< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/02/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام المساجد
قوله : (وعدم تعليتها )
ذكر جماعة من الأعلام، منهم المصنّف رحمه الله أنّه يستحبّ عدم تعلية المنارة زيادةً على سطح المسجد .
وعن جماعة أخرى التصريح بكراهة ارتفاعها عليه، لإفضائه إلى تأذّي الجيران، بالإشراف عليهم .
وقد يستدلّ لذلك : بمعتبرة السّكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام (أنّ عليّاً مرّ على منارة طويلة فأمر بهدمها، ثمّ قال : لا ترفع المنارة إلّا مع سطح المسجد)[1].
ويظهر من المعتبرة أنّ الترك مستحبّ، لا أنّ التعلية مكروهة .
وفي كتاب الغيبة للشّيخ عن سعد بن عبد الله عن أبي هاشم الجعفري - داود بن القاسم بن إسحاق الثقة الجليل من آل جعفر الطّيار - (قال : كنت عند أبي محمّد ’، فقال : إذا خرج القائم ’ أمر بهدم المنابر والمقاصير التي في المسجد ... )[2].
ولعلّ المراد الطّوال منها، إن لم يكن هو الظاهر، ولكنّ الرّواية ضعيفة بالإرسال .
قوله : (وترك الزخرفة والتصوير، وقيل يحرمان)
[1] حُكي عن المشهور حرمة الزخرفة، وهي على ما في المدارك، وغيره، النقش بالزخرف، وهو الذهب، وعن غير واحدٍ من اللغويين تفسيرها بمطلق التزيين، كما أنّه حُكِي عن المشهور حرمة التصوير .
والمراد بالصور : ما هو أعمّ من ذوات الأرواح وغيرها، وبعضهم كالمحقّق رحمه الله في المعتبر، والمصنّف رحمه الله في الذكرى : عبّر بالنقش مطلقاً، والمصنّف رحمه الله في البيان حرّم زخرفتها ونقشها وتصويرها بما فيه روح، وكره غيره، كالشّجر .
وهنا في الدروس عدّ من جملة المستحبّات ترك الزخرفة والتصوير، ونسب حرمتها إلى القيل .
أقول : أمّا بالنسبة إلى الزّخرفة فقد اعترف كثير من المتأخّرين بعدم العثور على دليل يعتدّ به صالح لإثبات الحرمة .
ومن هنا ذهب جماعة من العلماء المتأخّرين إلى الكراهة .
أقول : قدِ استُدلّ لحرمة الزخرفة ببعض الأدلّة :
منها : الإسراف .
وفيه : أنّ الإسراف متقوِّم بفَقْد الغرض العُقَلائي، والفرض أنّ الغرض العقلائي حاصل، وهو تحسين المسجد، أو قصد تعظيمه، فيدخل حينئذٍ في تعظيم شعائر الله، كما هو موجود في المشاهد المشرّفة، ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب .
وعليه، فيمتنع إدراجه في الإسراف والمنهي عنه .
ومنها : ما ذكره المحقّق رحمه الله في المعتبر، والعلّامة رحمه الله في المنتهى، من أنّه بدعة لم يفعل في زمان النبي (صلى الله عليه وآله)، وزمن أهل البيت عليهم السلام، ولا أحد من الصحابة .
وفيه : أنّ البدعة المحرمة هي إدخال ما ليس في الدين فيه .
والبدعة اللغوية : ليست كذلك، إذ ليس فيها إسناد إلى الشّارع المقدّس، وكلّ ما هنالك أنّ هذه الأمور، والتي هي الزخرفة، لم تقع في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، وكم من الأمور المستحدثة في زماننا ممّا نعلم بعدم وقوعها في زمان النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن بعده من الصحابة، وهذا لا يجعلها بدعةً محرمة .
ولو تمّ ذلك لسرى إلى غير الذهب كالفضّة، مع أنّهم اقتصروا على الزّخرفة، أي التزيين بالذهب .
ومنها : ما في وصيّة ابن مسعود المروية عن مكارم الأخلاق للطبرسي في مقام الذمّ (يبنون الدّور، ويشيّدون القصور، ويزخرفون المساجد)[3]، ولكنّها ضعيفة بالإرسال، مضافاً لضعف الدّلالة، إذ لا يُستفاد منها الحرمة .
والخلاصة : أنّه لا دليل قويّ على الحرمة، بل لا دليل على الكراهة، وإن ذهب إليها جماعة من العلماء المتأخّرين .
وأمّا بالنسبة إلى نقشها بالصور فقد يستدلّ للحرمة بأنّه بدعة لم يكن في زمان النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن بعده من الصحابة، وقد عرفت الجواب عنه .
وقد استدل أيضاً : برواية عَمْرو بن جميع (قال : سألتُ أبا عبد الله ’ عن الصّلاة في المساجد المصورة، فقال : أكره ذلك، ولكن لا يضرّكم اليوم، ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك )[4].
وفيها أوّلاً : أنّها ضعيفة بالسّند جدّاً باشتمالها على عدّة من المجاهيل والضعفاء .
وثانياً : أنّها ضعيفة الدّلالة، لظهور لفظ الكراهة في المعنى المصطلح عليه اليوم .
أضف إلى ذلك : أن قوله : (لا يضركم ذلك اليوم ) كالصريح في عدم المنع قبل قيام الحجة .
ويؤيِّد عدم الحرمة : ما في رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ’، حيث ورد في الذيل (وسألتُه عن المسجد ينقش في قبلته بجصّ، أو أصباغ، قال : لا بأس به)[5].
وإنّما جعلناه مؤيّداً لضعف الرّواية بعبد الله بن الحسن، فإنّه مهمل .
وعلى كل حالٍ، فالرّواية ظاهرة في جواز النقش مطلقاً .
والخلاصة إلى هنا : أنّه لم تثبت الحرمة، ولا الكراهة .
نعم، تصوير ذوات الأرواح فيه كلام آخر لا يختص بالمساجد .
ثمّ إنّ على القول بحرمة الزّخرفة والنقش، أو كراهتهما، هل يختصّ ذلك بالفعل، أو يشمل الصّلاة فيها، بأنْ يُقال : تحرم الصلاة، أو تكره، في المسجد المخرف والمنقوش .
والإنصاف : هو الاختصاص بالفعل، ولا يشمل الصّلاة فيها، كما هو ظاهر عبارات الأعلام .
بقي شيء في المقام، وهو أنّه ليست كتابة القرآن الكريم على جدرانها من النقش على الظاهر، كما هو مختار الشّيخ الحرّ رحمه الله في الوسائل، وقد يُومئ إليه معتبرة أبي خديجة المروية في محاسن البرقي (قال : رأيتُ مكتوباً في بيت أبي عبد الله ’ آية الكرسي قد أديرت في البيت، ورأيتُ في قبلةِ مسجده مكتوباً آية الكرسي)[6]، ولكن يحتمل إرادة ما يسجد عليه من المسجد فيه، كما يؤيِّده عدم معروفيّة مسجد له ’ في ذلك الزمان .
ويؤيِّد كون كتابة القرآن الكريم على جدران المسجد ليس من النقش رواية علي بن جعفر عن أخيه (قال : سألتُه عن المسجد يُكتب في قبلته القرآن، أو الشيء من ذِكْر الله، قال : لا بأس)[7]، ولكنّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن، فإنّه مهمل.



[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب25 من أبواب صلاة المساجد ح2 .
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب23 من أبواب صلاة المساجد ح1 .

[3] مكارم الأخلاق : ص526، الفصل الرابع من الباب الثاني عشر . .
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب15 من أبواب أحكام المساجد ح1 .
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب15 من أبواب أحكام المساجد ح3 .
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب6 من أبواب أحكام المساكن ح4 .
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب15 من أبواب أحكام المساجد ح3 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo