الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/07/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (28)
والرِّواية موثَّقة لأنَّ الحسين بن علوان الموجود في السَّند ثقة ، كما أنَّ عَمْرَو بن خالد أبو خالد الواسطي وثَّقه ابن فضال .
ومنها : رواية السَّكوني عن جعفر عن أبيه عن عليٍّ عليه السلام (أنَّه كان يقول : إذا دخل رجل المسجد ، وقد صلَّى أهله فلا يؤذِّنَن ولا يقيمن ، ولا يتطوَّع ، حتَّى يبدأ بصلاة الفريضة ، ولا يخرج منه إلى غيره حتَّى يصلِّي فيه)[1] ، وهي ضعيفة لِعدم وثاقة بنان بن محمَّد .
ومنها : رواية أبي عليّ (قال : كنَّا عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه رجل ، فقال : جُعِلت فداك ! صلَّيت في المسجد الفجر فانصرف بعضنا ، وجلس بعض في التسبيح ، فدخل علينا رجل المسجد فأذَّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : أحسنتَ دفعه عن ذلك ، وامنعه أشدّ المنع ، فقلتُ : فإنْ دخلوا فأرادوا أن يصلُّوا فيه جماعةً ؟ قال : يقومون في ناحية المسجد ، ولا يبدو بهم إمام ... )[2] ، هذه الرِّواية رواها الشَّيخ رحمه الله في التهذيب بإسناده عن أحمد بن محمَّد عن الحسين بن سعيد عن أبي عليّ ، ورواها الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله في الفقيه بإسناده عن محمَّد بن أبي عمير عن أبي عليّ الحراني مثله ، إلَّا أنَّه قال : (أحسنتم ، اِدفعوه عن ذلك ، وامنعوه أشدَّ المنع ، فقلت له : فإنْ دَخَل جماعة ، فقال : يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو بهم (يبدر) لهم إمام) ، والرِّواية ضعيفة بجهالة أبي عليّ .
هذا ، ويمكن تصحيح الرواية بخمسة وجوه :
الأوَّل : أنَّ الرَّاوي عن أبي عليّ في طريق الصَّدوق هو ابن أبي عمير ، وهو لا يروي ولا يرسل إلَّا عن ثقة .
وفيه : ما ذكرناه في علم الرِّجال من أنَّ ذلك منشأه الشَّيخ الطوسي رحمه الله ، وهو اجتهاد منه ، وقد بيَّنا أنَّ ذلك في غير محلِّه ، وأنَّه روى عن بعض الضعفاء .
الثاني : هو ما يظهر من صاحب الجواهر رحمه الله ، وهو أنَّ الرَّاوي عنه في طريق الصَّدوق ابن أبي عمير ، وفي الطريق الشَّيخ الحسين بن سعيد ، قال : (وهما معاً ممَّن أجمعتِ العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهما)[3] .
ويرد عليه أوَّلاً : أنَّ الحسين بن سعيد ليس من أصحاب الإجماع ، ولم يذكر ذلك أحد من الأعلام ، وقد ذكرنا عددهم في علم الرِّجال ، وليس هو منهم .
وثانياً : أنَّه لا يستفاد من عبارة الكشِّي رحمه الله الذي هو الأصل في دعوى الإجماع هو صحَّة الرِّواية عنهم - أي المروي - ولا صحَّة الراوي - أي كونه ثقة - فراجع ما ذكرناه بالتفصيل ، فإنَّه بحث مهمّ .
الثالث : ما أشار إليه صاحب الجواهر رحمه الله أيضاً حيث قال : (وأبو علي الحرَّاني يحتمل أنَّه سلام بن عمر الثقة ، فيكون الخبر صحيحاً في طريقَيْه) .
أقول : الموجود في الفهرست للشَّيخ الطوسي رحمه الله هو سلام بن عمر والخراساني ، وذكر طريقه إليه ، ولم يوثّقه .
والموجود في رجال النجاشي هو سلام بن أبي عمرة ، وذكر طريقه إليه ووثَّقه ، ولم يتعرض لسلام بن عمر ، كما أنَّ الشَّيخ رحمه الله لم يتعرض لسلام بن أبي عمرة ، وطريق الشَّيخ رحمه الله إلى سلام بن عمرو هو نفس طريق النجاشي إلى سلام بن أبي عمرة ، فمن هنا يظنّ قويّاً أنَّ الرَّجل واحد ، ويحتمل التصحيف في فهرست الشَّيخ رحمه الله لأن النجاشي أضبط منه .
وعليه ، فيكون ثقة .
ولكن كنيته أبو علي الخراساني ، وهو لا ينطبق على ما هو الموجود في الرّواية ، لأنّ الموجود فيها هو أبو علي الحراني .
وعليه ، فمحاولة صاحب الجواهر رحمه الله غير تامَّة .
الرابع : ما ذكره السَّيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله من أنَّ أبا عليّ موجود في إسناد كامل الزيارات .
وفيه : أنَّه ليس من مشايخ ابن قولويه المباشرين ، فلا يفيد حينئذٍ في وجوده في كامل الزِّيارات .
الخامس : ما ذكره جماعة من الأعلام من أنَّ المشهور عمل به ، وعملهم جابر لضعف السَّند .
وفيه أوَّلاً : أنَّه لم يحرز عملهم به ، ومجرد ذكر الرِّواية في كتبهم لا يدلّ على العمل ، إذ لعلهم استندوا إلى غيرها .
وثانياً : ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ عمل مشهور المتقدّمين لا يجبر ضعف السَّند .
والخلاصة إلى هنا : أنَّ الرّواية ضعيف السَّند .
ثمَّ إنَّ قوله عليه السلام في آخر الرِّواية (ولا يبدو لهم إمام) بالواو ، أو (لا يبدر لهم إمام) بالراء عوض الواو أو (لا يبدر بهم) بمعنى لا يظهر لهم إمام ، فيكون كنايةً عن عدم الصَّلاة جماعة .
وهناك احتمال آخر ، وهو أنَّه معنى لا يبدوا لهم أو يبدر أي : لا يصلّوا جماعة بأذان وإقامة .
وبعبارة أخرى : لا يبدو بأذان وإقامة ، والله العالم .
ومنها : ما عن كتاب زيد النّرسي عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا أدركت الجماعة ، وقد انصرف القوم ، ووجدت الإمام مكانه ، وأهل المسجد قبل أن ينصرفوا ، أجزأ أذانهم وإقامتهم ، فاستفتح الصَّلاة لنفسك إذا وافيتهم ، وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأ إقامةً بغير أذان ، وإن وجدتهم وقد تفرَّقوا وخرج بعضهم عن المسجد فأذِّن وأقم لنفس )[4] .
وفيه : ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ زيد النّرسي غير موثَّق ، ووجوده في كامل الزِّيارات لا يفيد ، لأنَّه ليس من مشايخه المباشرين .
وأمَّا كتابه فطريق النجاشي رحمه الله إليه فمعتبر ، وكذا طريق الشّيخ رحمه الله ، فما ذكره ابن الوليد والشَّيخ الصَّدوق رحمهما الله تعالى من أنَّ الكتاب موضوع وضعه محمَّد بن موسى الهمداني في غير محلّه .
ثمّ إنّ هناك اضطراب في متن الرّواية سنتعرض له عند الكلام عن معنى تفرق الصّفوف .
ثمّ إنَّ ظاهر الأخبار المتقدِّمة سقوط الأَذان والإِقامة ، وعدم شرعيّتهما ، خصوصاً رواية أبي عليّ .
ولكن قد يعارضها بعض الأخبار :
منها : موثقة عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - (في الرّجل أدرك الإمام حين سلم ، قال : عليه أن يؤذِّن ويقيم ، ويفتتح الصَّلاة )[5] .
ومنها : رواية معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - (قال : ومَنْ أدركه وقد رفع رأسه من السَّجدة الأخيرة وهو في التشهّد ، فقد أدرك الجماعة ، وليس أذان ولا إقامة ، ومَنْ أدركه وقد سلَّم فعليه الأذان والإقامة)[6] ، ولكنَّها ضعيفة لِعدم وثاقة معاوية بن شريح .
هذا ، وقد جمع بعض الأعلام بين هاتين الرِّوايتين وبين الأخبار المتقدِّمة بحمل هاتين الرِّوايتين على صورة التفرُّق.
وفيه : ما لا يخفى ، فإنَّه كيف يمكن حمل الموثَّقة على ذلك مع أنَّه أدركه حين سلَّم ؟ وتفرق النَّاس حين التسليم خلاف المعروف المعهود بين الناس ، والموظَّف شرعاً من الجلوس للتعقيب ولو قليلاً ، وكذا يٌقال في رواية معاوية.
والإنصاف : هو حمل الأخبار المتقدِّمة على الكراهة الذي لا ينافي الاستحباب والعبادة أي بمعنى أقليّة الثواب لا الكراهة بالمعنى المصطلح ، إذ لا تجتمع مع العبادة المحبوبة .
ثمَّ إنَّ الظَّاهر من الأخبار المتقدِّمة عدم اختصاص الحكم بالجماعة ، بل يعمّه والمنفرد ، فيسقط عنه الأذان والإقامة لصلاته أيضاً ، وفاقاً لجماعة كثيرة من الأعلام ، فإنَّ أغلب الأخبار المتقدِّمة إن لم تكن صريحة في المنفرد فهي تشمله قطعاً.
ثمَّ موثَّقة زيد لا دلالة فيها على نفي الحكم عن المنفرد كي تكون معارضة لأغلب الرِّوايات.