< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القبلة

 

وأمَّا الماشي في السَّفر فيدلُّ عليه أيضاً جملة من النصوص :

منها : صحيحة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : لا بأس بأن يصلِّي الرَّجل صلاةَ اللّيل في السَّفر ، وهو يمشي ، ولا بأس إن فاتته صلاة اللّيل أن يقضيها بالنَّهار ، وهو يمشي يتوجَّه إلى القِبلة ، ثمَّ يمشي ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع حوَّل وجهه إلى القِبلة ورَكَع وسَجَد ، ثمَّ مشى)[1] .

ومنها : صحيحة يعقوب بن شُعيب (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الصَّلاة في السَّفر - وأنا أمشي - قال : أومِ إيماءً ، واجعلِ السُّجود أخفض من الرُّكوع) [2] .

ومنها : صحيحتُه الثانية (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام - إلى أن قال : - قلتُ : يصلِّي وهو يمشي ؟ قال : يومِئ إيماءً ، وَلْيجعل السُّجود أخفض من الرُّكوع) [3] .

ومنها : مرسلة حريز عمَّن حدَّثه ، عن أبي جعفر عليه السلام (أنَّه كان لا يرى بأساً بأنْ يصلِّي الماشي وهو يمشي ، ولكن لا يَسُوق الإبلَ) [4] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

وهاتان الرِّوايتان الأخيرتان وإن لم يُنَصَّ فيهما على السَّفر إلَّا أنَّ مقتضى الإطلاق فيهما الشُّمول لحال السَّفر إن لم يكن المتيقَّن .

إلى غير ذلك من الرِّوايات الكثيرة ، وأكثر تلك الأخبار المتقدِّمة في الرَّاكب والماشي وإن لم يُتعرَّض فيها لذِكْر الاستقبال ، إلَّا أنَّ عدم التعرُّض يكون دليلاً لعدم اعتباره ، بل قد يُستفاد منها عدم اعتبار الاستقبال بقرينة كون أغلب طرق المسير على غير القِبلة ، بل الغالب انحراف ما يكون منها على القِبلة عنها يميناً وشمالاً ولو في الأثناء ؛ مع أنَّه يوجد في بعض الرِّوايات تصريح بعدم اعتبار الاستقبال .

الأمر الثاني : في جواز النافلة في الحضر راكباً أو ماشياً إلى غير القبلة ، ويدلُّ عليه جملة من الرِّوايات :

منها : صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج عن أبي الحسن عليه السلام (أنَّه سَأَل أبا عبد الله عليه السلام عن الرَّجل يصلِّي النوافل في الأمصار وهو على دابَّته حيث ما توجَّهتْ به ، قال : لا بأس) [5] .

ومنها : صحيحة حمَّاد بن عثمان عن أبي الحسن الأوَّل عليه السلام (في الرَّجل يصلِّي النافلة وهو على دابَّته في الأمصار ، فقال : لا بأس) [6] .

ومنها : صحيحة ثانية لعبد الرَّحمان بن الحجَّاج عن أبي الحسن عليه السلام (قال : سألتُه عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدَّابة إذا خرجت قريباً من أبياتِ الكوفة ، أو كنتُ مستعجلاً بالكوفة ، فقال : إن كنتَ مستعجِلاً لا تقدر على النزول ، وتخوَّفت فوتَ ذلك إن تركته وأنت راكب ، فنعم ، وإلَّا فإنَّ صلاتك على الأرض أحبُّ إليَّ ) [7] .

ويدلُّ عليه أيضاً : بعض الأخبار المتقدِّمة ، والتي هي مطلقة من حيث السَّفر والحضر ، إذ لم تُقيَّد في خصوص المسافر ، وإنَّما ذُكِر فيها الرُّكوب ، وهو كما يكون في السَّفر يكون في الحضر أيضاً .

ثمَّ إنَّه لا يوجد ما يدلُّ صريحاً على سقوط الاستقبال في حال المشي في الحضر بالخصوص ، بل منها ما هو مطلق في جواز الصَّلاة ماشياً ، كما في صحيحة يعقوب بن شعيب (قلتُ : يصلِّي وهو يمشي ؟ قال : نعم ، يومِئ إيماءً ، وَلْيجعل السُّجود أخفض من الرُّكوع) [8] ، فإنَّها شاملة لحالتي السَّفر والحضر ، وكذا غيرها .

هذا ، وذهب ابن أبي عقيل رحمه الله إلى اعتبار استقبال القِبلة في الحضر مطلقاً ، أي : سواء أكان في حال السَّير أم لا ، وقد يُستدلّ له بأمرَيْن :

الأوَّل : ذِكْر السَّفر في جملةٍ من نصوص الجواز .

وفيه : أنَّ ذلك لا يصلح لتقييد غيره ، لِمَا عرفتَ أنَّ الوصف لا مفهوم له ، فلا تنافي حينئذٍ بين الأخبار المطلقة ، والأخبار التي فيها قَيْد السَّفر .

الثاني : ما ورد في بعض الرِّوايات من تفسير قوله تعالى : ﴿ فأينما تولُّوا فثمَّ وجه الله [9] : (في النافلة في السَّفر) .

وفيه : أنَّ هذه الرِّوايات - وهي ثلاث تقدَّمتْ سابقاً - ضعيفة بالإرسال .

أضف إلى ذلك : أنَّ ذِكْر السَّفر فيها إنَّما لِكونه مورد نزول الآية الكريمة ، لا لتخصيص الحكم به ، إذ المورد لا يُخصِص الوارد .

ثمَّ إنَّه لا فَرْق في سقوط الاستقبال بين التكبير وغيره ، فلا يشترط الاستقبال في شيءٍ منها ، خلافاً لِمَا عسَاه يظهر من المحكي عن المبسوط والخِلاف منِ اشتراط الاستقبال بالتكبيرة للماشي .

وعن بعضهم أيضاً اشتراط الاستقبال بالتكبيرة للرّاكب ، بل عن ابن إدريس رحمه الله نسبته إلى جماعة الأصحاب ، إلَّا مَنْ شذَّ .

أقول : يدلُّ على عدمِ اشتراط الاستقبال في شيءٍ منها إطلاق أكثر الأخبار المتقدِّمة الدَّالة على جواز النافلة ماشياً أو راكباً ، أينما توجهتْ بك الدَّابة .

وخصوص قوله عليه السلام في رواية الحلبي - على نسخة الكافي المتقدِّمة ، بعد أَنْ سُئِل عن الاستقبال عند التكبير - (قال : لا ، ولكن تُكبِّر حيثما كنتَ متوجِّهاً) ، ولكنَّها ضعيفة بمحمد بن سنان .

وكذا خصوص رواية زرارة المرويَّة عن تفسير العياشي ، حيث ورد فيها (قلتُ : فَأَتوجَّه نحوها في كلِّ تكبيرة ؟ قال : أمَّا في النافلة فلا ، إنَّما تُكبِّر على غير القبلة الله أكبر ... ) [10] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

وعليه ، فما في بعض الأخبار من الأمر بالاستقبال حال التكبير - كصحيحة عبد الرحمان بن أبي نجران (قال : سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الصَّلاة باللّيل في السَّفر في المحمل ، قال : إذا كنت على غير القِبلة فاستقبِل القبلة ، ثمَّ كبَّر ، وصلِّ حيث ذهب بك بعيرك ... ) [11] ، وصحيحة معاوية بن عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس بأنْ يصلِّي الرَّجل صلاة اللّيل في السَّفر وهو يمشي - إلى أن يقول : - يتوجَّه إلى القِبلة ، ثمَّ يمشي ويقرأ ...) [12] - محمول على الاستحباب جمعاً بين الأخبار .

إن قلت : لماذا لا نقيِّد الرِّوايات المطلقة بهاتين الصحيحتَيْن الظاهرتَيْن في اشتراط الاستقبال حال التكبير .

قلت : قد ذكرنا في أكثر من مناسبةٍ أنَّه لا مقتضى لحمل المطلق على المقيَّد في المستحبَّات .

الأمر الثالث : في جوازها في السَّفينة من غير استقبال .

وقد يُستدلّ لذلك بعدَّةِ أمورٍ :

الأوَّل : إمكان إدراج السَّفينة في إطلاق الرُّكوب نصّاً وفتوى .

الثاني : النصوص الخاصَّة :

منها : صحيحة زرارة (أنَّه سأل أبا جعفر عليه السلام في الرَّجل يصلِّي النوافل في السَّفينة قال : يصلِّي نحو رأسها) [13] .

ومنها : رواية زرارة المرويَّة عن تفسير العياشي (قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : الصَّلاةُ في السَّفرِ في السَّفينةِ والمحملِ سواء ؟ قال : النافلة كلّها سواء ، تُومِئ إيماءً ، أينما توجهت دابتك وسفينتك - إلى أن قال : - فَأَتوجَّه نحوها في كلِّ تكبيرة ؟ قال : أمَّا النافلة فلا ، إنَّما يكبِّر على غير القبلة ... ) [14] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال ، كما عرفت .

ومنها : مضمرة سُليمان بن خالد - حيث ورد في ذيلها - (وقال : يصلِّي النافلة مستقبل صدره السَّفينة وهو مستقبل القِبلة إذا كبر ، ثمَّ لا يضرّه حيث دارت) [15] ، ولكنَّها ضعيفة بالإضمار ، وبمحمَّد بن سنان .

ومنها : ما في معتبرة محمَّد بن عذافر المتقدِّمة[16] من جَعْل المحمل بمنزلة السَّفينة ، وهي وإن كانت واردةً في الفريضة إلَّا أنَّه يستفاد منها حكم النافلة بالأولويَّة .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo