< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/02/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام المساجد
ومنها : رواية هاشم الحلال (قال : دخلتُ - أنا وأبو الصّباح - على أبي عبد الله عليه السلام، فقال له أبو الصّباح : ما تقول في هذه المساجد التي يبنيها الحاجّ في طريق مكّة ؟ فقال : بخٍ بخٍ، تيك أفضل المساجد، مَنْ بنى مسجداً كمفحص قطاة، بنى الله له بيتاً في الجنّة)[1]، ولكنّها ضعيفة، بإهمال كلٍّ من أحمد بن داود المزني، وهاشم الحلال .
ومنها : ما في عقاب الأعمال (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه الله بكلّ شيءٍ منه، أو قال : بكلِّ ذراعٍ منه مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب، وفضة، ودر وياقوت وزمرد، وزبرجد، ولؤلؤ - الحديث - وفيه ثواب جزيل )[2]، وهي ضعيفة، لأنّ إسناد الصّدوق رحمه الله إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فيه أكثر من شخص مجهول الحال .
ثمّ إنّ الظّاهر إرادة الكناية عن المبالغة في الصّغر من التشبيه بمفحص قطاة، إذ هو كمقعد الموضع الذي تكشفه القطاة في الأرض، وتلينه بجؤجها، لتبيض فيه، فيكون المراد أنّه يستحبّ وإن كان صغيراً نسبته إلى الصلاة كنسبة المفحص إلى القطاة .
وبالجملة، فالمراد من التشبيه المزبور المبالغة في الصغر، بحيث لا يسع إلّا المصلّي نفسه خاصّة .
ويحتمل أن يكون المراد من التشبيه عدم الاحتياج في حصول المسجديّة إلى بناء الجدران، بل يكفي رسمه، كما يُومِئ إليه فعل أبي عبيدة، ونحوه المشار إليه في الأخبار السابقة، بل قد يظهر منها عدم اعتبار الملكيّة للأرض المباحة مثلاً في جعلها مسجداً، بل يكفي تحجيرها في ذلك، بل لا يشترط سبق التحجير على المسجديّة، فيجري قصده بنية المسجديّة، ويحصلان معاً، والله العالم .
قوله : (وكشفها)
المعروف بين الأعلام استحباب أن تكون المساجد مكشوفة، أي غير مسقّفة .
وإن كان الإنصاف : هو كراهة التسقيف، لا استحباب تركه، كما سيتضح لك - إن شاء الله تعالى - كما أنّه سنذكر الضابطة في التفرقة بين الاستحباب والكراهة عند قول الماتن : (وفِعْل هذه التروك مكروه).
وقدِ استدلّوا على استحباب كونها مكشوفة بعدّة أخبار :
منها : حسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ( قَالَ سَمِعْتُه يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّه (صلى الله عليه وآله) بَنَى مَسْجِدَه بِالسَّمِيطِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَثُرُوا، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه ! لَوْ أَمَرْتَ بِالْمَسْجِدِ فَزِيدَ فِيه، فَقَالَ : نَعَمْ، فَأَمَرَ بِه فَزِيدَ فِيه، وبَنَاه بِالسَّعِيدَةِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَثُرُوا، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه ! لَوْ أَمَرْتَ بِالْمَسْجِدِ فَزِيدَ فِيه، فَقَالَ : نَعَمْ، فَأَمَرَ بِه فَزِيدَ فِيه، وبَنَى جِدَارَه بِالأُنْثَى والذَّكَرِ، ثُمَّ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحَرُّ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه ! لَوْ أَمَرْتَ بِالْمَسْجِدِ فَظُلِّلَ، فَقَالَ : نَعَمْ، فَأَمَرَ بِه، فَأُقِيمَتْ فِيه سَوَارٍ مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ، ثُمَّ طُرِحَتْ عَلَيْه الْعَوَارِضُ والْخَصَفُ والإِذْخِرُ، فَعَاشُوا فِيه حَتَّى أَصَابَتْهُمُ الأَمْطَارُ، فَجَعَلَ الْمَسْجِدُ يَكِفُ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه ! لَوْ أَمَرْتَ بِالْمَسْجِدِ فَطُيِّنَ، فَقَالَ : لَهُمْ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله) لَا، عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى عليه السلام، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله)، وكَانَ جِدَارُه قَبْلَ أَنْ يُظَلَّلَ قَامَةً، فَكَانَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعاً، وهُوَ قَدْرُ مَرْبِضِ عَنْزٍ صَلَّى الظُّهْرَ، وإِذَا كَانَ ضِعْفَ ذَلِكَ صَلَّى الْعَصْرَ، وقَالَ : السَّمِيطُ لَبِنَةٌ لَبِنَةٌ، والسَّعِيدَةُ لَبِنَةٌ ونِصْفٌ، والذَّكَرُ والأُنْثَى لَبِنَتَانِ مُخَالِفَتَانِ)[3].
والظاهر أنّ قوله (صلى الله عليه وآله) : (لا) حرف جواب، وقوله (صلى الله عليه وآله) : (عريش كعريش) موسى كلام مستأنف، وفي المجمع : ( العريض ما يستظلّ به يبنى من سعف النخل مثل الكرخ ... ) .
ويُستفاد من هذه الحسنة أنّ التسقيف مكروه، لا أنّ تركه مستحبّ .
ويؤكّد هذا الاختصاص ما رواه الصّدوق رحمه الله في الفقيه مرسلاً عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : (أوّل ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسرها، ويأمر بها فتجعل عريشاً ن كعريش موسى عليه السلام )[4]، ولكنها ضعيفة بالإرسال .
ثمّ إنّه حُكي عن بعض الأعلام التصريح بكراهة مطلق التظليل، بل عن مفتاح الكرامة نسبته إلى الشّيخ رحمه الله، ومن تأخَّر عنه .
وقد استندوا في ذلك إلى حسنة الحلبي (قال : سُئل أبو عبد الله عليه السلام عن المساجد المطلقة، أتُكره الصَّلاة فيها ؟ فقال : نعم، ولكن لا يضرُّكم اليوم، ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك ... )[5].
ولكن يشكل ذلك بما في الحسنة السّابقة من أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بتظليل مسجده فيُستكشف من ذلك أنّ المراد بالمساجد المطلقة التي هي مورد الحكم بالكراهة ليس مطلق التظليل، بحيث يتناول التظليل بالعريش ونحوه، بل المراد بالتظليل المكروه هو التظليل بالتسقيف .
واحتمل المصنّف رحمه الله في الذكرى : (كراهة تظليل جميع المسجد، أو تظليل خاصّ، أو في بعض البلدان ... ) .
ولكنّ الأَولى كراهة مطلق التظليل حتّى العرش لغير الحاجة، ولا بأس بما كان عرشاً مع وجود الحاجة، وأمّا غير العريش فيُكره، وإن مسّت الحاجة إليه، كما يدلّ عليه حسنة عبد الله بن سنان المتقدمة .
هذا، وذكر بعض الأعلام كراهة الصّلاة في المساجد المطلقة إذا وقعت الصّلاة تحت الظلّ .
لكن يمكن المناقشة في كراهة الصّلاة تحت الظلّ، لاقتصار الأعلام على ذكر التظليل، ومن الواضح عدم اقتضائه كراهة الصلاة .
ولكنّ هذه المناقشة بعيدة، لصراحة حسنة الحلبي حيث سُئْل عليه السلام عن المساجد المطلقة : (أتُكره الصَّلاة فيها ؟ فقال : نعم ... )
قوله : (وتوسطها في العلو)
ذكر المصنّف رحمه الله في الذكرى : (أنّه يستحبّ ترك تعلية المساجد اتباعاً لسنّة النبي (صلى الله عليه وآله) ، فإنّ مسجده كان قامة، كما مر ...).
وعن جماعة من الأعلام أنّه يُكره تعليتها، لا أنّ الترك مستحبّ .
وعلّلوا الكراهة بأنّ التعلية مخالفة للسنّة الفعليّة، إذ حائط مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) كان قامةً، ولما فيه من الاطلاع على عورات النّاس لو رقي عليها، أو على المنارة المساوية لها .



[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.8 من أبواب أحكام المساجد ح6 .
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.8 من أبواب أحكام المساجد ح4 .
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.9 من أبواب أحكام المساجد ح1 .
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.9 من أبواب أحكام المساجد ح4 .
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب.9 من أبواب أحكام المساجد ح2 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo