< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/12/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : النية في الصلاة (3)

هذا ، وقد ذكرنا في مبحث الوضوء كلاماً مفصلاً عن معنى النيَّة ، وكلّ ما يتعلَّق بها ، بحيث لم يبقَ شيء إلَّا وذكرناه .

وخلاصته : أنَّ النيَّة لغةً وعرفاً هي إرادةُ الشَّيء والعزم عليه ، وبها يكون الفعل فعلَ مختارٍ ، وهي عند الشَّارع كذلك ، إذ لم يثبت لها حقيقة شرعيَّة ؛ وأمَّا ما اعتُبِر فيها من بعض القيود فلا يكون داخلاً في حقيقتها .

وبالجملة ، فإنَّ الأمر في النيَّة سهل ، إذ كلّ فعل من أفعال العقلاء الصَّادر منهم بالاختيار لا يخلو منها ، بل هي بديهيَّة لارتكازها في الأذهان ، ولا ينفكّ عنها فِعْل الفاعل المختار ، بل لو كلّفنا الله الفعل بغير نيَّة لكان تكليفاً بالمحال .

 

فالتحقيق : أنَّها غنية عن البيان ؛ ومن هنا لم يذكرها المتقدِّمون .

وعليه ، فإنَّ كلَّ عاقلٍ غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من الأفعال الاختياريَّة إلَّا مع قصدٍ ونيَّةٍ سابقة عليه ، ناشئة من تصوُّر ما يترتَّب على الفعل من الأغراض الباعثة عليه .

 

ثمَّ إنَّه نُسِب إلى المشهور أنَّ النيَّة عندهم هي الصورة المخطِرة بالبال ، وأنَّها حديث نفسيّ وتصوير فكريّ ، وذلك بأنْ يُحضِر المصلِّي مثلاً عند إرادة الدخول في الصَّلاة ما يترجمه بقوله : أصلِّي فرض الظُّهر أداءً لوجوبه قربةً إلى الله تعالى ، فإنَّه يُحضِر ذلك بباله وينظر إليه بفكره ، وهذا ما يعبَّر عنه بالنيَّة المخطرة بالبال ، فيأتي بعد الفراغ من تصويره بلا فصل بتكبيرة الإحرام .

 

والإنصاف : أنَّ الصَّورة المخطرة بالبال مقدّمة للنيَّة ، لا نفسها ، فالنيَّة عبارة عن الإرادة المنبعثة عن تصوُّر الفِعْل وغايته .

 

وقد عرفت أنَّ القدماء من الأصحاب تركوا التعرُّض للنيَّة ، واكتفوا بذكر اعتبار الإخلاص في العبادة عنها ، وكذلك النصوص البيانيَّة للصَّلاة والوضوء وغيرهما من العبادات ، فإنَّها خالية عن ذكر النيَّة ، وما ذلك إلَّا لأنَّ النيَّة فيها كالنيَّة في غيرها من أفعال العقلاء .

وأمَّا حسنة أبي حمزة عن عليٍّ بن الحسين عليه السلام (قال : لا عَمَلَ إلَّا بنيَّةٍ)[1] ، فهي إن لم تكن دالَّةً على صِدْق النيَّة على القصد الخالي عن الإخلاص ، فلا دلالة فيها على خلافه .

 

ثمَّ إنَّه يعتبر في نيَّة الصَّلاة القربة ، وهي الطاعة لله تعالى وامتثال أمره ، وأمَّا الدليل على اعتبار القربة في العبادات فقد تقدَّم في نيَّة الوضوء ؛ وأمَّا كيفية تحقق العبادة فقد تقدَّم أيضاً هناك .

 

وحاصله : أنَّه يجب الإتيان بالصَّلاة بقصد القربة ، والمراد بها إمَّا موافقة إرادة الله تعالى ، أو الإتيان بالفعل امتثالاً لأمره ، أو موافقةً لطاعته ، أو انقياداً لحكمه ، أو إجابةً لدعوته ، أو أداءً لشكره ، أو تعظيماً لجلاله ، ولا إشكال في صحَّة العمل إذا أتى به بقصد أحد الأمور المتقدِّمة ، إذ يصدق على الفاعل الأُخروي أو الدُّنيوي ، أو هما معاً ، أو بقصد دفع العقاب الأُخروي أو الدنيوي ، أو هما معاً ، ونحو ذلك من الأغراض الدنيوية والأخروية ، فهل يصح العمل ويكون بذلك عبادة ؟

 

المشهور بين الأعلام : هو الصحَّة ، ومنهم الماتن رحمه الله في الذكرى ، وصاحب المدارك رحمه الله وغيرهما من الأعلام.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo