الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/02/23
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع :القِيام في الصَّلاة (10)
ويدلَّ عليه صحيحة زرارة الطويلة ، حيث ورد في ذيلها : (وإذا قعدت في تشهدّك فالصق ركبتيك بالأرض ، وفرِّج بينهما شيئاً ، وَلْيكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وإليتاك على الأرض ، وأطراف إبهامك اليمنى على الأرض ... )[1] .
وأمَّا وجوب رفع الفخذين في الرّكوع ، والانحناء قدر ما يحاذي وجهه ما قدَّام ركبتيه من الأرض ، فقد قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (الخامسة : احتمل بعض الأصحاب في كيفيَّة ركوع القاعد وجهين ذكرهما العامة ، وهما متقاربان :
الأوَّل : أن ينحني حتَّى يصير بالإضافة إلى القاعد المنتصب كالراكع قائماً بالإضافة إلى القائم المنتصب ، فتعرف النسبة بين حالة الانتصاب وبين الركوع قائماً ، ويقدر كأن المائل من شخصه عند القعود هو قدر قامته ، فينحني بمثل تلك النسبة .
الثاني : أن ينحني إلى حدٍّ تكون النسبة بينه وبين السُّجود كالنسبة بينهما في حال القيام .
ومعناه أنَّ أكمل الرّكوع عند القيام أن ينحني بحيث يستوي ظهره وعنقه ويمدّهما ، وحينئذٍ تحاذي جبهته موضع سجوده ، وأقلّه أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه .
وحينئذٍ يقابل وجهه أو بعض الوجه ما وراء ركبتيه من الأرض ، وتبقى بين الموضع المقابل وموضع السّجود مسافة ، فيراعي هذه النسبة في حال القعود ، فأكمل ركوع القاعد أن ينحني ، بحيث تحاذي جبهته موضع السّجود ، وأقلّه أن ينحني قدر ما يحاذي وجهه ما قدَّام ركبتيه من الأرض )[2] .
وعن المحقِّق الكركي (رحمه الله) في جامع المقاصد ، والشهيد الثاني (رحمه الله) في الروض أنَّ الوجهين متقاربان .
والإنصاف : أنَّ الأمر كما ذكراه ، إلَّا أنَّه لمّا كان ظاهر الأدلَّة أنَّ الجالس يركع الرّكوع الواجب على القائم بجميع الخصوصيّات المحفوظة فيه ، وكان ركوع القائم يلزم فيه الانحناء الخاصّ ، فلا بدّ في ركوع الجالس من حصول ذلك المقدار من الانحناء ، إذ الرّكوع في اللغة هو الانحناء ، فعن مجمع البحرين : (ركع الشيخ أي انحنى)[3] .
وبالجملة ، فالانحناء مأخوذ في مفهومه عرفاً وشرعاً ، وهو الانحناء على نحو المتعارف .
وعليه ، فالمراد به هنا هو الانحناء الحاصل عن اعتدال .
وأمَّا وجوب رفع الفخذين في الرّكوع فقد يستدلّ له بالأصل ، حيث كان واجباً في حال القيام والأصل بقاؤه .
وفيه : أنَّ رفع الفخذين حال القيام غير مقصود بنفسه ، وإنَّما حصل تبعاً للهيئة الواجبة في تلك الحالة ، وهي منتفية هنا .
أضف إلى ذلك أنَّ الرّكوع يصدق عرفاً بدون الرّفع ، وإلَّا لانتقض بإلصاق بطنه بفخذيه حال الرّكوع جالساً زيادةً على ما يحصل منه في حالته قائماً ، ولم يقل أحد بوجوب المراعاة هنا ، بحيث بجافي بطنه على تلك النسبة والله العالم .
قوله : (فروع :
الأوَّل : لو لم يقدر القاعد إلَّا على هذا الانحناء فعله مرةً للرّكوع ، ومرتين للسُّجود ، ولا يجب كون السُّجود هنا أخفض لعدم القدرة عليه ، وليس له أن ينقص من انحنائه في الرّكوع ليصير السّجود أخفض ، لأنّ نقص الرّكن غير جائز)[4]
تفصيل ذلك ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى قال : (فروع ، الأوَّل : قدر القاعد على الانحناء إلى أقلّ ركوع مثله ، ولم يقدر على الزّيادة عليه ، فيجب عليه الإتيان به للرّكوع مرةً ، وللسّجود أخرى ، وليس له أن ينقص عنه للرّكوع ليصير السّجود أخفض ، لأنّه يستلزم للقادر عليه ، وهو غير جائز .
الثاني : قدر على أكمل ركوع القاعد من غير زيادة فالأقرب المساواة للأوَّل ، وإن أتى به مرتين ، لكن يجوز هنا الاقتصار في الرّكوع على الأقلّ وإيثار السّجود بالزائد ؛ والظاهر أنه لا يجب ذلك ليعد المنع من الركوع الكامل للقادر عليه .
الثالث : قدر على أكمل الرّكوع وزيادة فيجب هنا إيثار السّجود بالزائد قطعاً ، لأنَّ الفرق بينهما واجب مع الإمكان ، وقد أمكن ، وهو معنى قولهم : يجب أن يكون السُّجود أخفض .
الرابع : قدر على زيادة الخفض في السّجود ، ولا ريب في وجوبه حتّى لو أمكنه السّجود على أحد الجبينين أو الصدغين أو الذقن أو عظم الرأس وجب ، وإَّلا وجب إدناء رأسه من الأرض بحسب الطاقة - ولو افتقر إلى رفع ما يسجد عليه وجب - لِما سبق في باب ما يسجد عليه من رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السَّلام) .
الخامس : ركع أكمل الرّكوع ، فلمّا رفع تعذّر ذلك للسّجود اقتصر على المقدور ، لأنّ الأخفضيّة إنّما تجب مع الإمكان ، ولو علم من نفسه أنّه إذا ركع أكمل الرّكوع عجز عن أخفضيّة السّجود اقتصر على أقل الرّكوع) .
وهو غاية في الجودة .
نعم ، ما ذكره في الأمر الرّابع من أنّه لوِ افتقر إلى رفع ما يسجد عليه وجب ... ) سنتكلم عنه إن شاء الله تعالى قريباً .
قوله : (الثاني : يجوز القعود مع القدرة على القيام الخائف العدو ، أو زيادة المرض أو المشقة الشديدة ، وكذا يجوز لقصر السقف)
ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل عند الكلام عن حدّ العجز المسوِّغ للقعود ، فراجع ، ولا حاجة للإعادة .
قوله : (الثالث : الأشبه وجوب الاعتماد على الرجلين معا في القيام ، ولا يكفي الواحدة للقادر)
أقول : بناءً على ما ذكرناه سابقاً من جواز الاعتماد اختياراً على الحائط ونحوه لا معنى للبحث هنا عن وجوب الاعتماد على الرجلين معاً ، لحصول التدافع والمنافاة بين المسألتين ، لأنَّ الاعتماد قد فسر سابقاً بأنَّه لو سقط السّناد سقط المصلّي .
ومن المعلوم أنّه في هذه الحال لا اعتماد على الرّجلين .
وعليه ، فكيف يجتمع مع القول بوجوب الاعتماد على الرّجلين معاً في القيام .
اللهمَ إلَّا أن يكون مرادهم من الاعتماد على الرّجلين معاً عدم رفع إحدى الرّجلين .
والإنصاف : أنَّه كان ينبغي عدم التعرّض لهذه المسألة ، لعدم الفائدة منها ، بل توجب التشويش .
ومهما يكن ، فقد صرّح جماعة من الأعلام بوجوب الاعتماد على الرّجلين معاً في القيام ، وفي الجواهر : (وفي اعتبار الاعتماد على الرّجلين معاً في القيام قولان ، أشهرهم الأوَّل ، للأصل والتأسِّي ، ولأنَّه المتبادر المعهود ، ولعدم الاستقرار وأقواهما الثاني ... )[5] .
أقول : بناءً على شرطيَّة الاستقلال ، أي عدم جواز الاعتماد اختياراً ، كما هو المشهور بينهم ، فقدٍ استُدلّ لوجوب الاعتماد على الرّجلين معاً في القيام بعدَّة أدلَّة :
منها : الأصل .
وفيه أوَّلاً : أنَه لا معنى للأصل مع وجود الدليل .
وثانياً : مع قطع النظر عن ذلك فإنَّ مقتضي الأصل هو البراءة عن وجوب الاعتماد ، لما عرفت من جريان البراءة في موارد الأمر بين الأقلّ والأكثر الإرتباطيين .