< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/01/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :التكبيرة في الصَّلاة(12)

 

قوله : (وثانيها : تكبيرة الافتتاح)

وتسمى تكبيرة الإحرام أيضاً ، لأنَّها بها يحرم ما كان محلّلاً قبلها من الأكل والشُّرب والضَّحك ، ونحوها من منافيات الصَّلاة ، كالتلبيَّة بالإحرام بالحجّ ، وهي أوَّل الأجزاء الواجبة للصَّلاة كما يفهم ذلك من النصوص الدَّالة على أنَّ افتتاحها التكبير أو تحريمها التكبير ، ونحو ذلك ، كما سيأتي بعضها - إن شاء الله تعالى - .

إن قلت : إنَّ القيام حال التكبير مقارن لها فيكون أوَّل الأجزاء .

قلت : سنذكر - إن شاء الله تعالى - أنَّ القيام حالها شرط للتكبيرة ، لا أنَّه جزء .

نعم ، جزئيَّته كون التكبيرة أوَّل الأجزاء .

ومهما يكن ، فلا إشكال في كونها جزءاً من الصَّلاة ، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (التكبير جُزء من الصَّلاة عندنا وعند الأكثر ، لقول النَّبي (صلى الله عليه وآله) : (إنَّما هي التكبير والتسبيح وقراءة القرآن)[1] ، وقال شاذّ من العامَّة ليس التكبير من الصَّلاة ، بل الصَّلاة ما بعده لقوله (صلى الله عليه وآله) : (تحريمها التكبير)[2] ، والمضاف مغاير للمضاف إليه ، قلنا : كلّ جُزء يغاير كلّه ، ويصحّ إضافته إليه ، كما يقال : ركوع الصَّلاة وسجود الصَّلاة ، ووجه زيد ... ) [3] .

وما ذكره (رحمه الله) ردّاً على بعض العامَّة في غاية الصّحَّة والمتانة .

 

قوله : (وهي ركن تبطل الصَّلاة بتركها سهواً في أشهر الرِّوايات ، وعليه انعقد الإجماع)[4]

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (هي ركن في الصَّلاة بمعنى بطلان الصَّلاة بتركها عمداً وسهواً إجماعاً ... ) [5] ، وفي الجواهر : ( إجماعاً محصَّلاً ومنقولاً مستفيضاً ، كالنصوص ... ) .

أقول : لا بدّ من التكلُّم في مقامين :

الأوَّل : في نقصانها عمداً وسهواً .

الثاني : في زيادتها كذلك .

ثم قبل الشُّروع في ذلك نقول : إنَّ تسميتها بالرُّكن جاء من قبل الفقهاء ، وإلَا فالرّوايات الواردة في المقام خالية عن هذه التسمية .

وعليه ، فلا بدّ من البحث عن المسألة من حيث مقتضى القاعدة ، وأخرى من جهة الروايات ، وبذلك نكون قد تكلّمنا عن المسألة من جميع جهاتها .

أمَّا المقام الأوَّل : فالكلام فيه تارةً من حيث النقصان عمداً ، وأخرى سهواً .

أمَّا من حيث نقصانها عمداً فمقتضى القاعدة هي بطلان الصَّلاة قطعاً ، لانتفاء المركَّب بانتفاء أحد أجزائه.

وكذلك الحال من جهة النقصان سهواً ، فإنَّ القاعدة تقتضي البطلان لما عرفت من انتفاء المركَّب بانفتاء أحد أجزائه .

هذا مضافاً للتسالم بين الأعلام على البطلان بنقصانها عمداً وسهواً .

والخلاصة : أنَّ القاعدة تقتضي البطلان في حال نقصانها عمداً وسهواً .

وأمَّا من حيث الرِّوايات فهناك جملة كثيرة منها دلَّت على البطلان إذا تركها نسياناً وسهواً :

منها : صحيحة زرارة (قال : سألتُ أبا جعفر (عليه السَّلام) عن الرَّجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : يعيد)[6] .

ومنها : صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السَّلام) (في الذي يذكر أنَّه لم يكبِر في أوَّل صلاته ، فقال : إذا استيقن أنَّه لم يكبِّر فَلْيُعِد ، ولكن كيف يستيقن ؟ ) [7] .

ومنها : موثَّقة عبيد بن زرارة (قال أبا عبد الله (عليه السَّلام) عنْ رجلٍ أقامَ الصَّلاة فنسيَ أنْ يكبِّر حتَّى افتتح الصَّلاةَ ، قال : يعيد الصَّلاةَ) [8] .

ومنها : حسنة ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن الرَّجلِ ينسى أنْ يكبِّرَ حتَّى قرأَ ، قال : يكبِّر) [9] .

ومنها : صحيحة عليّ بن يقطين (قال : سألتُ أبا الحسن (عليه السَّلام) عنْ الرَّجلِ ينسى أنْ يفتتحِ الصَّلاةَ حتى يركعَ ، قال : يعيدُ الصَّلاةَ) [10] .

ومنها : موثَّقة عمَّار (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عنْ رجلٍ سها خلف الإمام فلمْ يفتتحِ الصَّلاةَ ، قال : يعيد الصَّلاةَ ، ولا صلاة بغيرِ افتتاحٍ) [11] .

وبالمقابل هناك جملة من الرِّوايات يظهر منها المنافاة لهذه الرِّوايات المتقدِّمة :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن رجلٍ نسيَ أن يكبِّرَ حتَّى دخلَ في الصَّلاةِ ، فقال : أليسَ كانَ من نيَّته أنْ يكبِّرَ ، قلت : نعم ، قال : فَلْيمضِ في صلاته) [12] .

ومنها : موثَّقة أبي نصر (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن رجلٍ قامَ في الصَّلاةِ فنسيَ أن يكبِّرَ فبدأَ بالقراءة ، فقال : إنْ ذكرها - وهو قائم - قبل أن يركع فَلْيكبِّر ، وإنْ ركعَ فَلْيمضِ في صلاتِه) [13] .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قالَ : قلتُ له : الرَّجل ينسى أوَّلَ تكبيرةٍ من الافتتاح ، فقال : إنْ ذكرها قبل الرُّكوعِ كبَّرَ ، ثمَّ قرأَ ، ثمَّ ركعَ ، وإنْ ذكرَها في الصَّلاةِ كبَّرها في قيامِه في موضعِ التكبيرِ قبلَ القراءةِ وبعدَ القراءةِ ، قلتُ : فإنْ ذكرَها بعد الصَّلاةِ ، قال : فَلْيقضِها ولا شيءَ عليه) [14] .

ومنها : صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السَّلام) (قال : قلتُ له : رجل نسيَ أن يكبِّرَ تكبيرةَ الافتتاحِ حتَّى كبَّر للرُّكوعِ ، فقال : أجزأه) [15] .

ثمَّ إنَّه ذُكِرت عدَّة وجوهٍ لتوفيقِ بين الطَّائفتين :

منها : ما ذكره الشَّيخ (رحمه الله) بحمل الطَّائفة الثانية - غير صحيحة زرارة - على الشاكِّ دون من حصل له العلم بالترك .

ولا بأس به إذ نسيان التكبيرة التي هي افتتاح الصَّلاة كاد يكون ممتنعاً في العادة بالنسبة إلى المنفرد المستقلّ بصلاته ، كما أشار إليه الصَّادق (عليه السَّلام) في مرسلة الصَّدوق في الفقيه ، قال : (روي عن الصَّادق (عليه السَّلام) أنَّه قال : الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح) [16] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال .

ثمَّ إنَّه على تقدير النسيان لا يكاد يحصل الجزم به بعد دخوله في الصَّلاة خصوصاً مع تذكُّره لنيَّته السَّابقة المقتضية للإتيان بتكبيرة الإحرام بحسب العادة من التفاتٍ تفصيلي ، وفي قوله (عليه السَّلام) في صحيحة محمَّد المتقدِّمة : (ولكن كيف يستيقن ؟) إشارة إلى ذلك .

وأمَّا صحيحة زرارة فقد حمل قوله (عليه السَّلام) فَلْيقضها على قضاءِ الصَّلاة ، فكأنَّه حَمَل قوله (عليه السَّلام) : (كبَّرَها في قيامه في موضع التكبيرة) على إرادة استئيناف الصَّلاة والإتيان بالتكبيرة قائماً في موضعها .

ولا يخفى عليك بُعْد هذا الحمل ، وأبعد منه ما ذكره صاحب الوسائل (رحمه الله) وجماعة من الأعلام ، منهم السَّيد محسن الحكيم من حمل قول السائل - أي زرارة - (الرَّجل ينسى أوَّل تكبيرة من الافتتاح ... ) على أوَّل تكبيرة من تكبيرات الافتتاح السَّبع ، وقد حمل صاحب الوسائل (رحمه الله) أيضاً القضاء على الاستحباب .

وفيه : أنَّه لا يصحّ هذا الحمل ، لأنَّ الأمر بالقضاء والإعادة في الرِّوايات محمول على الإرشاد إلى الفساد ، ولا معنى لاستحباب الفساد .

ومنها : ما ذكره صاحب الحدائق (رحمه الله) من حمل الطائفة الثانية على التقيَّة ، قال : (والوجه على ما ظهر في ذلك إنَّما هو الحمل على التقيَّة ، وإن لم يعلم به قائل منهم ، كما حققناه في المقدمة الأُولى من مقدِّمات الكتاب - إلى أن قال : - على أنَّ القول بذلك منقول عن جملة من المخالفين منهم - الزُّهري والأوزاعي وسعيد بن المسيب والحسن وقتادة والحَكَم ، فلعل لمذهب هؤلاء شهرةً وصيتاً في ذلك الوقت أوجب خروج هذه الأخبار موافقة لهم ... )[17] .

أقول : الحمل على التقيَّة - لذهاب جماعة منهم إلى عدم الإعادة في حال النسيان - إنَّما يصحّ لو كانت الطائفة الثانية حجَّة في حدِّ نفسها ، ولكنَّها لمخالفتها للسنَّة القطعيَّة تسقط عن الحجيَّة ، إذ من المعلوم الذي لا شكَّ فيه هو بطلان الصَّلاة بنسيان تكبيرة الافتتاح .

ومن هنا سمِّيت ركناً ، لبطلان الصَّلاة بتركها عمداً وسهواً ، كباقي الأركان .

وقد ذكرنا في مبحث حجيَّة خبر الواحد أنَّه يشترط في حجيَّة خبر الثقة أن لا يكون مخالفاً للسنَّة القطعيَّة ، وما ذكرناه هو الإنصاف في المسألة ، هذا تمام الكلام في المقام الأوَّل .

وأمَّا المقام الثاني - وهو زيادة تكبيرة الافتتاح عمداً أو سهواً - : فسيأتي الكلام عنه عند قول المصنِّف الآتي : (ولو كبَّر ثانياً للافتتاح بطلت وصحَّت الثالثة ... ) .

 

قوله : (ويتعيَّن فيها (الله أكبر) مراعياً لهذه الصيغة مادةً وصورةً ، ويجب فيها الموالاة والعربيَّة)

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (يتعيَّن فيها (الله أكبر) مرتِّباً ، فلو عكس الترتيب ، أو عرَّف أكبر ، أو نكره ، أو قال : الله الأكبر ، بطلت لأنَّ الذي وقع بياناً من النَّبي (صلى الله عليه وآله) هو الصِّيغة المخصوصة ، فلا يجوز العدول عنه ، وأبعد من الإجزاء قوله : الله العظيم أو الجليل ، وقال ابن الجنيد : ينعقد بقوله : الله الأكبر وإن كان فعل مكروهاً ... ) .

أقول : المعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً ، بل عند أغلب علماء العامَّة أيضاً هو كون الصِّيغة (الله أكبر) وحكي عن ابن الجنيد (رحمه الله) أنَّه ينعقد بقوله : (الله الأكبر) بالتعريف ، كما حكي عن الشَّافعي أنَّه قال : (الله أكبر والله الأكبر اللفظان كلاهما يجزي به) ، وقال أبو حنيفة : (يجزي عن لفظ التكبير كلّ لفظ في معناه مثل الله الأعظم والله الأجل) [18] .

ومهما يكن ، فيكفينا دليلاً للمسألة هو التسالم بين علمائنا ، وأغلب علماء العامَة ، ومع ذلك استُدلَّ ببعض الأدلَّة :

منها : مرسلة الفقيه (قال : كانَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) أتمّ النَّاسِ صلاةً وأوجزهم ، كانّ إذا دخلَ في صلاتَه قال : الله أكبر بسم الله الرَّحمان الرحيم) [19] ، بضميمة قوله (صلى الله عليه وآله) : (صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي) [20]

وفيه أوَّلاً : أنَّ المرسلة ضعيفة بالإرسال .

وثانياً : أنَّها غير ظاهرة في المنع عن غير هذه الكيفيَّة ، بل لعلَّها ظاهرة في جواز أيّ كيفيَّة مثل الله الأكبر أو الله الأعظم أو الله تعالى أكبر ، ونحو ذلك ؛ غاية الأمر أنَّه لا يكون ذلك من الموجز .

وأمَّا حديث : (صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي) ، فهو نبويّ لم يرد من طرقنا ، فهو ضعيف جدّاً .

أضف إلى ذلك : أنَّ المشار إليه بقوله : (كما رأيتموني أصلِّي) هو الصَّلاة الخارجيَّة الصَّادرة من النَّبي (صلى الله عليه وآله) ، ولا يصحّ أن يكون المراد منها الصَّلاة المشتملة على جميع الخصوصيَّات من كونها في المسجد النبوي ، وكونها جماعةً ، وفي فصل الشِّتاء أو الصيف ، مع الثوب الفلاني والعمامة الفلانيَّة ، والنعل العربية ، ونحو ذلك من الخصوصيَّات المشتملة عليها ، بل لا بدَّ أن يكون المراد منها البعض المعيَّن من تلك الخصوصيَّات ، وحيث إنَّ هذا البعض غير معلوم فتصبح الدَّلالة مجملة لا يمكن الاستدلال بها .

ومنها : رواية المجالس بإسناده في حديث (جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمَّا قوله : الله أكبر - إلى أن قال : - لا تفتحِ الصَّلاة إلَّا بها) .

وفيه أوَّلاً : أنَّها ضعيفة السَّند بجهالة الحسن بن عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السَّلام) فهو وإن كان من السَّادة الكرام والسُّلالة العلويَّة الطيِّبة ، ولكن ليس كل مَنْ كان نسبه عظيماً يكون ثقةً وعدلاً ومعروفاً .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo