< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأَذان والإقامة (35)

= وأمَّا الثانية : فهي على المبنى الصحيح موثَّقة ، ولا مانع من العمل بها .

نعم ، صاحب المدارك (قدس سره) لا يعمل بالموثَّقات .

وأمَّا قصور الحسنة من حيث الدَّلالة : فيظهر منها أنَّ القضاء تابع للأداء من حيث القصر والتمام ، فإذا فاتته الفريضة في السَّفر الموجب للقصر فيقضيها في الحضر مثل ما فاتته أي ركعتين ، وإذا فاتته في الحضر فيقضيها في السَّفر أربع ركعات مثل ما فاتت ، وليست ناظرة إلى غير ذلك من الخصوصيَّات لا سيَّما الخارج عن حقيقة الصَّلاة كالأذان والإقامة .

وأمَّا القصور في موثَّقة عمَّار : فلِعدم دلالتها على أنَّه يعيد لكلِّ صلاة .

أضف إلى ذلك : أنَّ الموثَّقة ظاهرة في الفعل ثانياً بعد فِعْله أوَّلاً ، ومحل الكلام هو الأذان والإقامة للفائتة التي لم يؤتَ بها ، ولم يؤذَّن لها ، فهي خارجة عمَّا نحن فيه .

وقدِ استُدلَّ أيضاً لاستحباب الأذان والإقامة لكلِّ فريضة فاتته بموثَّقة عمَّار المتقدِّمة ( قال : سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : لا بدَّ للمريض أن يؤذِّن ويقيم - إلى أن قال (عليه السلام) - لا بدَّ أن يؤذِّن ويقيم لأنَّه لا صلاة إلَّا بأذان وإقامة)[1] ، فإنَّ قوله (عليه السلام) : (لا صلاة ... ) يشمل الفريضة الأدائيَّة والقضائيَّة .

هذا ، وقدِ استشكل المحقِّق الهمداني (قدس سره) على هذه الموثَّقة بعدم الإطلاق فيها ، بحيث تشمل ما نحن فيه ، قال : (وأمَّا موثَّقة عمَّار فليس المراد بها نفي ماهيَّة الصَّلاة على الإطلاق ، وإلَّا لزمه تخصيص الأكثر ، بل المراد بها نفي القسم الخاص الذي كان معهوداً لديهم مشروعيَّة الأذان والإقامة له ممَّا وقع السُّؤال في الموثقة عن حكمه عند الإخلال بها سهواً ، فهي بعد توجيهها بالحمل على إرادة نفي الكمال من نفي الطبيعة لا بدَّ من تنزيلها على الموراد التي علم من الخارج مشروعيّتهما فيها ، على إشكال في شمولها للقضاء ...)[2] .

وفيه - ما قلناه سابقاً - : أنَّ هذه الموثَّقة لا تشمل من أوَّل الأمر غير الفرائض اليوميَّة ، فلا يلزم حينئذٍ تخصيص الأكثر .

وأمَّا قوله : بأنَّ المراد منها نفي القسم الخاصّ الذي كان معهوداً لديهم .

فنقول : إنَّ القضاء أيضاً معهود لديهم مثل الأداء .

فالإنصاف : أنَّ هذه الموثَّقة تشمل الأداء والقضاء .

ثمَّ إنَّه قد يتوهَّم أنَّ هناك بعض الرِّوايات تنافي موثَّقة عمَّار :

منها : صحيحة محمَّد بن مسلم (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عنْ رجلٍ صلَّى الصَّلوات وهو جُنُب ، اليوم واليومين والثلاثة ، ثمَّ ذَكَرَ بعد ذلك ، قال : يتطهَّر ويؤذِّن ويقيم في أوَّلهن ، ثمَّ يصلِّي ويقيم بعد ذلك في كلِّ صلاة ، فيصلي بغير أذان حتَّى يقضي صلاتَه)[3] .

ومنها : حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال : إذا نسيت الصَّلاة أو صلَّيتها بغير وضوء - وكان عليك قضاء صلوات - فابدأ بأوَّلهن فأذِّن لها ، وأقم ثمَّ صلِّها ، ثمَّ صلِّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلِّ صلاة ... )[4] .

ومنها : صحيحة محمَّد بن مسلم الثانية عن أبي جعفر (عليه السلام) (قال : سألتُه عن الرَّجل يُغمى عليه ، ثمَّ يفيق ، قال : يقضي ما فاته يؤذِّن في الأُولى ، ويقيم في البقيَّة)[5] .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ هذه الرِّوايات ليست منافيةً لموثَّقة عمَّار ، لأنَّ هذه الرِّوايات واردة في مقام يناسبه التخفيف ورفع الكلفة ، فلا يفهم منها إلَّا الرخصة في الترك ، لا لزومه وعدم مشروعيَّة الأذان في الباقي حتَّى يقع التنافي بينهما وبين موثَّقة عماَّر .

وأمَّا ما ذكره المصنِّف (قدس سره) - من المنافاة بالجمع بينهما في القضاء ، وأنَّ الجمع أفضل ، ومن سقوط الأذان بالجمع في الأداء ، ومن جوابه عن ذلك بأنَّ الساقط في صورة الجمع في الأداء إنَّما هو أذان الإعلام ، ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكري - ففي غير محلِّه ، لمَّا تقدَّم من أنَّ المستفاد من الأخبار أنَّ الأَذان على نوعَيْن :

أحدهما : أنَّ المقصود به الإعلام بدخول الوقت لكافَّة النَّاس .

ثانيهما : الأذان بالنسبة إلى كلِّ مكلَّف ، وهذا النوع الثاني لا ارتباط له بأوَّل الوقت ، بل أيّ وقت صلَّى المصلِّي استحبّ له الإتيان به ، وهذا هو الذي خرجت فيه روايات القضاء بأنَّه يؤذِّن في أوَّل وُرْده ، ثمَّ يقيم لكلِّ صلاة صلاة ، ولا تعلَّق له بالإعلام .

ومن هنا يتّضح لديك أنَّ قول المصنِّف (قدس سره) : (أنَّ السَّاقط في صورة الجمع في الصَّلاة الأدائيَّة هو أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الأُولى لا الأذان الذكري) ليس بتامٍّ .

وكما أنَّه لا منافاة بين موثَّقة عمَّار والرِّوايات المتقدِّمة أيضاً لا منافاة بين موثَّقة عمَّار وبين مكاتبة موسى بن عيسى (قال : كتبتُ إليه : رجل تجب عليه إعادة الصَّلاة ، أيعيدها بأذان وإقامة ؟ فكتب (عليه السلام) : يعيدها بإقامةٍ)[6] .

والرِّواية معتبرة ، فإنَّ موسى بن عيسى هو أخو محمَّد بن عيسى اليقطيني ، وقد روى الشَّيخ (قدس سره) بإسناده عن محمَّد بن أحمد بن يحيى عن محمد دبن عيسى اليقطيني (قال : بعثَ إليَّ أبو الحسن الرِّضا (عليه السلام) رزم ثياب وغلماناً ، وحجَّة لي وحجة لأخي موسى بن عبيد ، وحجَّة ليونس بن عبد الرَّحمان فأمرنا أن نحجّ عنه)[7] ، وذكر بعض الأعلام أنَّ هذه الرِّواية شهادة على عدالة هؤلاء جميعاً .

أقول : لو لم يستفد منها العدالة فلا أقلّ من دلالتها على جلالتهم وعلوّ شأنهم ووجاهتهم ، فيكون موسى بن عيسى ممدوحاً .

ووجه عدم المنافاة : هو أنَّ ترك الأذان في هذه المكاتبة يحمل على عدم تأكُّده ، لا على عدم مشروعيَّته .

الأمر الثاني : استدلّ المصنِّف (قدس سره) في الذكرى على أنَّ الأفضل ترك الأذان لغير الأُولى بما روي أنَّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) شغل يوم الخندق عن أربع صلوات حتَّى ذهب من الليل ما شاء الله ، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام فصلَّى الظُّهر ثمَّ أمره ، فأقام فصلَّى العصر ، ثمَّ أمره فأقام فصلى المغرب ، ثمَّ أمره فأقام فصلَّى العشاء)(7)[8] .

ثم قال المصنف (قدس سره) : (ولا ينافي العصمة لوجهين : أحدهما ما رُوي من أنَّ الصَّلاة كانت تسقط أداءً مع الخوف ، ثمَّ تقضى حتَّى نسخ ذلك ، ولا ينافي العصمة لوجهين : أحدهما ما رُوي من أنَّ الصَّلاة كانت تسقط أداءً مع الخوف ، ثمَّ تقضى حتَّى نسخ ذلك بقوله تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصَّلاة الآية ، الثاني جاز أن يكون ذلك لِعدم تمكّنه من استيفاء أفعال الصَّلاة ، ولم يكن قصر الكيفيَّة مشروعاً وهو عائد إلى الأوَّل ، وعليه المعوَّل)[9] .

قال صاحب المدارك (قدس سره) : (وهو حسن ، بل لو قيل : بعدم مشروعيَّة الأذان لغير الأُولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجهاً قويّاً لِعدم ثبوت التعبُّد به على هذا الوجه ... )[10] .

أقول : العجب من استدلال المصنِّف (قدس سره) بهذه الرِّواية المرويَّة في كتب العامَّة ، وليست من طرقنا أصلاً ، فهي ضعيفة جدّاً ، مضافاً لمخالفتها للعصمة .

وبالجملة ، فلسنا مضطرِّين أصلاً لدفع ما يرد على هذه الرِّواية من الإشكالات مع أنَّ الوجهين الذي دفع بهما المصنِّف (قدس سره) الإشكال بالنسبة إلى العصمة فيهما ما لا يخفى .

وأعجب من ذلك هو استحسان صاحب المدارك (قدس سره) لما ذكره المصنِّف (قدس سره) ، مع أنَّه لا يوجد فيه شيء من الحسن .

نعم ، يمكن الاستدلال على أفضليَّة ترك الأذان لغير الأُولى بالصحاح المتقدِّمة ، أي صحيحتي ابن مسلم وحسنة زرارة ، والله العالم .

الأمر الثالث : قدِ اتَّضح حكمه ممَّا تقدَّم فإنَّ السُّقوط فيما عدا الأولى إنَّما هو على نحو الرخصة ، لأنَّ الرِّوايات الورادة في ترك الأذان لما عدا الأُولى محمولة على التسهيل والتخفيف على المصلِّي ، لأنَّها واردة في مقام دفع الكلفة عنه فلا يفهم منها إلَّا الرخصة في الترك ، لا لزومه وعدم المشروعيَّة ، كما ذهب إليه صاحب المدارك (قدس سره) ، حيث قال : (بل لو قيل : بعدم مشروعية الأذن لغير الأُولى من الفوائت مع الجمع بينهما كان وجهاً قويّاً ، لعدم ثبوت التعبُّد به على هذا الوجه) ، ووافقه جماعة من الأعلام .

ولكنَّك عرفت أنَّ السُّقوط على نحو الرخصة لا العزيمة .

نعم ، لو بنى على السُّقوط على نحو العزيمة في مطلق الجمع بين الفريضتين تعيَّن البناء عليه في المقام لأنَّه من صغرياته ، والله العالم .

 

قوله : (وناسيهما يرجع ما لم يركع ، فيسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) ويقطع الصلاة ، ولا يرجع العامد في الأصحّ ، ويرجع أيضاً للإقامة ، ورُوي : التلفُّظ بـ (قد قامت) في الصَّلاة مرتين ، وهو بعيد)[11]

يقع الكلام في ثلاثة أمور :

الأوَّل : إذا ترك الأذان والإقامة عمداً حتَّى دخل في الصَّلاة ، فهل يقطع الصَّلاة ، لتداركهما أم لا ؟

الثاني : إذا تركهما نسياناً حتَّى دخل في الصَّلاة ، هل يجوز له القطع لتداركهما أم لا ؟

الأمر الثالث : إذا ترك أحدهما نسياناً ، فهل حكمه حكم ما لو تركهما نسيانا أم لا ؟

أمَّا الأمر الأوَّل : فالمعروف بين الأعلام عدم جواز القطع لتداركهما لحرمة قطع الفريضة ، وما دلَّ من الرِّوايات على جواز القطع لِتداركهما مختصّ بصورة النسيان .

وذهب الشَّيخ (قدس سره) في النهاية إلى جواز القطع للتدارك في صورة العمد دون النسيان ، بعكس المشهور ، ووافقه ابن إدريس (قدس سره) في السَّرائر ، لا دليل على ما ذهب إليه .

نعم ، احتمل المصنِّف (قدس سره) في الذكرى أن تكون رواية نعمان الرازي الآتية على أحد معنييها دليلاً لهما .

والخلاصة : أنَّه لا يجوز عندنا قطع الصَّلاة على الأحوط وجوباً لتدارك الأذان والإقامة إذا تركهما عمداً.

وأمَّا الأمر الثاني : فالمشهور بين الأعلام جواز القطع للتدارك ما لم يركع ، وفي الجواهر : (وفاقاً للمشهور شهرةً عظيمةً نقلاً وتحصيلاً ، بل عن المختلف الإجماع على عدم الرجوع بعد الركوع ... )[12] .

أقول : قدِ استُدلّ للمشهور بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : إذا افتتحت الصَّلاة فنسيتَ أن تؤذِّن وتقيم ، ثمَّ ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذِّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتمَّ على صلاتك)[13] [14] ، وهي واضحة الدَّلالة ، ولكن قد ينافيها بعض الرِّوايات :

منها : صحيحة زرارة (قال : سألتُ أبا جعفر (عليه السلام) عن رجلٍ نسيَ الأذان والإقامة حتَّى دخل في الصَّلاة ، قال : فليمضِ في صلاتِه ، فإنَّما الأذان سنَّة)[15] .

ومنها : صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجلٍ نسي الأذان والإقامة حتَّى دخل في الصَّلاة ، قال : ليس عليه شيء) [16] .

ومنها : رواية زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال : قلتُ له : رجلٌ نسيَ الأذان والإقامة حتَّى يكبِّر ، قال : يمضي على صلاته ولا يعيد) [17] ، وهي ضعيفة بسلمة بن الخطَّاب ، ، وتردّد من روى عنه.


[13] مسند أحمد : ج1/ ص375 ؛ الجماع الصحيح : 1/ 337، ح179 ؛ مسند النسائي : ج2/ ص17 ؛ والسنن الكبرى : ج1/ ص403.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo