< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (8)

 

وأمَّا مَنْ ذهب إلى المنع من التقديم فالأفضل أن يستدلّ لهم بعدَّة روايات وردت في كتاب زيد النرسي :

منها : ما عن أبي الحسن عليه السلام (قال : سألتُه عن الأَذان قبل طلوع الفجر ، فقال عليه السلام : لا ، إنَّما الأَذان عند طلوع الفجر أوَّل ما يطلع)[1] .

ومنها : روايته الأخرى عنه عليه السلام (أنَّه سمع الأَذان قبل طلوع الفجر ، فقال : شيطان ، ثمَّ سمعه عند طلوع الفجر فقال عليه السلام : الأَذان حقاً) [2] .

ولكن ذكرنا سابقاً حال الكتاب ، وصاحبه وأنَّه غير موثق ، وأمَّا الكتاب فقد ذكر محمَّد بن الحسن بن الوليد أنَّه موضوع وضعه محمَّد بن موسى الهمداني ، ولكن الصحيح أنَّ الشَّيخ له طريق صحيح إليه ، فراجع ما ذكرناه .

{فرع}

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (لا حدَّ لهذا التقديم عندنا ، بل ما قارب الفجر وتقديره بسدس اللّيل أو نصفه تحكُّم ، ورُوي : أنَّه كان بين أذاني بلال وابن أمّ مكتوم نزول هذا وصعود هذا ، وينبغي أن يجعل ضابطاً في التقديم ليعتمد عليه النَّاس ، ولا فرق بين رمضان وغيره في التقديم )[3] .

قال صاحب المدارك رحمه الله : (ولا فرق بين كون المؤذّن واحداً أو اثنين ، وإن كان الأولى تغايرهما لتحصل الفائدة باختلاف الصَّوت ، كما فعل النَّبي (صلى الله عليه وآله) )[4] ، وما ذكراه جيِّد ، والله العالم بحقائق أحكامه .

**********

قوله : (والترتيب شرط فيهما)[5]

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (الترتيب شرط في صحَّة الأَذان والإقامة بينهما وبين كلماتهما تأسيّاً بمؤذِّنِ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وبما علَّمه جبرائيل عليه السلام ... )[6] .

أقول : يقع الكلام في أمرين :

الأوَّل : في اشتراط الترتيب بين فصول الأَذان والإقامة .

الثاني : في اشتراط الترتيب بين الأَذان والإقامة نفسهما .

أمَّا الأمر الأوَّل : فالمعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً اشتراط الترتيب بين فصولهما ، وفي الجواهر : (إجماعاً بقسمَيْه ... ) .

والظاهر أنَّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام ، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه ، ومع ذلك يدلّ عليه بعض الأخبار :

منها : صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : مَنْ سها في الأَذان فقدَّم أو أخر أعاد على الأوَّل الذي أخَّره حتَّى يمضي على آخره) [7] .

ومنها : مرسلة الفقيه (قال : قال أبو جعفر عليه السلام : تابع الوضوء - إلى أن قال : - وكذلك في الأذان والإقامة فابدأ بالأوَّل فالأوَّل ، فإن قلت : حي على الصَّلاة قبل الشَّهادتين ، تشهَّدت ، ثمَّ قلت : حيَّ على الصَّلاة) [8] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

ومنها : النصوص المتعرِّضة لكيفيَّة الأَذان والإقامة ، وقد تقدّمت .

ثمَّ إنَّ الأَذان والإقامة كما يفسدان بمخالفة الترتيب كذلك يفسدان بترك شيء من فصولهما من غير فرق بين العمد والسّهو ، فإنَّ المركب ينتفي بانتفاء شرطه أو جزئه ، سواء كان عمداً أو سهواً .

ويدلّ عليه : موثَّقة عمَّار السَّاباطي (أنَّه قال : سُئِل أبو عبد الله عليه السلام عن رجلٍ نسي من الأَذان حرفاً ، فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة ، قال : يرجع إلى الحرف الذي نسيه فَلْيقله ، وليقل من ذلك الحرف إلى آخره ، ولا يعيد الأَذان كلّه ، ولا الإقامة) [9] .

ولكن قد ينافيها موثَّقته الأخرى (قال : سألتُ أبا عبد الله عليه السلام أو سمعته يقول : إن نسي الرَّجل حرفاً من الأَذان حتَّى يأخذ في الإقامة فَلْيمض في الإقامة ، وليس عليه شيء ، فإن نسي حرفاً من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ، ثمَّ يقول : مَنْ ذلك الموضع إلى آخر الإقامة ... ) [10] ، وهي ظاهرة في الاجتزاء بذلك الجمع بين الموثَّقتين بحمل الثانية على عدم أهميَّة الأَذان ، فتجزي الإقامة وحدها ، أو حمل الأمر في الأُولى - أي : الأمر بالرجوع وتدارك الأذان - على الاستحباب .

وقد يشهد للحمل الأوَّل - أي : كون الإقامة مجزية وحدها - رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال : سألتُه عن الرَّجل يخطئ في أذانه وإقامته ، فذكر قبل أن يقوم إلى الصَّلاة ما حاله ، قال : إن كان أخطأ في أَذانه مضى على صلاته ، وإن كان في إقامته انصرف فأعادها وحدها ، وإن ذكر بعد الفراغ من ركعة أو ركعتين مضى على صلاته ، وأجزأه ذلك) [11] ، ولكنَّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن ، فإنَّه مهمل .

وأمَّا الأمر الثاني : لا إشكال في اعتبار الترتيب بين الأذان والإقامة ، وفي المدارك : (لا ريب في اشتراط الترتيب بينهما ... )[12] ، وفي الجواهر : (وكذا يشترط الترتيب بين الأَذان والإقامة نفسهما ، فمع نسيان حرف من الأَذان يعيد من ذلك الحرف إلى الآخر للإجماع بقسمَيْه أيضاً ، والأصل ، والتأسي ، إذ هو الثابت من الأدلَّة ، بل يمكن دعوى القطع باستفادته من تصفُّح النصوص ... )[13] .

أقول : لم يخالف أحد من الأعلام في ذلك ممَّا يضرّ مخالفته بالتسالم ، فتكون المسألة متسالماً عليها ، ومع ذلك يدلّ عليه بعض الرِّوايات :

منها : صحيحة زرارة (قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : رجل شكَّ في الأَذان وقد دخل في الإقامة ، قال : يمضي ، قلتُ : رجل شكَّ في الأَذان والإِقامة وقد كبَّر ، قال : يمضي ... ) [14] ، وهي ظاهرة جدّاً في عدم الاعتناء بالشكّ في الأَذان وهو في الإقامة ، ولولا اعتبار تقدَّم الأَذان على الإقامة لَمَا كان معنى لهذا الكلام .

ثمَّ اعلم أنَّ استحباب كلَّ من الأَذان والإقامة ليس ارتباطيّاً بالإضافة إلى الآخر ، كعُمْرة التمتع وحجّه ، حيث إنَّهما ارتباطيَّان ، فلا يصحّ أحدهما بدون الآخر ، ولا يصحّ حجّ التمتّع إلَّا مع تقدَّم العمرة ، بل له الاقتصار على كلٍّ من الأَذان والإِقامة ، فمع فرض عدم إرادة الإتيان بالوظيفتَيْن لا يلزم التدارك ، وسلم له أحدهما .

وعليه ، فاشتراط الترتيب بين الأَذان والإقامة يختصّ بحال الجمع بينهما .

هذا ، وذكر صاحب الجواهر رحمه الله (أنَّ من أقام عازماً على الاقتصار عليها ، ثمَّ بدا له بعد فراغها الإِتيان بالأَذان وجب عليه إعادة أيضاً إن كان قد أراد حوز الفضيلتَيْن ، وإلَّا اقتصر على الأَذان وكان كالمصلّي به ابتداءً بلا إقامة ، كما هو واضح ... ) .

ولكن المحقّق الهمداني رحمه الله له رأي آخر ، حيث قال : (فالترتيب بين الأَذان والإقامة ليس إلَّا كالترتيب بين الفرائض اليوميَّة ونوافلها أو الترتيب بين نافلة الليل وركعات الوتر ونافلة الفجر ، وغير ذلك من التكاليف المترتبة التي يجوز للمكلِّف الإتيان بالمتأخِّر ابتداءً عند إرادة ترك المتقدِّم فالإشكال في مثل هذه الموارد إنَّما هو في جواز تدارك المتروك بعد الإتيان بما تأخَّر عنه في الرتبة ، حيث إنَّ قضية الترتيب فيما بينهما تعذّره بفوات محله ، ولكن مقتضى استصحاب بقاء التكليف به جوازه وحصول الإجزاء بفعله المستلزم لسقوط شرطيَّة الترتيب فيما بينهما ، ولكن لو أراد إحراز فضيلة حصولهما على الوجه الموظَّف فعليه إعادة المتقدَّم بعده لإدارك هذه الفضيلة لو قلنا بجواز الإعادة للإجادة ، كما ليس ببعيد ، وإلَّا فمقتضى الأصل عدم مشروعيِّتها)[15] .

ولكن الإنصاف : أنَّه لا يظهر من الأدلَّة كون الترتيب بين الأَذان والإقامة كالترتيب بين الفرائض اليوميَّة ونوافلها ، بل يظهر أنَّهما من قبيل الظُّهرين والعِشاءين ، حيث إنَّ صحَّة العصر والعشاء مشروطة بالتأخُّر عن الظُّهر والمغرب ، فلو قدَّم العصر عمداً بطلت ، وكذا العشاء بالنسبة إلى المغرب .

نعم ، التقدُّم السهوي فيهما لا بأس به للنصّ ، وحديث (لا تُعاد الصَّلاة) .

وعليه ، فلو قدَّم الإِقامة ، وأراد الإتيان بالأذان بعدها ، فإطلاقات أدلَّة الأَذان تشمله ويصحّ ، ولكن عليه إعادة الإقامة ، كما ذكره صاحب الجواهر رحمه الله إن أراد الحصول على الفضيلتَيْن ، وذلك رعاية للترتيب بينهما ، والله العالم .

*********

قوله : (والإقامة أفضلهما)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (وأمَّا الإقامة فقال الشَّيخ : هي أفضل من الأَذان لقربها من الصَّلاة ، ولقول الصَّادق عليه السلام : إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة ، ولِشدَّة تأكيدها باعتبار الطهارة والقيام ، وشدَّة كراهة الكلام ... )[16] انتهى ما ذكره ، وهو في محلّه .

وسيأتي ذكر الرِّوايات التي أشار إليها المصنِّف رحمه الله ، والتي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (أنَّه قال : إذا أُقيمت الصَّلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد ، إلَّا في تقديم إمام) [17] .

وفي رواية هارون المكفوف (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا أبا هارون ! الإقامة من الصَّلاة ، فإذا أقيمت فلا يتكلم ولا تؤمّ بيدك) [18] ، ولكنَّهما ضعيفة لِعدم وثاقة كلٍّ من صالح بن عقبة وأبي هارون المكفوف ، ووجودهما في كامل الزيارات لا ينفع لأنَّهما ليسا من مشايخه المباشرين .

*********

قوله : (وأن يؤمّ أفضل منهما)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (وثبت أيضاً أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أذَّن ، وكان يقول : أشهد أنِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وتارة يقول : أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأنكر العامَّة أَذَانه ، نعم لو كان اشتغاله بالإمامة الدائمة تمنعه من ذلك فإنَّها أفضل من الأَذان لِقوله (صلى الله عليه وآله) الأَئمة ضمناء والمؤذّنون أمناء ، فبدأ بالأَئمة والضامن أكثر عملاً من الأمين ، فيكون أكثر ثواباً ، ولأنَّ النَّبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن ليترك الأفضل إلى غيره ، وقوله (صلى الله عليه وآله) : فأرشد الله الأَئمة وغفر للمؤذّنين ، لا يدلّ على أفضليّة الأذان ، لأنَّ دعاء النَّبي (صلى الله عليه وآله) لهم مستجاب ، ومَنْ أرشد فهو مستحقّ للمغفرة فقد جمع له بين الأمرين ... ) ، والرِّواية النبويَّة[19] ضعيفة بالإرسال مرويَّة في عوالي اللآلي .


[19] مستدرك الشيعة، المحدث النوري، أبواب الأذان والإقامة، باب3، ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo