< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع :القِيام في الصَّلاة (19)

 

واستدلَّ المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى للوجوب بثلاثة أدلَّة :

( الأوَّل : ضرورة كون الحركتين المتضادتين في الصعود والهبوط بينهما سكون ، فينبغي مراعاته ليتحقّق الفصل بينهما .

الثاني : أنّ ركوع القائم يجب أن يكون عن طمأنينة ، وهذا ركوع قائم .

الثالث : أنَّ معه يتيقن الخروج عن العهدة ... )[1] .

وفيه : أمَّا الدليل الأوَّل فيرد عليه أنَّ السّكون بين الحركتين المتضادتين من اللوازم غير المنفكّة عنهما ، فلا عبرة به ، بل لا يصحّ التكليف معه ، لخروجه من تحت القدرة .

وعليه ، فالكلام في الطمأنينة العرفية ، ولا دليل على وجوبها .

والذي دلّ عليه الدّليل هو وجوب الرّكوع عن قيام مع الإمكان ، وأمَّا اشتراط هذا القيام بالاستقرار فلم يدلّ عليه دليل ، وإن كان هو أحوط .

وبهذا يتضح لك عدم صحَّة الدليل الثاني .

وأمَّا الدليل الثالث : فهو عبارة عن الاحتياط ، ومن المعلوم أنّ المورد ليس من موارد الاحتياط ، بل المرجع في هذه الأمور هو أصل البراءة ، وقد عرفت سابقاً أنّ البراءة تجري في الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطيين .

ومن جملة التفريعات ما لو خفّ في ركوعه قاعداً قبل الطمأنينة ، بل وبعدها أيضاً ، ما لم يأتِ بالذِّكر الواجب ، فيكفيه حينئذٍ أن يرتفع منحيناً إلى حدّ الرّاكع ، ولم يجز له الانتصاب لاستلزامه الزيادة المفسدة ، وعليه أن يسكت عن الذكر حال الارتفاع .

وأمّا ما ذكره السّيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) : من عدم وجوب الارتفاع منحيناً ، لتقوّم الرّكوع بالانحناء عن قيام ، والارتفاع متقوساً لا يتحقّق معه الرّكوع القيامي ، فلا يجب حينئذٍ .

وفيه : ما عرفته من أنّ الرّكوع لا يتقوّم بالانحناء عن قيام ، إذ ركوع الجالس ركوع حقيقي وعرفي ، فراجع ما ذكرناه سابقاً عند الكلام عن ركنيّة القيام المتّصل بالرّكوع .

ومنها : ما لو خفّ بعد الذّكر والطمأنينة ، فإنّه مقوّم للاعتدال من الرّكوع ، فإنَّ القيام من الرّكوع واجب ، وإن كان الرّكوع عن جلوس ، وذلك لإطلاق دليله ، ولا يكفيه الانتصاب الجلوسيّ مع إمكان القيام .

ومنها : ما لو خفّ بعد الاعتدال قبل الطمأنينة فالمعروف بينهم أنّه قام للطمأنينة فيه .

ولكن يرد عليهم : أنَّ الذي يظهر من الأدلّة أنّ الطمأنينة شرط في الاعتدال ، لا جزء مستقل حتّى يجب تداركه بعد الاعتدال .

ومنها : ما لو خفّ بعد الطمأنينة ، فقد ذكر جماعة منهم المصنِّف (رحمه الله) هنا وفي الذكرى : أنَّ الأقرب وجوب القيام ليسجد عن قيام .

ولكن لا يخلو من إشكال ، وذلك لِعدم اعتبار الهوي عن قيام في حقيقة السّجود ، بل هو من لوازم هدم الاعتدال الواجب بعد الرّكوع ، كيف ولو كان هذا القيام من حيث هو واجباً لوجب تداركه فيما إذا حصل الخفّ بعد الهوي إلى السّجود أيضاً ما لا يبلغ حدّه ، مع أنّه لم ينقل القول به عن أحد ، هذا كلّه مع ضيق الوقت عن الإعادة والتدارك .

وأمَّا مع السّعة فيجب إعادة الصّلاة في كلّ ما أتى به اضطراراً من الأجزاء لِما عرفت في مبحث الإجزاء من عدم إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي الاخيتاري إذا ارتفع العذر في الوقت ، إلّا أن يدعى التسالم على عدم الإعادة هنا .

وأمَّا ما ذكره السّيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) : من (أنّه لو كبّر قائماً وهو قادر ، ثمّ طرأ العجز ، فجلس وقرأ ، ثمّ تجددت القدرة ، فقام قبل الرّكوع ، فإنّ هذه الصّلاة لا نقص فيها إلّا من حيث وقوع القراءة حال الجلوس ، فيتداركها أو يعيدها قائماً ، ولا يلزم منه إلَّا زيادة القراءة والجلوس ، وهي زيادة غير مبطلة ، لكونه معذرواً فيها فيشملها حديث لا تعاد .

وكذا قوله : لو طرأ العجز ، وهو في الرّكوع القيامي ، فجلس - سواء سجد أم لا - ثمّ تجددت القدرة ، فإنَّه قد أخلّ بالقيام الواجب بعد الرّكوع ، وهو وإن لم يكن ركناً إلّا أنّه لا يسعه التدارك ، لأنّ الواجب هو القيام المتّصل بالركوع ، أعني رفع الرأس عنه منتصباً ، لا مطلق القيام ، وهذا لا يمكن تحصيله فعلاً إلّا بإعادة الرّكوع المسلتزم لزيادة الرّكن ، فمقتضى القاعدة حينئذٍ هو الإعادة ، إلَّا أنَّ مقتضى حديث لا تعاد عدمها ، لِعدم كون القيام من الخمسة المستثناة ، فلأجل ذلك يحكم بالصّحّة ... )[2] .

فيرد عليه ، أنَّ حديث (لا تعاد) مختصّ بالناسي والجاهل القاصر ، فلا يشمل المضطرّ ، كما أنّه لا يشمل العالم العامد ، ولا الجاهل المقصِّر ، والله العالم بحقائق أحكامه .

 

قوله : (ولا يجوز الاضطجاع ، ولا الاستلقاء في النافلة إلَّا مع العجز)[3]

قال المصنِّف في الذكرى : ( قد سبق جواز النافلة قاعداً للقادر على القيام ، والأقرب عدم جواز الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القعود والقيام ، لعدم ثبوت النقل فيه مع أصالة عدم التشريع ، والاعتذار بأنَّ الكيفيَّة تابعة للأصل فلا تجب كالأصل مردود ، لأنّ الوجوب هنا بمعنى الشّرط كالطّهارة في النافلة وترتيب الأفعال فيها) .

وذكر مثله صاحب المدارك (رحمه الله) ، ووافقهما جماعة من الأعلام ، وقلنا سابقاً عند البحث عن جواز الجلوس اختياراً في النافلة أنّ الإنصاف هو ما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله) ، وفاقاً للمصنف (رحمه الله) ، لأنّه هو المعهود من الصّلاة وأجزائها وشرائطها .

ولولا ورود الرّوايات على جواز فعلها من جلوس لمَا ذهبنا إلى ذلك ، لأجل ما ورد من كون القراءة في الصّلاة عن قيام ، وكثير منها مطلق ، هذا كلّه في حال الاختيار .

وأمَّا في حال العجز إلّا عن الاضطجاع أو الاستلقاء فلا إشكال في فعل النافلة كذلك ، والله العالم بحقائق أحكامه .

 

قوله : (وسنن القيام الدعاء عند إرادته بقوله : اللهم إنّي أقدم إليك محمّداً بين يدي حاجتي ، وأتوجّه به إليك ، فاجعلني به وجيهاً في الدنيا والآخرة ، ومن المقرّبين ، واجعل صلاتي به متقبلة وذنبي به مغفوراً ودعائي به مستجاباً ، إنَّك أنت الغفور الرّحيم)

يستفاد ذلك ونحوه من عدة أخبار :

منها : صحيحة أبان ومعاوية بن وهب (قال : قال أبو عبد الله (عليه السَّلام) : إذا قمتَ إلى الصَّلاة فقل : اللهمّ إنّي أقدّم إليك محمّداً (صلى الله عليه وآله) بين يدي حاجتي وأتوجّه به إليك ، بما جعلني به وجيهاً عندك في الدّنيا والآخرة ، ومن المقرّبين ، واجعل صلاتي به مقبولةً ، وذنبي به مغفوراً ، ودعائي به مستجاباً ، إنّك أنت الغفور الرّحيم)[4] .

ومنها : مرسلة عليّ بن النعمان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : كان أمير المؤمنين (عليه السَّلام) يقول : مَنْ قال هذا القول كان مع محمَّد وآل محمَّد إذا قام من قبل أن يستفتحِ الصَّلاة ، اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بمحمّد وآل محمّد ، وأقدمهم بين يدي صلاتي ، وأتقرّب بهم إليك ، فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ، مننت عليّ بمعرفتهم ، فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم ، فإنّها السّعادة ، اختم لي بها فإنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، ثمّ تصلّي ، فإذا انصرفت قلت : اللهمّ اجعلني مع محمّد وآل محمّد في كلّ عافيةٍ وبلاءٍ ، واجعلني مع محمّد وآل محمّد في كلّ مثوى ومنقلب ، اللهمّ اجعل محياي محياهم ومماتي مماتهم ، واجعلني معهم في المواطن كلّها ، ولا تفرّق بيني وبينهم أبداً ، إنّك على كلّ شيءٍ قدير )[5] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo