الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/03/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : في السّجود ومواضعه
نعم ، رواية أبي بصير ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة ، وبعدم وثاقة القاسم بن محمّد ، وكذا رواية أحمد بن عمر ، فإنّها ضعيفة بعبّاد بن سليمان ، فإنَّه مهمل ، وأمَّا رواية عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله فهي صحيحة أو موثقة .
قوله : (ولا كراهة في السّجود على المروحة والسّواك والعُود)[1]
إذ الكراهة تحتاج إلى دليل ، ولا يوجد ما يدّل عليها .
وأمّا صحيحة زرارة عن أبي جعفر قال سألتُه عن المريض كيف يُسجد ؟ فقال : على خُمْرة ، أو على مروحة ، أو على سواك ، يرفعه إليه ، هو أفضل من الإيماء ، إنّما كره (من كره) السّجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تُعبد من دون الله ، وإنَّا لم نعبد غير الله قط ، فاسجدوا على المروحة ، وعلى السّواك ، وعلى عود[2] ، فالأمر فيها محمول على الإباحة ، وليس على الاستحباب ، لأنّه واقع في مقام توهّم الحظر .
قوله : (ولا يجوز السّجود على ما لا تتمكّن منه الجبهة ، كالرمل المنهال)
المعروف بين الأعلام عدم جواز السّجود على ما لا تتمكن منه الجبهة ، كالرّمل المنهال ، والوحل ، ونحوهما ، وذلك لأمرَيْن :
الأوَّل : أنّ مفهوم السّجود متقوِّم بالاعتماد على الشيء ، فمع عدم تمكُّن الجبهة لا يصدق السّجود .
الثاني : لموثقة عمَّار عن أبي عبد الله قال : سألتُه عن حدّ الطين الذي لا يُسجد عليه ما هو ؟ فقال : إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض ... [3] .
وموثّقته الأخرى عن أبي عبد الله × قال : سألتُه الرّجل يصيبه المطر وهو في موضعٍ لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين ، ولا يجد موضعاً جافّاً ، قال : يفتتح الصّلاة ، فإذا ركع فَلْيركع كما يركع إذا صلّى ، فإذا رفع رأسه من الركوع فَلْيؤمّ بالسّجود إيماءً وهو قائم ، يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصّلاة ، ويتشهد وهو قائم ، ويسلم[4] .
قال في الوسائل : وقد رواه محمّد بن إدريس في آخر السّرائر نقلاً من كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب عن أحمد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله × كذلك ، مع زيادة : وسألتُه عن الرّجل يصلّي على الثلج ، قال : لا ، فإنْ لم يقدر على الأرض بسط ثوبه ، وصلّى عليه [5] ، وهي بهذا الطريق صحيحة ، لأنَّ ابن إدريس & وإن لم يذكر طريقه في مستطرفات السّرائر الكتب والأصول التي أخذ منها الروايات ، إلّا أنّه في خصوص نوادر محمّد بن عليّ بن محبوب ذَكَر & أنَّه موجود عنده بخطّ الشّيخ أبي جعفر الطوسي & ، وطريق الشّيخ إليه صحيح.
قوله : (ويستحبّ زيادة التمكّن)
يُستفاد ذلك من بعض الرّوايات :
منها : رواية السّكوني عن أبي عبد الله × قال : قال عليّ × : إنّي لأكره للرّجل أن أرى جبهته جلجاء ، ليس فيها أثر السّجود[6] ، ولكنّها ضعيفة بجهالة محمّد بن حسّان ، وعدم وثاقة أبي محمّد الرازي .
ومنها : رواية عَمْرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر × - في حديث - قال : إنّ أبي عليّ بن الحسين × كان أثر السّجود في جميع مواضع سجوده ، فسمّي السَّجاد لذلك[7] ، ولكنّها ضعيفة بعدّة أشخاص ، منهم عَمْرو بن شمر ، وإبراهيم بن إسحاق الأحمري ، ومحمّد بن محمّد بن عصام ، فإنّه غير موثّق .
قوله : (ولا بأس بالقرطاس ، ويكره المكتوب منه للقارئ المبصر ، ولو اتخذ القرطاس من القطن ، أو الكتان ، أو الحرير ، لم يجز)[8]
يقع الكلام في ثلاثة أمور :
الأوَّل : في جواز السُّجود على القِرطاس ، وعدمه.
الثاني : بعد فرض القول بالجواز هل يجوز السّجود عليه مطلقاً - أي : ولو كان متّخذاً من النبات الذي لا يصحّ السّجود عليه كالقطن ، والكتان ، أو كان متّخذاً من غير النبات ، كالصّوف والشعر والحرير - ؟ أم أنَّه لا يصحّ إلّا إذا كان متّخذاً من الأرض أو النبات الذي لا يؤكل ، ولا يلبس ؟
الثالث : هل يُكره السُّجود على القِرطاس المكتوب عليه ، أم لا ؟
أمَّا الأمر الأوَّل : فالمعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً ، وفي جميع الأعصار والأمصار ، جواز السّجود على القرطاس .
وفي المدارك : هذا مذهب الأصحاب ، ونقل عليه جدي - قدس سره - في الشرح الإجماع ... ، وفي الحدائق : الظّاهر أنَّه لا خلاف بين الأصحاب في استثناء القرطاس من هذا الحكم في الجملة ... ، وفي الجواهر : بلا خلاف أجده فيه في الجملة ، كما اعترف به غير واحد ، بل اتِّفاق الأصحاب محكيّ عليه صريحاً في جامع المقاصد والمسالك والروضة والمفاتيح ، فضلاً عن الظَّاهر في التذكرة والمدارك وكشف اللثام إن لم يكن محصَّلاً ... .
أقول : يدلّ عليه بعد التّسالم بين الأعلام عدَّة من الرِّوايات :
منها : صحيحة عليِّ بن مَهْزيار قال : سألَ داودُ بن فرقد أبا الحسن × عن القراطيس ، والكوغد المكتوبة عليها ، هل يجوز السُّجود عليها ، أم لا ؟ فكتب : يجوز[9] ، وهي صحيحة بطريق الشّيخ & ، وبطريق الشَّيخ الصَّدوق & أيضاً ، حيث رواها بإسناده عن داود بن أبي يزيد - وهي كنية لدواد بن فرقد - عن أبي الحسن الثالث × .
ولكنَّ الصحيح هو أبو الحسن الأوَّل × ، أي الإمام الكاظم × ، لأنَّ داود بن فرقد من أصحابه ، وروى عن الصَّادق × أيضاً ، فكيف يروي عن أبي الحسن الثالث ، أي الإمام الهادي × ؟!
وعليه ، فَذِكْر الثالث بعد أبي الحسن غلط .
ومنها : صحيحة صفوان الجمَّال قال : رأيتُ أبا عبد الله × في المحمل يسجد على القرطاس ، وأكثر ذلك يُومِئ إيماءً[10] .
ورواها البرقي في المحاسن عن عليِّ بن الحكم عمَّن ذَكَره عن أبي عبد الله × مثله ، ولكنَّها ضعيفة بطريق البرقي بالإرسال .
والظاهر أنَّ المعنى في هذه الصحيحة هو أنَّه × لمَّا كانت صلاته في المحمل وقت السير فربَّما يمكن من السّجود فيضع جبهته على القرطاس ، وربَّما لا يتمكن فيُومِئ للسُّجود إيماءً .
ومنها : صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد الله × أنَّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة [11] ، والمراد بالكراهة هنا هو المعنى الاصطلاحي لها بالاتفاق .
الأمر الثاني : مقتضى إطلاق صحيحة بن مهزيار ، وصحيحة جميل بن دراج ، جواز السُّجود على القرطاس مطلقاً ، سواء اتّخذ من القطن والكتّان ، أو الحرير ، أو غيرها .