< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/01/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مكانُ المصلِّي

قوله : (والبَيْداء ، وذات الصّلاصل ، وضجنان)[1]

البيداء وهي على ميل من ذي الحليفة ممّا يلي مكة ، وإنّما سميت بذلك لأنّها تبيد جيش السفياني ، ومن ذلك أيضاً سمّيت ذات الجيش ، وقال ابن إدريس رحمه الله في تعداد ما يُكره فيه الصّلاة : (والبيداء ، لأنّها أرض خسف على ما رُوي في بعض الأخبار أنّ جيش السفياني يأتي إليها قاصداً مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، فيخسف الله تعالى به تلك الأرض ، وبينها وبين ميقات أهل المدينة الذي هو ذي الحليفة ميل واحد ، وهو ثُلُث فرسخ فحسب ، قال : كذلك يُكره الصّلاة في كلّ أرضِ خسفٍ ، ولهذا كَرِه أمير المؤمنين عليه السلام الصّلاة في أرضِ بابل)[2] .

وحكى المصنّف رحمه الله في الذّكرى عن بعض العلماء أنّ البيداء هي المشرف الذي أمام ذي الحليفة ممّا يلي مكة ، وكل أرض لمساء تسمَّى البيداء)[3] .

وأمَّا ذات الصَّلاصل : فعن ابن إدريس رحمه الله : (هي الأرض التي لها صوت ، ورُوي)[4] ، وبذلك فسرها العلَّامة في المنتهى ، وقيل : إنّه الطّين الحرّ المخلوط بالرمل ، فصار يتصلصل إذا جفّ ، أي يصوت ، ونقله الجوهري عن أبي عبيدة ، ونحوه كلام القاموس[5] .

أقول : ذات الصّلاصل اسم لموضع مخصوص في الطريق بين مكة والمدينة ، قال صاحب الحدائق رحمه الله : (إنّي لم أقف على تعيينه في الأخبار ، ولا كلام أحد من أصحابنا الأبرار)[6] .

وأما ضَجْنان : ففي الحدائق : (ضبطه بعضهم بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة ، اسم جبل بناحية مكة)[7] ، وفي السّرائر : (هو جبل بتهامة)[8] .

ويدلّ على كراهة الصّلاة في هذه الأماكن جملة من الرّوايات :

منها : صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : الصّلاة تُكره في ثلاثةِ مواطنَ من الطريق : البيداء ، وهي ذات الجيش ، وذات الصّلاصل ، وضَجْنان ... )[9] .

ومنها : خبره الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : اِعلم أنّه تُكره الصّلاة في ثلاثة أمكنة من الطريق : البيداء ، وهي ذات الجيش ، وذات الصّلاصل ، وضَجْنان ، وقال : لا بأس بأن يصلّي بين الظواهر ، وهي الجوادّ جوادّ الطرق ، ويُكره أن يصلّي في الجوادّ)[10] ، وهو ضعيف بجهالة العامري ، فإنّه لقب لجماعة كثيرة كلّهم مجهولو الحال .

ومنها : مرسلة الفقيه (قال : رُوي أنّه لا يصلّي في البيداء ، ولا ذات الصّلاصل ، ولا وادي الشقرة ، ولا وادي ضَجْنان )[11] ، وهي ضعيفة بالإرسال ، والشَّقِرة - بفتح الشين وكسر القاف - : واحد الشَّقر ، موضع بعينه مخصوص .

ومنها : رواية حمّاد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه عليه السلام في وصية لانبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام (قال : ولا تصل في ذات الجيش ، ولا في ذات الصلاصل ، ولا في ضجنان )[12] ، وهي ضعيفة ، لأن إسناد الصدوق إلى حماد بن عمرو ، وأنس بن محمد ، عن أبيه ، فيه عدّة من المجاهيل ، كما أنّ حمّاد بن عمرو مجهول ، وأيضاً أنس بن محمد وأبوه مجهولان .

ومنها : مرسلة المفيد في المقنعة (قال : قال عليه السلام : تُكره الصَّلاة في طريق مكة في ثلاثة مواضع : أحدها البيداء ، والثاني : ذات الصلاصل ، والثالث : ضَجْنان )[13] ، وهي ضعيفة بالإرسال .

ومنها : صحيح حمّاد بن عثمان وعبد الرحمان بن الحجاج جميعاً ، وغيرهما عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : لا يصلّى في ذات الجيش ، ولا ذات الصّلاصل ، والبيداء ، ولا ضجنان)[14] .

أقول : ذات الجيش هي البيداء .

ويدلّ عليه أيضاً في خصوص البيداء صحيحة البزنطي (قال: قلتُ لأبي الحسن عليه السلام : إنّا كنّا في البيداء في آخر الليل ، فتوضأت واستكت ، وأنا أهمّ بالصّلاة ، ثمّ كأنّه دَخَل قلبي شيء ، فهل تصلّى في البيداء في المحمل ؟ فقال : لا تصلّ في البيداء ، فقلت : وأين حدّ البيداء ؟ فقال : كان جعفر عليه السلام إذا بلغ ذات الجيش جدَّ في السّير ، ثمّ لا يصلّي حتّى يأتي معرّس النبي (صلى الله عليه وآله) فقلت : وأين ذات الجيش ؟ فقال : دون الحفيرة بثلاثة أميال )[15] .

إن قلت : بعض الأخبار المتقدّمة ظاهرة الحرمة ، لوجود النهي فيها .

قلت : يتعيّن حمله على الكراهة كما يدلّ عليه - مضافاً إلى ظهور جملة منها ممّا وقع فيها التعبير بلفظ الكراهة - صحيحة أيوب بن نوح عن أبي الحسن الأخير عليه السلام (قال : قلتُ له : تحضر الصّلاة والرّجل بالبيداء ، قال : يتنحّى عن الجواد يمنةً ويسرةً ، ويصلّي)[16] ، فإنّ مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار التي وقع فيها النهي عن الصّلاة في البيداء حمل النهي على الكراهة ، ومعه لا يبقى له ظهور في الحرمة بالنسبة إلى ما عداها .

وأمّا بالنسبة لصحيحة عليّ بن مهزيار (أنّه سألَ أبا الحسن الثالث عليه السلام عن الرّجل يصير في البيداء ، فتدركه صلاة فريضة ، فلا يخرج من البيداء حتّى يخرج وقتها ، كيف يصنع بالصلاة ، وقد نهي أن يصلّي في البيداء ؟! فقال : يصلّي فيها ، ويتجنّب قارعة الطريق)[17] ، فلا تصلح شاهدةً للجمع بين الأخبار ، لأنّ موردها الضّرورة .

اللهمَّ إلَّا أن يُقال : إنّ المراد من خروج وقتها خروج وقت الفضيلة ، فتكون شاهدةً للحمل على الكراهة .

وممّا يُؤيّد الكراهة بالنسبة إلى ما عداه ما ورد في بعض الأخبار أنّ وادي ضَجْنان من أودية جهنّم ، وهذا ممّا يناسب الكراهة ، ففي رواية عليّ بن المغيرة (قال : نزل أبو جعفر عليه السلام في ضَجْنان وذكر حديثاً يقول في آخره : وأنّه ليُقال : إنّ هذا وادٍ من أوديةِ جهنمَ)[18] ، لكنّها ضعيفة لعدم وثاقة عليّ بن المغيرة .

وعن كتاب الخرائج والجرائح عن عليّ بن المغيرة (قال : نزلَ أبو جعفر عليه السلام في ضَجْنان فسمعناه يقول ثلاث مرات : لا غفرَ الله لك ، فقال له أبي : لمن تقول - جعلت فداك ! - قال : مرّ بي الشّامي - لعنه الله - يجرّ سلسلته التي في عنقه ، وقد دلع لسانه ، يسألني أن أستغفر له ، فقلت له : لا غفر الله لك)[19] ، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عليّ بن المغيرة.

وأيضاً في الخرائج والجرائح عن عبد الملك القمي عن إدريس (قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : بينا أنا وأبي متوجهان إلى مكّة من المدينة ، فتقدم أبي في موضعٍ يُقال له : ضَجْنان ، إذ جاءني رجل في عنقه سلسلة يجرّها ، فأقبل عليَّ ، فقال : اسقني ، فسمعه أبي ، فصاح بي ، وقال : لا تسقه ، لا سقاه الله تعالى ، فإذا رجل يتبعه حتى جذب سلسلته ، وطرحها على وجهه في أسفل درك الجحيم ، فقال أبي : هذا الشّامي لعنه الله تعالى)[20] ، وفي الحدائق والجواهر : ( المراد به على الظاهر معاوية صاحب السلسلة التي ذكرها الله تعالى في سورة الحاقّة)[21] [22] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo