< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/02/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام المساجد

وعن السّرائر : (جَعْل الميضاة في وسط المسجد) وهو جيد إن سبقت مسجديّة محلّها .
ثمّ إنّك عرفت استحباب ترك الوضوء من حدث الغائط والبول في المسجد، وأغلب الأعلام ذكروا كراهة الوضوء، وهو الأقرب، لصحيح رفاعة بن موسى (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء في المسجد فكرهه من البول، والغائط)[1].
وفي المدارك : (أنّه يمكن حَمْل الوضوء فيها على الاستنجاء، أو على ما يتناوله، كما أومأَ إليه في المعتبر ... )، وحُكي عن الشّيخ رحمه الله في المبسوط منع الاستنجاء من البول والغائط في المسجد وإن لم يتنجس المسجد، قال صاحب الجواهر : (وكأنّه فَهِم من الخبر المزبور الاستنجاء، ومن الكراهة فيه الحرمة، ولا ريب في ضعفه للأصول والعمومات المعتضدة بغيرهما، مع عدم الدليل المعتبر على المنع ... ) .
أقول : لا ريب في المنع مع استلزامِ الهتك، لحرمة المسجد، وإلّا فالأمر كما ذكره صاحب الجواهر رحمه الله .
قوله : (وترك الشعر)
المراد به ترك إنشاد الشِّعر في المسجد، لا خصوص رفع الصّوت به، وذكر جماعة من الأعلام كراهة إنشاد الشِّعر، لا استحباب تركه .
ويدلّ على الكراهة صحيحة جعفر بن إبراهيم الجعفري عن علي بن الحسين عليه السلام (قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مَنْ سمعتموه يُنشِد الشِّعرَ في المسجدِ فقولوا فَضَّ الله فاك، إنّما نُصبت المساجد للقرآن)[2]، والرّواية صحيحة، لأنّ جعفر بن إبراهيم هو جعفر بن إبراهيم بن محمّد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ويُعرف بالجعفري، وهو ثقة .
وقدِ استُدلّ أيضاً بحديث المناهي (نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يُنشَد الشِّعرُ في المسجد )[3]، وقد عرفت أنّ حديث المناهي ضعيف جدّاً .
وإطلاق النص وفتاوى الأعلام يقتضي كراهة كلّ شعر .
لكن صرح جماعة من الأعلام باستثناء بعض الأشعار، منهم المصنِّف رحمه الله، حيث قال : (وليس ببعيد حَمْل إباحة إنشاد الشِّعر على ما يقلّ منه، وتكثر منفعته، كبَيْت حكمة، أو شاهد على لغة في كتاب الله، أو سنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، وشبهه، لأنّ من المعلوم أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان ينشد بين يديه البيت، والأبيات من الشعر في المسجد، ولم ينكر ذلك ... ).
وألحق به المحقّق الثاني رحمه الله مدح النبي، ومراثي الحسين عليه السلام، وفي البحار : (ولأنّ مدحهم عليهم السلام عبادة عظيمة، والمسجد محلّها، فيختصّ المنع بالشِّعر الباطل ... ).
أقول : مما يدلّ على الاستثناء عدّة رواياتٍ :
منها : صحيحة علي بن يقطين (أنّه سأل أبا الحسن عليه السلام عن إنشاد الشِّعر في الطواف، قال : ما كان مَنْ الشِّعر لا بأس به، فلا بأس به)[4]، إذ الظّاهر إرادة نفي الكراهة فيما لا بأس به من الشِّعر، لا الحرمة .
ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام المروية في كتابه على ما ذكره صاحب الوسائل رحمه الله (قال : سألتُه عن الشِّعر أيصلح أن ينشد في المسجد، فقال : لا بأس)[5]، ونفي البأس محمول على نفي الكراهة لا الحرمة، سيّما مع ملاحظة ظهور سؤال السّائل في إرادة الصّلاحية بمعنى عدم الكراهة، بل علوّ رتبة عليّ بن جعفر في العلم قد يأبى سؤاله عن الحرمة .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم على ما رواه الصّدوق رحمه الله في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة، قال : حدثني أبي قال : حدثني سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال : بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكّة إذ أقبل إليه، وفد فسلّموا عليه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : مَنْ القوم ؟ قالوا : وفد بكر ابن وائل، فقال : وهل عندكم علم من خبر قسّ بن ساعدة الأيادي قالوا : بلى، يا رسول الله ! (صلى الله عليه وآله) قال : فما فعل قالوا : مات - ثمّ ساق الحديث، إلى أن قال : - ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : رحم الله قسّاً، يُحشر يوم القيامة أمّةً واحدة، قال : هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئاً، فقال بعضهم : سمعته يقول : في الأوّلين الذّاهبين ** من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً ** للموت ليس لها مصادر ... )[6].
وهذه الصحيحة ظاهرة في نفي الكراهة بين يديه (صلى الله عليه وآله) في المسجد الحرام الذي هو أشرف البقاع .
قوله : (والنوم فيها، وخصوصاً المسجدين إلّا ضرورة)
المعروف بين الأعلام كراهة النوم في المساجد، خصوصاً المسجدين، وفي المدارك : (هذا الحكم مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب ... )، وفي الذكرى : (وترك النوم فيها - أي يُستحبّ ترك النوم فيها - وخصوصاً المسجدَيْن، قال الجماعة ... ) .
وعلَّلوا الكراهة أيضاً : بمنافاة النوم توقير المسجد، ومخافة خروج الخبث منه، فضلاً عن الريح من الحدث، والتعليل الوارد في الرّوايات المتقدّمة بأنّها إنّما يثبت للقرآن الكريم، أو لغير هذا .
ولا يخفى عليك أنَّ هذه التعاليل عليلة، لا تصلح مدركاً للأحكام الشرعية .
وقدِ استُدل للكراهة بموثّقة أبي أسامة زيد الشحام (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : قول الله عزّوجل : (لا تقربوا الصَّلاة وأنتم سكارى ) قال : سكر النّوم )[7]، بناءً على أنّ المراد مواضع الصّلاة التي هي المساجد، وقد ذكر جماعة من الأعلام أنّ الرّواية ضعيفة سنداً، لعدم وثاقة الحسين بن المختار الواقفي .
ولكن الإنصاف : أنّه ثقة لتوثيق الشّيخ المفيد له، ونقل ابن عقدة : توثيق عليّ بن الحسن بن فضال له .
وأمّا قول بعضهم : لا أقبل بتوثيق واقفي بنقل زيدي عن فطحي - لأنّ الحسين بن المختار واقفي، وابن عقدة زيدي، وابن فضال فطحي - فهو غير محلّه، لأنّ المعتبر كونه ثقة، وإن كان فاسد المذهب .
مع أنّك عرفت أنّ الشيخ المفيد رحمه الله وثّقه أيضاً .


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب57 من أبواب الوضوء ح1 .

[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب14 من أبواب أحكام المساجد ح1-3 .
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب14 من أبواب أحكام المساجد ح1-3 .
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب54 من أبواب قواطع الطواف ح1 .
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب14 من أبواب أحكام المسجد ح2 .
[6] كمال الدين وتمام النعمة : ص167، ط التابعة لجماعة المدرسين قم المقدسة .
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، باب35 من أبواب قواطع الصلاة ح1 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo