< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

37/12/26

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع : النية في الصلاة(7)

 

وأمَّا إذا كان على النحو الأوَّل : فالمعروف بينهم أنَّه لا تبطل الصَّلاة، منهم المحقِّق قدس سره في الشَّرائع ، والشَّيخ قدس سره في الخلاف ، وصاحب الجواهر قدس سره، والمحقِّق الهمداني قدس سره، والسَّيد محسن الحكيم قدس سره، والسَّيد أبو القاسم الخوئي قدس سره .

وبالمقابل ذهب جماعة كثيرة، بل لعله المشهور إلى البطلان، منهم خيرة العامليين، كالشَّهيدَيْن والمحقِّق الميسي والمحقِّق الثاني (قدس الله أسرارهم) ، ومنهم أيضاً الشَّيخ قدس سره في المبسوط ، والعلَّامة قدس سره في جملة من كتبه .

وقدِ استُدلّ للقول بالبطلان بعدَّة أدلَّة :

منها : أنَّ النيَّة الأُولى إذا زالت فلا يخلو حينئذٍ إمَّا أن يرجع إلى النيَّة أو لا ؟ فإن رجع فيكون قدِ اختلّ شرط من شروط الصَّلاة، وهو المقارنة لأوَّل العمل؛ وإن لم يرجع فيكون قد أتى بباقي الأجزاء بلا نيَّة .

وفيه : أنَّا نختار الشّقَّ الأوَّل، وهو الرجوع، ولا نسلِّم اختلال شرط من شروطها ، إذ المقارنة حاصلة لِمَا عرفت أنَّ المعتبر هو المقارنة لأوَّل العمل، وهي حاصلة بالنيَّة الأولى .

نعم يقع الكلام عند الأعلام في أنَّ الرِّجوع إلى النيَّة كافٍ أم لا ؟ والظَّاهر أنَّه كافٍ، كما في الوضوء حيث ذكر الأعلام هناك أنَّه لا يبطل ما مضى من الوضوء بنيَّة الخروج إذا رجع إلى النيَّة، لما يقع منه من الأفعال قبل فوات الموالاة، إذ الحكم في المسألتين واحد .

ومنها : أنَّه إذا زالت النيَّة خرجت الأجزاء السَّابقة عن قابليَّة انضمام الباقي إليها .

وفيه : أنَّه دعوى بلا دليل .

ومنها : أنَّ الاستمرار على حكم النيَّة السَّابقة واجب إجماعاً، ومع نيَّة الخروج يرتفع الاستمرار .

وفيه : أنَّ الاستمرار المعتبر ليس بمعنى الاتِّصال حتَّى يرتفع بنيَّة الخروج، بل المراد منه عدم خلوِّ شيء من الأفعال عن النيَّة، وهذا حاصل بالعود إلى النيَّة .

ومنها : أنَّه إذا رجع إلى النيَّة وأتمَّ الصَّلاة على ذلك كان من توزيع النيَّة على الأجزاء، وهو باطل .

وفيه : أمَّا نقضاً فبالوضوء ، ضرورة جريان مثله فيه، مع أنَّه من المسلَّم عندهم عدم البطلان فيه كذلك .

وأمَّا حلًّا : فإنَّ التوزيع الممنوع منه نيَّة كلّ جُزء على وجه الاستقلال، لا على وجه الانضمام .

وعليه ، فما نحن فيه ليس منه .

ومنها - وهو العمدة - : أنَّ المستفاد من بعض الرِّوايات أنَّ للصَّلاة هيئة اتصاليَّة اعتبرها الشَّارع، فالمستفاد مثلاً من الرِّوايات الدَّالة على مانعيَّة الحدث في الصَّلاة، وكذا التكلُّم بكلام الآدمي، أو الالتفات الفاحش، أو القهقهة ونحوها : أنَّ مجرد حدوث أحد هذه الأمور في أثناء الصَّلاة - ولو في الآنات المتخللة بين الأجزاء - يُبطِل الصَّلاة ويوجب إعادتها، ولذا عُبِّر عنها بالقواطع .

وكما يستفاد من صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السَّلام (لا صلاة إلَّا بطهور ...)[1] ، أنَّ الطَّهارة من الحدث شرط في الصَّلاة ولو في الآنات المتخلِّلة بين الأجزاء، فكذلك يستفاد من حسنة أبي حمزة عن عليِّ بن الحسين عليه السَّلام (لا علم إلَّا بنية)[2] أنَّ النيَّة شرط ولو في الآنات المتخلِّلة بين الأجزاء، بحيث يكون مجرد نيَّة الخروج قاطعاً للهيئة الاتصاليَّة .

وفيه : أنَّ هناك فرقاً بين النيَّة وباقي الأمور المتقدِّمة، حيث قد ثبت البطلان بأحدهما في أثناء الصَّلاة، ولو في الآن المتخلِّل بين الأجزاء، فلو كشف عورته أو استدبر القبلة مثلاً في الآن المتخلِّل بين الأجزاء، أو في حال تشاغله ببعض الأفعال التي لا تقدح في الصَّلاة، كقتل العقرب أو الحية، بطلت صلاته .

وهذا بخلاف النيَّة، فإنَّه لا يوجد في الأدلَّة ما يدلّ على اعتبارها كذلك، فإنَّ الموجود فيها، وهو حسنة أبي حمزة المتقدِّمة (لا عمل إلَّا بنيَّة)، والمستفاد منها أنَّه يعتبر في الصَّلاة صدورها عن نيَّة، أي وقوع أجزائها مقارنة للنيَّة، وهو صادق مع فرض تجديد النيَّة، وزوال النيَّة الأُولى .

نعم، لو كانت الآنات المتخلِّلة من أجزاء الصَّلاة لتمَّ ما ذكر .

ولكن الإنصاف : أنَّها خارجة عن حقيقة الصَّلاة، ولذا لا يجوز الإتيان بهذه الآنات بعنوان الجزئيَّة، لكونه تشريعاً، والله العالم .

هذا تمام الكلام فيما لو نوى الخروج، ثمَّ رجع إلى النيَّة قبل أن يأتي بشيءٍ من أجزاء الصَّلاة .

وأمَّا إذا رجع إلى النيَّة بعد الإتيان بشيءٍ من أجزائها بلا نيَّة، فإنِ اقتصر عليه، ولم يأتِ به مرةً ثانيةً بقصد الجزئيَّة، فتبطل الصَّلاة للنقيصة، إذ المأتي به لم يكن بعنوان الصَّلاة .

وأمَّا إذا أتى به ثانياً فقد يُقال : بالبطلان أيضاً، لاستلزامه الزيادة .

والإنصاف : أن المأتي به أوَّلاً بعد نيَّة الخروج إن لم يكن بقصد الصَّلاة والجزئيَّة فلا يصدق عليه الزيادة حتَّى يبطل، وستعرف أنَّ الزيادة منوطة بالإتيان بالشَّيء بقصد الجزئيَّة، وإن أتى به قصد فتبطل .

وقد استثنى السَّيد الخوئي قدس سره السَّجود، فإنَّه يصدق عليه الزِّيادة، وإن لم يأتِ به بقصد الجزئيَّة، لِمَا ورد في النهي عن قراءة سور العزائم في الفريضة (معلَّلاً بأنَّ السَّجود زيادة في المكتوبة) .

وألحق به قدس سره الرُّكوع، ولكن سيأتي - إن شاء الله تعالى- أنَّ ذلك في غير محلِّه .

نعم، احتطنا بالبطلان لو أتى بهما بغير قصد الجزئيَّة .

الأمر الثاني : إذا تردَّد في الخروج وعدمه، فإذا رجع إلى النيَّة قبل الإتيان بشيءٍ من أجزاء الصَّلاة فلا إشكال في الصّحَّة، بل هو أولى بالصّحَّة ممَّا لو نوى الخروج، فلا حاجة للإعادة.

وأمَّا إذا كان رجوعه بعد الإتيان بشيءٍ من أجزاء الصَّلاة فالأقوى هو الصّحَّة أيضاً، وإنِ اقتُصر على المأتي به مع نيَّة التردُّد، ولم يأتِ به مرةً ثانيةً مع النيَّة، وذلك لأنَّ البطلان مبنيّ على اشتراط الجزم بالنيَّة في صحَّة العبادة.

ولكن ذكرنا في بعض المناسبات أنَّه لا دليل على اعتبار الجزم بالنيَّة في صحَّة العبادة، وبما أنَّه لم يصدر منه الجُزء في هذا الحال إلَّا بقصد جزئيَّته للصَّلاة المأتي بها بنيَّة القربة على تقدير عدم الخروج فلا قصور في نيَّته إلَّا من حيث الجزم .

الأمر الثالث : الحال منه كالأمر الأوَّل من حيث الرُّجوع قبل الإتيان بشيءٍ أو بعده طابق النعل بالنعل، ولا حاجة للإعادة، والله العالم .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo