< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (24)

 

ثمَّ لو تمَّت الرِّوايات المتقدِّمة إلَّا أنَّها معارَضة بصحيحة عليِّ بن رئاب (سألتُ أبا عبد الله - عليه السلام - قلتُ : تحضرُ الصَّلاة - ونحن مجتمعون في مكانٍ واحدٍ - أتجزينا إقامة بغير أذان ؟ قال : نعم)[1] .

ومنها : موثَّقة الحسن بن زياد (قال : قال أبو عبد الله - عليه السلام - : إذا كان القوم لا ينتظرون أحداً اْكتفوا بإقامةٍ واحدةٍ)[2] ، والرِّواية موثَّقة ، لأنَّ المراد من الحسن بن زياد هو الحسن بن زياد الصَّيقل ، وهو من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته .

ثمَّ إنَّه وإن لم يكن المقصود خصوص صلاتهم جماعةً إلَّا أنَّها القدر الميتقَّن ممَّا أُريد بهما ، كما لا يخفى .

القول الثاني : وجوبه في المغرب والصُّبح ،

ويدلّ عليه جملة من الرِّوايات :

منها : ذيل رواية أبي بصير المتقدِّمة[3] ، وقد عرفتَ الكلام عنها سنداً ودلالةً .

ومنها : صحيحة صفوان بن مهران عن أبي عبد الله - عليه السلام - (قال : الأَذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى ، ولا بدَّ في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسَّفر ، لأنَّه لا تقصِّر فيهما في حضرٍ ولا سفرٍ ، وتجزئك إقامة بغير أذان في الظُّهر والعصر والعِشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصَّلوات أفضل)[4] .

ولكنَّ المذكور في الذَّيْل من أفضليَّة الأذان والإقامة الشامل بإطلاقه الصَّلاتي الفجر والمغرب قرينة واضحة على الاستحباب .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر - عليه السلام - (أنَّه قال : أدنى ما يجزي من الأَذان أن تفتتح الليل بأذانٍ وإقامةٍ ، وتفتتح النَّهارَ بأذانٍ وإقامةٍ ، ويجزيك في سائر الصَّلوات إقامة بغير أذان)[5] .

وقد يُسْتَشْكل في دلالتها ، لكونها ظاهرة في بيان أقلِّ مراتب الوظيفة ، وأدنى ما يجزي عنها ، من دون تعرُّضٍ لحكم تلك الوظيفة من كونها على سبيل الوجوب أو الاستحباب .

ومنها : صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله - عليه السلام - (قال : تجزئك في الصَّلاة إقامة واحدة ، إلَّا الغداة والمغرب)[6] .

وقد يُسْتَشْكل فيها أيضاً : بأنَّ المجزأ عنه هل هو الأمر الوجوبي المتعلِّق بالأذان والإقامة أم الاستحبابي .

ومنها : رواية الصّباح بن سيَّابة (قال : قال لي أبو عبد الله - عليه السلام - : لا تدعِ الأذان في الصَّلواتِ كلّها ، فإنْ تركته فلا تتركه في المغرب والفجر ، فإنَّه ليس فيهما تقصير)[7] .

وفيها أوَّلاً : أنَّها ضعيفة ، لعدم وثاقة الصّباح بن سيَّابة .

وثانياً : أنَّ النهي الثاني فيها ظاهر في الكراهة ، بقرينة النهي الأوَّل ؛ وقد يحمل على بيان شدَّة التأكّد .

ثمَّ إنَّه مع تسليم تلك الرِّوايات سنداً ودلالةً يعارضها صحيحة عمر بن يزيد (قال : سألتُ أبا عبد الله - عليه السلام - عن الإِقامة بغير الأذان في المغرب ، فقال : ليس به بأس ، وما أحبّ أن يعتاد)[8] .

ومقتضى الجمع العرفي حَمْل ما تقدَّم على الاستحباب في المغرب ، ولأجل اشتمال تلك الرِّوايات على التعليل الذي يمتنع فيه عرفاً التفكيك بين المغرب والصُّبح فيحمل ما تقدَّم على تأكُّد الاستحباب في الصُّبح أيضاً .

والخلاصة : أنَّ الأقوى عدم وجوب الأذان مطلقاً .

ومَّما يقوي القول بالاستحباب مطلقاً بعض الرِّوايات :

منها : الرِّوايات الكثيرة الدَّالة على أنَّ مَنْ صلَّى بأذان وإقامة صلَّى خلفه صفَّان من الملائكة ، ومَنْ صلَّى بإقامةٍ وحدها صلَّى خلفه صفّ واحد .

وقد تقدَّمت هذه الرِّوايات في أوَّل مبحث الأذان والإقامة ، والتي منها صحيحة محمَّد بن مسلم (قال : قال لي أبو عبد الله - عليه السلام - : إنَّك إذا أنت أذَّنت وأَقَمْت صلَّى خلفك صفَّان من الملائكة ، وإن أَقَمْت إقامةً بغير أذان صلى خلفك صف واحد )[9] ، وكذا غيرها فإنَّها صريحة في استحباب الأذان وجواز تركه ، بل وكذا الإقامة ، فإنَّ المفهوم منها ليس إلَّا أنَّ فعل الإمامة موجب لكمال الصَّلاة وصيرورة المصلِّي مقتدى لصفٍّ من الملائكة ، وأنَّه بفواتها تفوِّت هذه الفائدة من غير أن تبطل به الصَّلاة .

ومنها : صحيحة زرارة (قال : سألتُ أبا جعفر - عليه السلام - عن رجلٍ نسي الأذان والإقامة حتَّى دخل في الصَّلاة قال : فَلْيمضِ في صلاته فإنَّما الأَذان سنَّة)[10] ، فإنَّ المتبادِر من إطلاق السنَّة إرادة الندب .

والمراد بالأذان في الجواب : ما يعمّ الإقامة بقرينة السُّؤال .

إن قلت : يحتمل كون المراد بالسنَّة ما ثبت بالسنَّة مقابل ما ثبت بالكتاب العزيز ، فيراد منها الأعمّ من الاستحباب .

ولا ينافيه جعلها علَّةً لنفي الإرادة ، حيث إنَّ السنَّة بهذا المعنى أيضاً لا توجب الإخلال بها سهواً نقض الصَّلاة ، كما دلَّ عليه بعض الأخبار ، التي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر - عليه السلام - (أنَّه قال : لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة الطَّهور والوقت والقبلة والرّكوع والسُّجود ، ثم قال : القراءة سنَّة ، والتشهد سنَّة ، ولا تبطل السنَّة الفريضة)[11] .

قلتُ أوَّلاً : إنَّ حمل السنَّة على المعنى المزبور خلاف ما يتبادر من إطلاقها .

وثانياً : إنَّ إرادة الوجوب بالسنَّة إن كان محتملاً فهو في الإقامة دون الأذان المتَّفق على استحبابه في غير الجماعة والفجر والمغرب .

وعليه ، فلا محيص عن إرادة الندب .

وثالثاً : إنَّ مقتضى ذلك حمل التعليل على التقيّد ، وهو خلاف ظاهر التعليل .

ثمَّ إنَّه ذكرنا سابقاً جملةً من الرِّوايات دلَّت على أنَّه لا أذان ولا إقامة للنِّساء ؛ وحملناها على نفي التأكُّد ، أي إنَّه يستحبّ لهنَّ ذلك ، إلَّا أنَّه غير مؤكَّد .

ومنه تعرف أنَّ ما ذكره السِّيد المرتضى - قدِّس سرُّه - في الجمل - من القول بوجوبها على الرِّجال والنِّساء في الصُّبح والمغرب والجمعة - ضعيف جدّاً ، والله العالم ، هذا كلّه بالنسبة للأَذان .

وأمَّا الإقامة : فقد ذهب جماعة من الأعلام إلى وجوبها ، إمَّا مطلقاً كما عن ابن أبي عقيل - قدِّس سرُّه - ، أو على خصوص الرِّجال كما عن السَّيد المرتضى وابن الجنيد وصاحب الحدائق (قدس الله أسرارهم) .

وقال العلَّامة المجلسي - قدِّس سرُّه - في البحار (فاعلم أنَّ الأخبار في ذلك مختلفة جدّاً ، ومقتضى الجمع استحباب الأَذان مطلقاً ، وأمَّا الإقامة ففيه إشكال ، إذ الأخبار الدَّالة على جواز الترك إنَّما هي في الأَذان ، وتمسَّكوا في الإقامة بخرق الإجماع المركب .

وفيه : ما فيه ، والأحوط عدم ترك الإقامة مطلقاً ، والأَذان في الغداة والمغرب والجمعة والجماعة ، ولا سيَّما في الحَضَر ... )[12] .

هذا ، والمشهور ذهب إلى استحباب الإقامة مطلقاً ، ولكي يتّضح الحال لا بدّ من ذِكْر أدلَّة مَنْ ذهب إلى الوجوب ، وإذا لم يتمّ القول بذلك فيتعيَّن القول بالاستحباب حينئذٍ ، وهنا عدة أدلة للقول بالوجوب :

منها : الرِّوايات الكثيرة المتقدِّم بعضها في الأذان الدَّالة على أنَّ الإقامة هي أقلّ المجزي

ولكنَّك عرفت سابقاً أنَّ التعبير بيجزئ إقامةً واحدةً ، أو هي أقلّ المجزي ، ونحو ذلك ، لا تدلّ على وجوبها ، بل مفاده عدم الاكتفاء بما دونها في الخروج عن عهدة التكليف في الأذان والإقامة ، سواء كان ذلك على نحو الوجوب أو الاستحباب .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo