن الصّلاة في البِيَع والكنائس ، فقال : صلّ فيها ، قد رأيتها ما أنظفها ! قلت : أيصلّي فيها وإن كانوا يصلّون فيها ؟ فقال : نعم ، أمَا تقرأ القرآن : *قلّ كلّ يعلم على شاكلته فربّكم أعلم بمَنْ هو أهدى سبيلا* ، صلّ إلى القبلة وغرّبهم ) [13] ، ولكنّها ضعيفة بجهالة حكم بن الحكم .

نعم ، لو كان هو الحكم بن الحكيم لكانت الرّواية صحيحة .

وهذه الرّوايات ظاهرة في الجواز بلا كراهة ، لكنّ هناك روايتان يظهر منهما الكراهة بدون الرشّ :

الأُولى : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن الصّلاة في البيع والكنائس ، وبيوت المجوس ، فقال : رشّ ، وصلّ) [14] .

والثانية : حسنته (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصّلاة في البِيَع والكنائس وبيوت المجوس ، فقال : رشّ ، وصلّ) [15] .

ومقتضى القاعدة حَمْل الرّوايات المجوِّزة على التقييد ، أي يُكره بدون الرشّ .

وتوضيحه : أنّ المتبادِر من الرّوايات المجوِّزة كون الأمر فيها لدفع توهّم الحظر ، أي للرخصة ونفي البأس ، لا الوجوب ، أو الاستحباب ، والمتبادر إلى الذهن من الأمر بالرشّ هو شرطيّة صحّة الصّلاة به ، فيكون قوله عليه السلام (رشّ وصلّ) بمنزلة ما قيل في جوابه : إن رششت فلا بأس بصلاتك .

ومقتضاه : بطلان الصّلاة عند ترك الرشّ ، وحيث علم من الخارج أنّ الصّلاة لا تبطل بدونه ، وجب حَمْله على إرادة ما يشبه الفاسد ، وليس هو إلّا المكروه .

والحاصل : أنّه مع الرشّ تكون الصّلاة فيهما كباقي الأماكن ، ومع عدمه ينقص ما أُعِدّ لطبيعة الصّلاة من الثواب .

وهذا هو المراد من الكراهة في العبادة .

ثمّ إنّه هل يُشترط إذن أهل الذمّة في ذلك ، أم لا ؟


[1] مصباح المتهجد للشيخ الطوسي.
[15] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج5، ص139، أبواب مكان المصلي، باب13، ح6، ط آل البیت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo