الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
37/08/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : الأَذان والإقامة (34)
وثانياً : أنَّها لا تدلّ على أنّ فعل النافلة لا يحقّق التفريق ، إذ لا يستفاد منها أنَّ ترك الأذان منشأه الجمع بين الفريضتين ليدلّ على عدم قدح النافلة في الجمع بين الفريضتين ، إذ يحتمل أن يكون ترك الأذان لأجل الاستعجال أو المطر أو غيرهما مما سبب ترك الأذان للمغرب أيضاً .
هذا ، وقد ذكرنا في مبحث المواقيت أنَّ الأقوى كفاية التفريق بين الظُّهر والعصر بالإتيان بالنافلة ، فراجع .
الأمر الرابع : هل الأذان للأُولى إنْ جَمَع بينهما في وقت الأُولى ، وللثانية إنْ جَمَع بينهما في وقتها ، أم لا ؟
قال المصنِّف (قدس سره) في الذكرى : (ولو جَمَع الحاضر أو المسافر بين الصَّلاتين فالمشهور أنَّ الأذان يسقط في الثانية ، قاله ابن أبي عقيل والشَّيخ وجماعة ، سواء جمع بينهما في وقت الأُولى أو الثانية ، لأنَّ الأذان إعلام بدخول الوقت ، وقد حصل بالأذان الأوَّل ، وَلْيكن الأذان للأُولى إنْ جَمَع بينهما في وقت الأُولى ، وإن جمع بينهما في وقت الثانية أذَّن للثانية ، ثمَّ أقام ، وصلَّى الأُولى لِمكان الترتيب ، ثمَّ أقام للثانية)[1] .
وفيه : ما لا يخفى ، فإنَّه ليس في شيءٍ من الأدلَّة إشعار بهذا التفصيل ، بل ظاهرها إمَّا وقوع الأذان لخصوص الأُولى وسقوطه عن الثانية ، أو للمجموع.
وكأنَّ هذا الكلام منه (قدس سره) مبنيّ على ما ذكره أوَّلاً من الأذان للإعلام ، فإنَّه متى كان القصد به الإعلام يكون وظيفة صاحبة الوقت ، فيقصد به صاحبة الوقت خاصَّة.
ولكنَّه في غير محلِّه ، فإنَّ الذي يظهر من الأخبار ، وكلمات الأعلام ، إنَّما هو مشروعيَّة الأذان كالإقامة للصَّلاة من حيث هي ، لا من حيث الإعلام بدخول الوقت ، فهو مغاير للأذان الإعلامي ، والله العالم.
*****************
قوله : (ويتجزئ القاضي بالأذان لأوَّل ورده ، والإقامة للباقي وإن كان الجمع بينهما أفضل ، وهو ينافي سقوطه عمَّن جمع في الأداء ، إلَّا أنْ نقول : السُّقوط فيه تخفيف ، أو أنَّ السَّاقط أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الأولى ، لا الأذان الذِكْري ، ويكون الثابت في القضاء الأذان الذِكْرى ، وهذا متِّجِه)[2]
في الحدائق : (قد صرَّح الأصحاب (رحمهم الله) بأنَّ القاضي للصَّلوات الخمس وإن استحبَّ له الأذان والإقامة لكلِّ صلاةٍ صلاةٍ إلَّا أنَّه رُخِّص له في الاقتصار على أذان واحدٍ في أوَّل وُرْده ، وظاهرهم أنَّ الأذان والإقامة لكلِّ صلاةٍ أفضل ، وإنَّ الاقتصار على الأذان في الأُولى من وُرْده دونه في الفَضْل ، وهو صريح عبارة الشَّرائع ، وجملة منهم عبَّروا بالسُّقوط بقولٍ مطلقٍ ... )[3] .
أقول يقع الكلام في ثلاثة أمور :
الأوَّل : في الدليل على استحباب الأذان والإقامة لِقضاء كلِّ صلاة .
الثاني : هل الأذان والإقامة لكلِّ صلاةٍ أفضل ، أو أنَّ الأفضل ترك الأذان لغير الأُولى - كما ذكره المصنِّف (قدس سره) في الذكرى - ؟
الثالث : هل سقوط الأذان فيما عدا الأُولى رخصة أو عزيمة ؟
أمَّا الأمر الأوَّل : فقد استدلّ العلَّامة (قدس سره) في المنتهى لاستحباب الأذان والإقامة لكلِّ فريضة بروايتَيْن :
الأُولى : حسنة زرارة (قال : قلتُ له : رجل فاتته صلاة من صلاة السَّفر ، فذكرها في الحضر ، قال : يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السَّفر أداها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقضِ في السَّفر صلاة الحضر كما فاتته)[4] .
الثانية : موثقة عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : سُئِل عن الرَّجل إذا أعاد الصَّلاة هل يعيد الأذان والإقامة ، قال : نعم)[5] .
قال صاحب المدارك (قدس سره): (وفي الروايتَيْن ضعف في السَّند ، وقصور من حيث الدَّلالة)[6] .
أقول :
أمَّا الأولى : فهي حسنة ، وصاحب المدارك (قدس سره) يعمل بالصِحاح والحِسَان ، فلا وجه للقول بضعفها سنداً حتَّى على مبناه (قدس سره).