< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/02/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :القِيام في الصَّلاة (11)

ومنها : التأسِّي .

وفيه : ما عرفت من أنَّه لا يصلح أن يكون دليلاً للوجوب ، لأنَّ فعل المعصوم (عليه السَّلام) أعمّ من ذلك .

ومنها : التبادر .

وفيه : أنَّه بدويّ لا يعوّل عليه .

ومنها : توقّف الاستقرار على الاعتماد عليهما معاً .

وفيه : أنَّ الاستقرار لا يتوقّف على الاعتماد عليهما معاً ، بل يحصل الاستقرار بالاعتماد على واحدة .

والخلاصة : أنَّ إطلاق أدلّة القيام محكم .

وممَّا يؤيِّد عدم وجوب الاعتماد عليهما معاً : حسنة محمَّد بن أبي حمزة عن أبيه (قال : رأيت عليّ بن الحسين (عليه السَّلام) في فناء الكعبة في الليل - وهو يصلّي - فأطال القيام حتَّى جعل يتوكَّأ مرةً على رجله اليمنى ، ومرةً على رجله اليسرى ... )[1] .

وإنَّما جعلناها مؤيِّدة ، لأنَّ موردها النافلة ، كما هو الظاهر ، ويتسامح في النوافل ما لا يتسامح في الفرائض .

ثمَّ إنَّ أكثر الأعلام عبَّروا عن الرِّواية بالصَّحيحة إلى محمَّد بن أبي حمزة ، ممَّا يفهم منه أنَّها صحيحة إلى محمَّد فقط .

وفيه : أنَّ محمَّد بن أبي حمزة الثمالي موثَّق هو وأخوته ، كما أنَّ أباه من الأجلَّاء العظام .

اللهمَّ إلَّا أن يكون نظر الأعلام أنَّ محمَّداً وأباه المذكورين في السَّند ليسا الثماليين ، ولكنَّه بعيد جدّاً .

ثمَّ إنَّه بناءً على وجوب الاعتماد عليهما معاً في القيام لا يراد منه المساواة في مرتبة الاعتماد ، بأن يكون الاعتماد على إحداهما بمقدار الاعتماد على الأخرى .

وهذا ممَّا لا إشكال فيه ، قال: (بل المراد منها لتسوية في أصل الاعتماد ، بأن يكون الاعتماد على كلٍّ منهما ، لا على إحداهما مع مجرد مماسَّة الأخرى للموقف) .

أقول : هذا المقدار أيضاً لا دليل عليه ، فإنَّ ما ذكروه من الأدلَّة على المساواة في أصل الاعماد من التأسِّي والتبادر وعدم الاستقرار ، ونحوها ، كلَّها غير تامَّة ، كما أشرنا إليه .

ومن هنا احتمل جماعة من الأعلام أن يكون مراد الأعلام من التسوية في أصل الاعتماد ما يقابل رفع إحدى الرجلين بالكليَّة ، والله العالم .

بقي في المقام أمران :

الأوَّل : هل يعتبر الوقوف على تمام القدمين ، أو يكفي الوقوف على بعض الأصابع ، أو أصل القدمين ؟

الثاني : هل يكفي الوقوف على الرجل الواحدة ، أم لا بدّ من الوقوف على الرجلين معاً ؟

أمَّا الأمر الأوَّل : فقدِ استُدل لوجوب الوقوف على القدمين لا على الأصابع ، ولا أصل القدمين ، بالأدلَّة التي استُدلّ بها على وجوب الاعتماد عليهما معاً ، وهي الأصل ، والتأسِّي ، والتبادر ، وعدم الاستقرار .

وفيه : أنَّ الجواب عنها هو الجواب السَّابق ، فلا حاجة للإعادة .

وقدِ استُدلّ أيضاً برواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السَّلام) - في حديث - (قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقوم على أطراف أصابع رجليه ، فأنزل الله سبحانه : ﴿طه ما أنزلنا عليك عليكم القرآن لتشقى﴾[2] ) [3] .

وقد عبَّر أغلب الأعلام عن الرِّواية بالخبر ممَّا يُشعِر بضعفها .

لكنَّ الإنصاف : أنَّها موثَّقة ، لأنَّ بن حفص المذكور في السَّند هو أبو عليّ الجريري الثقة المعروف بالمسوف، وإن كان إشكالهم من جهة اشتراك أبي بصير فقد عرفت الجواب عنه أيضاً .

نعم ، الذي يرد على الرّواية أنَّها تدلّ على المطلب لو كانت دالةً على نفي المشروعيَّة .

وذكر بعضهم كالسَّيد الحكيم (رحمه الله) : (أنَّها ظاهرة في نفي الالتزام لا المشروعيّة ، نظير قوله تعالى :﴿ ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ، ويريد الله بكم اليسر ، ولا يريد بكم العسر[4] .

أقول : بناءً عليه تكون دالَّة على نفي الالتزام فقط ، وأمَّا أصل الرجحان والمحبوبيَّة فهو باقٍ ، فيستفاد منها استحباب الوقوف على أطراف الأصابع .

ولكن الإنصاف : أنَّ حملها على نفي الإلزام بعيد أيضاً ، إذ لم يكن النبيّ (صلى الله عليه وآله) يعتقد وجوب الوقوف على أطراف الأصابع حتَّى تكون نافيةً للإلزام ، بل كان يختار ذلك من تلقاء نفسه الشَّريفة من باب أنَّه أحمز الأعمال وأشقّها ، فالآية الشَّريفة واردة في مقام الامتنان ، ورفع ما يوجب التعب والمشقَّة عليه (صلى الله عليه وآله) .

والخلاصة : فإنَّها ليست دالَّة على نفي المشروعيَّة ، ولا على نفي الالتزام ، بل تدلّ على أنَّه لا رجحان في هذه الكيفيَّة التي كان يختارها النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ومثلها مثل غيرها .

ومثل هذه الرِّواية ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن القاسم بن محمَّد بن علي عن أبي بصير ، إلَّا أنَّه قال : (كان يقوم على أصابع رجليه حتَّى تورّم) [5] .

الجواب : هو الجواب السَّابق ، مضافاً لضعفها سنداً بعليّ بن أبي حمزة البطائني ، وبعدم وثاقة القاسم بن محمَّد الجوهري .

والخلاصة إلى هنا : أنَّه يجوز القيام على أطراف الأصابع وأصل القدمين عملاً بإطلاق أدلَّة القيام ، وفي الذكرى وفي الحدائق : (لا إشكال في البطلان ، لوقوعه على خلاف الوجه المتلقّى من صاحب الشريعة ... )[6] .

وفي مفتاح الكرامة : (لا إشكال في البطلان لوِ اقتصر على وضع واحدة منها ... ) .

وقد يستدلّ لهم بالأدلَّة السَّابقة من الأصل والتأسِّي ، ولأنَّه المتبادر ، ولعدم الاستقرار .

وفيه : ما قد عرفته ، فلا حاجة للإعادة .

وقد يستدلّ لهم أيضاً بموثَّقة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ما عظم ، أو بعد ما ثقل كان يصلّي وهو قائم ، ورفع إحدى رجليه حتَّى أنزله الله : طه ، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } فوضعها ) [7] .

وقد عبّر أغلب الأعلام عن هذه الرّواية بالخبر المشعر بضعفها ، ولعلّه من جهة اشتراك محمَّد بن الوليد .

ولكن الإنصاف : أنَّه محمَّد بن الوليد الخزَّاز البجلّي الفطحي الثقة .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo