< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/03/08

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع :القِيام في الصَّلاة (17)

 

وأمَّا القول الثاني - وهو التخيير بين الوضع والإيماء - : فقيل : إنَّه مقتضى الجمع بين موثّقة سماعة والأخبار الدَّالة على الإيماء ، وقضية هذا الجمع رفع اليد عن ظاهر كلٍّ منهما في الوجوب التعييني .

وتكون النتيجة : هي التخيير بينهما .

قيل : ويشهد لهذا التخيير مع أفضليَّة الوضع روايتان :

الأولى : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن المريض إذا لم يستطع القيام والسّجود ، قال : يومِئ برأسِه إيماءً ، وأنْ يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ) [1] .

الثانية : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : سألتُه عن المريضِ ، فقال : يسجدُ على الأرضِ ، أو على مروحةٍ ، أو على سواكٍ ، يرفعه إليه ، وهو أفضل من الإيماءِ ، إنَّما كُرِه السُّجودُ على المروحةِ من أجلِ الأوثانِ التي كانت تُعْبَد من دون الله ، وإنَّالم نعبد غير الله قط ، فاسجدوا على المروحة ، وعلى السُّواك ، وعلى عود)[2] .

وفيه : أنَّ الاستدلال بهاتين الرّوايتين في غير محلّه ، لأنّ الكلام في وضع ما يصحّ السّجود عليه على الجبهة ، ومورد الحسنة والصّحيحة وضع الجبهة على ما يصحّ السّجود عليه ، وهذا مما لا كلام فيه ، بل لا خلاف على الظّاهر في وجوبه مطلقاً ، ولو برفع ما يصحّ السّجود عليه باليد ، ونحوها ، فإنَّه يتعيّن ذلك ، لِصدق السّجود عليه شرعاً ، وإن تعذّر بعض شروطه - كالانحناء - للضّرورة .

ومن هنا قال في المدارك : (وإنَّما يجزئ الإيماء إذا لم يمكن أن يصير بصورةِ السَّاجد ، بأنْ يجعل مسجده على شيءٍ مرتفع يضع جبهته عليه)[3] .

وقال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (ولو أمكن تقريب مسجد إليه ليضع عليه جبهته ، ويكون بصورة الساجد ، وجب ... )[4] .

وبالجملة ، فإنّ مورد الرّوايتين أجنبيّ عن محلّ الكلام .

إن قلت : إذا كانت الرّوايتان دالّتين على وجوب وضع الجبهة على ما يصحّ السّجود عليه ، ولو برفع الخمرة ، ونحوها ، لِصدق السّجود شرعاً ، فلا يتلاءم هذا مع ما فيهما من التعبير بالأحبيَّة والأفضليَّة من جواز الإيماءِ لدى التمكُّن من أن يضع جبهته على الأرض كما في حسنة الحلبي ، أو يسجد كما في صحيحة زرارة .

قلت : أجاب بعضهم عن ذلك ، كصاحب الحدائق (رحمه الله) وغيره ، بأنَّ هذه العبارة - أي : أحبّ إليّ وأفضل - كثيراً ما يرمى بها في مقام الوجوب ، وليست هي على معنى التفضيل ، بل هي كقولهم : السَّيف أمضى من العصا ، وقوله تعالى : ﴿ ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة[5] ، ولا ريب في كون الواجب أحبّ وأفضل .

ولكنَّ الإنصاف : إبقاؤهما على ظاهرهما من الأفضليَّة ، وتنزيلهما على المريض الذي يشقّ عليه السّجود عادةً ، إذ المتبادر من كلام السّائل ، حيث سأله عن المريض الذي لا يستطيع القائم والسّجود هو عدم الاستطاعة العادة لا العقليّة .

وعليه ، فالمراد بقوله (عليه السَّلام) : (وأنْ يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ)[6] هو أنّه لو تحمّل المشقّة وسجد على الأرض لكان أفضل من الإيماء .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ الاستشهاد بهاتين الرّوايتين للتخيير في غير محلّه .

وأمَّا موثقة سماعة - التي قيل : إنَّ مقتضى الجمع بينها وبين روايات الإيماء هو التخيير - : فقد عرفت سابقاً أنّها حملت على الاستحباب ، فلا معنى للتخيير حينئذٍ بين الاستحباب ووجوب الإيماء .

وإن أبيت إلَّا عن ظهور الموثّقة في الوجوب ، فتحمل على إرادة وجوب ذلك مع التمكّن من الاعتماد عليه ، ويكون بصورة السّاجد ، أي تحمل على وضع الجبهة على ما يصحّ السّجود عليه ، وتكون خارجةً عن محلّ الكلام .

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى - بعد نقل موثّقة سماعة - : (قلت يمكن أن يراد به مع اعتماده على ذلك الشّيء ، وهذا لا ريب في وجوبه ، ويمكن أن يكون على الإطلاق ، أمَّا مع الاعتماد فظاهر ، وأمَّا مع عدمه فلأنّ السّجود عبارة عن الانحناء ، وملاقاة الجبهة ما يصحّ السّجود عليه باعتماد ، فإذا تعذَّر ذلك ، وملاقاة الجبهة ممكنة ، وجب تحصيله ، لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، فإن قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي)[7] .

ولكنَّ الإنصاف : أنّ حمل موثّقة سماعة على إرادة وجوب ذلك - مع التمكّن من الاعتماد على الشيء - بعيد جدّاً عن ظاهرها ، بل هي ظاهرة في وضع ما يصح السّجود عليه على الجبهة .

وأمّا التوجيه الذي ذكره المصنّف (رحمه الله) في الذكرى بقاعدة أنَّ الميسور لا يسقط بالمعسور فقد عرفت أنَّ الرّواية الواردة بذلك ضعيفة جدّاً لا يعوّل عليها .

فالصحيح في المقام : هو ما ذكرناه من كون موثّقة سماعة محمولة على الاستحباب .

وتكون النتيجة في نهاية المطاف : هي وجوب الإيماء تعييناً مع استحباب الوضع ، والله العالم بحقائق أحكامه .

 

قوله : (ويجوز الاستلقاء للقادر على القيام لعلاج العين)[8]

كما في صحيحة محمَّد بن مسلم (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الرَّجل والمرأة يذهب بصره ، فيأتيه الأطباء ، فيقولون نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلِّي ، فرخَّص في ذلك ، وقال : ﴿ فمنِ اضطرّ غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ﴾[9] )[10] .

وقد تقدَّم الكلام بالتفصيل عند كلام المصنِّف (رحمه الله) : (ولو عجز عن الانتصاب لمرض أو كبر أو خوف ... ) ، فراجع .

 

قوله : (وينتقل القادر والعاجز إلى الأعلى والأدنى ، ولا يستأنفان ، قيل : ويقرأ في الانتقال إلى الأدنى ، لا إلى الأعلى)

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : (ينتقل كلّ من القادر إذا تجدد عجزه ، والعاجز إذا تجددت قدرته ، إلى ما يقدر عليه مستمراً ، ولا يستأنف ، لأصالة الصّحّة ، وللامتثال المقتضي للإجزاء ، فالقائم إذا عجز اعتمد ، ثمّ قعد ، ثمّ اضطجع ، ثمّ استلقى ، ولا يعد هذا فعلاً كثيراً ، وكذا لو قدر المستلقي اضطجع ، ثمَّ قعد ، ثم اعتمد ، ثمَّ قام مستقبلاً ، ولو قدر المستلقي على القيام التامّ وجب من غير توسّط غيره ، وكذا لو عجز القائم عن الوسائط استلقى ... )[11] .

أقول : يقع الكلام في أمرين :

الأول : هل يجب عليه الاستئناف ، أم لا ؟

الثاني : هل يلزمه ترك القراءة ، أو الذّكر ، حال الانتقال إلى أن يستقر ، أم لا ؟

أمَّا الأمر الأوَّل : فالمعروف بين الأعلام عدم وجوب الاسئناف ، بل لا خلاف بينهم ، سواء انتقال القادر إذا تجدَّد عجزه إلى ما يقدر عليه ، أو العاجز إذا تجدّدت قدرته إلى ما يقدر عليه .

نعم ، حكي عن بعض العامَّة القول : (بأنَّه يستأنف ، ولا يجتزئ بصلاة ملفَّقة من الأحوال ، فيأتي بها على حالةٍ واحدة ، إلَّا إذا فرض التعذّر أو التعسّر ، فيجوز حينئذٍ التلفيق)[12] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo