< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكانُ المصلِّي

وفي صحيحة عليّ بن مهزيار(أنَّه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الرّجل يصير في البيداء - إلى أن قال : - ويتجنّب قارعة الطّريق)[1] .

ثمّ إنّ ظاهر الرّوايات الناهية عن الصّلاة في جوادِّ الطّرق ، أو مطلق الطرق ، وإن كان هو الحرمة - ولأجل ذلك نسب التحريم إلى ظاهر الصّدوق رحمه الله والشّيخ المفيد رحمه الله - إلّا أنّه محمول الكراهة ، لعدّة من القرائن منها التعبير لفظ(يُكره) و(لا ينبغي) في بعض الرّوايات المتقدّمة ، والتي هي ظاهرة في الكراهة ، بلا حاجة إلى الحمل عليها .

ومنها : درجة في معلوم الكراهة في مرسلة عبد الله بن الفضل ، ومرفوعة الخِصال .

ومنها : لو كان ذلك حراماً لشاع وبانَ مع أنّ أغلب الأعلام ، إنْ لم يكن كلّهم قديماً وحديثاً ، ذهبوا إلى الكراهة إذ عبارة الشيخين قابلة للحمل على الكراهة .

ثمّ إنّه بقي شيء في المقام ، وهو أنّ الصّلاة في الطريق إذا استلزمتْ تعطيل المارّة في منعهم من المرور ، فإن كانت هذه الطريق موقوفة للمارّة ، وخرجت عن الإباحة الأصليّة ، فلا إشكال في بطلان الصّلاة فيها ، لأنّ حكمها حكم الصّلاة في الأرض المغصوبة ، فتبطل إذا سجد عليها لاتّحاد المأمور به مع المنهي عنه في حال السّجود .

وأمّا إذا كانت هذه الأرض غير موقوفة ، ولا زالت مباحة ، فإنّ المزاحمة لحقّ الماّرة وإن كانت حراماً إلّا أنّ ذلك لا يوجب بطلان الصّلاة ، لأنّ المكان مباح ، والله العالم .

قوله : (ومرابط الخيل والبغال والحمير ، دون الغنم)[2]

أمّا الكراهة في مرابط الخيل والبغال والحمير ففي الجواهر :( على المشهور بين الأصحاب شهرةً عظيمةً كادت تكون إجماعاً ، بل في الغُنية دعواه عليه ... )[3] .

ويدلّ عليه موثّقة سماعة(قال : سألتُه عن الصّلاة أعطان الإبل ، وفي مرابض البقر والغنم ، فقال : إن نضحته بالماء ، وقد كان يابساً ، فلا بأس بالصّلاة فيها ، فأمّا مرابض الخيل والبغال فلا) [4] ، وقد عرفت أنّ مضمرات سماعة مقبولة ، ولكنّ هذه الرواية لا يوجد فيها الحمير .

نعم ، ذكر ذلك في مقطوعة سماعة(قال : لا تصلِّ في مرابطِ الخيل والبغال والحمير) [5] ، ولكنّها ضعيفة ، إذ لم يعلم كونها رواية لسماعة ، فلعلها ممّا استنبطها سماعة باجتهاده من روايته الأولى .

نعم ، لو حصل لنا العلم أو الاطمئنان أنّ الضمير بـ(قال) يعود لغير سماعة لقلنا : إنّ هذه المضمرة مثل مضمرته السّابقة تكون مقبولةً .

ثمّ لا يخفى عليك أنّ النهي في مثل هذه الموارد محمول على الكراهة ، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً .

وأمّا بالنسبة إلى الغَنَم فالمعروف بين الأعلام عدم الكراهة .

ويشهد لذلك بعض الرّوايات :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام(قال : سألتُه عن الصّلاة في مرابض الغَنمِ ، فقال : صلِّ فيها ... ) [6] .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم(قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصّلاة في أعطان الإبل ، قال : إن تخوَّفت الضيعة على متاعك فاكنسه وانضحه ، ولا بأس بالصّلاة في مرابض الغَنَم ) [7] .

ومنها : صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام(قال : سألتُه عن الصّلاة في معاطن الإبل ، أتصلح ؟ قال : لا تصلح ، إلّا أن تخاف على متاعك ضيعة ، فاكنس ، ثمّ انضح بالماء ، ثمّ صلّ ، قال: وسألتُه عن معاطن الغَنَم ، أتصلح الصّلاة فيها ؟ قال : نعم ، لا بأس) [8] ، والمراد بنفي البأس في هذه الرّوايات نفي الكراهة ، والله العالم .

قوله : (وفي بيوت الغائط)[9]

المراد منها : المواضع المعدّة لذلك ، وقد ذَكَر ذلك جماعة من الأعلام ، ولم يرد نص بخصوص هذا العنوان .

نعم ، قد يُستدل له : بخبر عُبيد بن زرارة(قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : الأرض كلّها مسجد إلَّا بئرَ غائطٍ ، أو مقبرةٍ) [10] .

وجه الاستدلال بهذا الخبر : أنّ المراد بـ(بئرَ غائطٍ) هو البيت المشتمل على حفرة معدَّة للتغوُّط ، أي بيت الخلاء ، وإلّا فنفس البئر غير صالحةٍ للصَّلاة كي يُتوهم دخولها في العموم حتّى تكون مقصودة بالاستثناء .

ولكنّ الخبر ضعيف السّند كما تقدم بجهالة كلٍّ من القاسم بن محمّد الجوهري ، وسليمان مولى طربال .

هذا ، وقد استدل جماعة للكراهة بروايتَيْن :

الأُولى : رواية محمّد بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام(قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنَّ جبرائيل أتاني ، فقال : إنَّا معاشر الملائكة لا ندخُل بيتاً فيه كلب ، ولا تمثال جسد ، ولا إناء يُبال فيه) [11] .

الثانية : رواية عَمْرو بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام(قال : قال جبرئيل عليه السلام : يا رسول الله ! إنَّا لا ندخل بيتاً فيه صورة إنسان ، ولا بيتاً يُبال فيه ، ولا بيتاً فيه كلب) [12] .

وفيه أوَّلا : أنّ المدّعى بيوت الغائط ، والبول لا يستلزم الغائط .

وثانياً : أنّ الرواية الأُولى ضعيفة لاشتراك محمّد بن مروان بين عدّة أشخاص أغلبهم مجهول الحال .

نعم ، الرواية الثانية موثّقة بالطريق الأوّل للكليني رحمه الله وإن كانت بالطريق الثاني له ضعيف ، بعدم وثاقة معلّى بن محمّد ، كما أنّها ضعيفة بطريق المحاسن بجهالة الحسن بن مخلد (الحسين بن مخلّد خ ل) .

قوله : (ومعاطن الإبل)

المعروف بين الأعلام كراهة الصّلاة في مبارك الإبل ، وقد عبّر المصنّف رحمه الله ، وجماعة كثيرة من الأعلام بمعاطن الإبل ، كما في الرّوايات الواردة في المسألة ، وهو بحسب اللغة أخصّ من المبارك ، حيث فسَّروا المبارك بمواضعها التي تأوي إليها للمقام والشرب ، وفسّروا المعاطن بمباركها حول الماء لتشرب ، عللاً بعد نهل ، والعلل الشرب الثاني ، والنهل الشرب الأوّل .

وقد صرّح الفقهاء بأنّه في عرف الشّرع مطلق المبارك ، قال ابن إدريس رحمه الله في السّرائر عند تِعداد المكروهات :(ومعاطن الإبل وهي مباركها حول الماء للشّرب هذا حقيقة المعاطن عند أهل اللغة ، إلّا أنّ أهل الشرع لم يخصّصوا ذلك بمبرك دون مبرك)[13] .

وسنذكر - إن شاء الله تعالى - عدّة مؤيّدات لعدم اختصاصه بمبرك دون مبرك ، وأنّه لا يعقل الفرق بين موضع الشّرب ، وغيره .

وقد يُستدل للكراهة بعدَّةِ أخبارٍ :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم(قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصّلاة في أعطان الإبل ، قال : إن تخوّفتَ الضيعةَ على متاعك فاكنسه وانضحه ، ولا بأس بالصّلاة في مرابض الغَنَم ) [14] .

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام(قال : سألتُه عن الصّلاة في مرابض الغَنَم ، فقال: صلّ فيها ، ولا تصلّ في أعطان الإبل ، إلّا أن تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه ورشّه بالماء ، وصلّ فيه ... ) [15] .

ومنها : موثّقة سماعة(قال : سألتُه عن الصّلاة في أعطان الإبل ، وفي مرابض البقر والغَنَم ، فقال : إنْ نضحتَه بالماء ، وقد كان يابساً ، فلا بأس بالصّلاة فيها ، فأمَّا مرابض الخيل والبغال فلا) [16] .

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام(قال : سألتُه عن الصّلاة في معاطن الإبل أتصلُح ؟ قال : لا تصلح ، إلَّا أن تخاف على متاعك ضيعةً فاكنس ، ثمّ انضح الماء ، ثمّ صلّ ، قال : وسألتُه عن معاطن الغنم ، أتصلح الصّلاة فيها ؟ قال : نعم ، لا بأس) [17] .

ومنها : رواية المعلّى بن خُنيس(قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصّلاة في معاطن الإبل فكرهه ، ثمّ قال : إن خفت على متاعك شيئاً فرُشّ بقليلِ ماءٍ ، وصلّ) [18] ، ولكنّها ضعيفة بمعلى بن خُنيس .

أقول : يظهر من هذه الرّوايات - الدّالة على أنّه إن كان يخاف على متاعه الضيعة جازَ له الصّلاة فيه من غير كراهةٍ - أنَّ الصحيح في تفسير أعطان الإبل ما ذكره الفقهاء ، لا ما ذكره أهل اللُغة ، وذلك لأنّ الظّاهر من هذه الرّوايات هو أنّ القافلة متى نزلوا في مكان فجمالهم ورحالهم وأثقالهم تكون في ذلك المكان ، وأنّه تُكره الصّلاة في ذلك المكان ، فينبغي أن يخرج إلى مكان آخر خارج عن محلّ النّزل ، إلّا إذا كان يُخاف من خروجه الضيعة على متاعه ، فإنّه يصلّي فيه ، وإلّا فإنّه لا مناسبة بين هذا التعليل وبين تخصيص المعاطن بمواضع السقي ، كما هو ظاهر ، فإنّ موضع السّقي ليس مقام متّخذ للنزول ، ووضع الأثقال ، والأحمال فيه .

ويؤيِّده : التعليل المروي في عوالي الآلي عن النبي صلى الله عليه وآله(أنّه نهى عن الصّلاة في أعطان الإبل ، لأنّها خلقت من الشّياطين ) [19] ، وهو ضعيف بالإرسال .

ويؤيِّده أيضاً في التعليل في النبوي (قال : إذا أدركتكم الصّلاة ، وأتمّ في أعطان الإبل ، فاخرجوا منها ، وصلوا ، فإنّها جن من جن خلقت ، أَلَا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها) [20] [21] ، وضعفه واضح ، ولكنّه يصلح للتأييد في كون الكراهة لمطلق مواطن الإبل .

ثمَّ إنّ في الأخبار المتقدّمة عدّة قرائن تشهد بأنّ المراد من النهي الكراهة دون الحرمة ، منها التعبير بلفظ(لا تصلح) الكراهة والرخصة فيه عند الخوف على المتاع ، من غير أن يأمره بنقل متاعه إلى مكان آخر مع الإمكان ، كما هو الغالب .

وتعليل المنع في النبويين بما يناسب الكراهة ، وفي البأس عنه ، وعن مرابض الغنم والبقر ، في موثّقة سماعة مطلقاً إذا نضحه بالماء ، وكان يابساً بخلاف مرابض الخيل والبغال .

وقد عرفت سابقاً أنّ النهي عنها أيضاً على سبيل الكراهة فتكون حينئذٍ نصّاً في المدّعى .

وعليه ، فما حُكي عن المفيد والحلبي (قدس سرهما) من القول بالمنع ضعيف ، إلّا أن يكون مقصودهما الكراهة كما لا يبعد .


[19] مستدرك الشيعة، للمحدّث النوري، باب12 من أبواب مكان المصلي ح2.
[20] كنز العمال، ج4، ص74، تحت رقم 1484.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo