< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع :القِيام في الصَّلاة (22)

 

وعليه ، فالأقرب أن يكون معنى ﴿قانتين﴾ مطيعين أو خاشعين ، ونحوهما ، حيث إنَّ ظاهرها إرادة القنوت من حين الأخذ في القيام ، لا بعده عند إرادة الرّكوع من القيام الحاصل في الرّكعة الثانية من الصُّورة .

وعليه ، فلو أريد القنوت بالمعنى المصطلح للزم القول بوجوبه من حين الأخذ في القيام ، وهو في غير محلِّه .

إن قلت : إنَّ القنوت في الآية الشَّريفة بمعنى الدُّعاء ، قال في مجمع البيان في تفسير الآية الشَّريفة : (قال ابن عباس : معناه داعين ... )[1] .

والقنوت بالمعنى المصطلح عليه هو الدُّعاء في الصّلاة حال القيام .

وفيه أوَّلاً : أنَّ القنوت بالمعنى المصطلح عليه لا يختصّ بالدّعاء ، فإنَّ أفضل القنوت كلمات الفرج ، ولا يوجد فيها من الدّعاء .

وثانياً : أنَّ رواية مجمع البيان ضعيفة بالإرسال .

وثالثاً : أنَّها معارضة بما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال : (حدثني أبي عن النضر بن سويد عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) أنَّه قرأ : ﴿ حافظوا على الصّلوات والصلاة الوسطى ﴾[2] صلاة العصر ﴿وقوموا لله قانتين﴾ فقوله : ﴿قوموا لله قانتين﴾ قال : إقبال الرّجل على صلاته ومحافظته حتّى لا يلهيه ولا يشغله عنها شيء)[3] .

والمظنون أنَّ ابن سنان الذي يروي عنه النضر بن سويد هو عبد الله لا محمَّد بن سنان ، إلَّا أنَّ الظنّ لا يغني عن الحقّ شيئاً ، فتكون الرِّواية حينئذٍ ضعيفة ، لاشتراك ابن سنان بين الثقة وهو عبد الله ، والضّعيف وهو محمَّد .

وروى العياشي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (في قول الله : ﴿وقوموا لله قانتين﴾ قال : مطيعين راغبين) [4] [5] ، وروى العياشي أيضاً عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (في قوله تعالى : ﴿ وقوموا لله قانتين ﴾ قال : إقبال الرَّجل على صلاته ، ومحافظته على وقتها ... ) [6] [7] ؛ ولكنَّهما ضعيفتان بالإرسال .

وبالجملة ، فهذه جملة من الأخبار اشتملت على تفسير الآية ، وتكون معارِضة لرواية مجمع البيان .

والذي يهوِّن الخطب أنَّ هذه الرِّوايات كلّها ضعيفة السَّند .

نعم ، في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : وقال : ﴿حافظوا على الصَّلوات والصَّلاة الوسطى ﴾ ، وهي صلاة الظهر ، وهي أوَّل صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وهي وسط صلاتين بالنَّهار ، صلاة الغداة وصلاة العصر ؛ ﴿ وقوموا لله قانتين ﴾ قال : وأنزلت هذه الآية يوم الجمعة ، وسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر فقنت فيها ، وتركها على حالها في السَّفر والحضر ... ) [8] ، ولكن لا يظهر من الصَّحيحة أنّ قنوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان بالمعنى المصطلح عليه .

ولعلَّه كان بمعنى الخشوع والسّكون ونحو ذلك ، ومع التسليم بأنَّ قنوته (صلى الله عليه وآله) دعاؤه ، إلَّا أنَّه لم يعلم أنَّه بالمعنى المصطلح عليه ، فلعلّه مطلق الدّعاء ، لأنَّ الصَّلاة مشتملة على القراءة ، والأذكار ، وفيها معنى الدّعاء ، لاسيّما الفاتحة ، فإنّها مشتملة على الدّعاء .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ الآية الشّريفة لا تدلّ على وجوب القنوت بالمعنى المصطلح عليه ، والله العالم .

وأمَّا السَّنة الشَّريفة فعدَّة من الرِّوايات :

منها : صحيحة وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : مَنْ تركَ القنوتَ رغبةً عنه فلا صلاةَ له) [9] .

ومنها : صحيحته الثانية عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال : القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداء ، فمَنْ ترك القنوت رغبةً عنه فلا صلاة له) [10] ، والمراد بالعشاء المغرب ، كما أنَّ المراد بالعتمة العشاء .

وفيه : أنَّ هاتين الصَّحيحتين ليستا دالَّتين على الوجوب ، بل يظهر من تعليق نفي الصَّلاة على تركه رغبة عنه أنَّه لا بأس بتركه من حيث هو لو لم يكن على سبيل الرغبة والإعراض عنه ، بل من باب الاستعجال ، ونحوه .

وعليه ، فيحمل قوله : (فلا صلاة له) على المبالغة والتأكيد في استحبابه ، فتكون هاتين الصَّحيحتين من أدلَّة الاستحباب المتقدِّمة .

ومنها : صحيحة زرارة (أنَّه سأل أبا جعفر (عليه السَّلام) عن الغرض في الصَّلاة ، فقال : الوقت والطّهور والقِبلة والتوجّه والرّكوع و السّجود والدّعاء ، قلت : ما سوى ذلك ؟ قال : سنّة في فريضة) [11] ، والمراد بالدُّعاء هو القنوت ، إذ من المعلوم عدم وجوب الدُّعاء في غير حال القنوت .

وفيه : ما ذكره جماعة من الأعلام ، منهم صاحب الحدائق (رحمه الله) ، والمحقِّق الهمداني (رحمه الله) .

وحاصله أنَّ جملة من الرّوايات دلَّت على الاكتفاء في ذكر القنوت بالتسبيح ، وهو ليس بدعاء ، ففي مرسلة حريز عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال : يجزيك من القنوت خمس تسبيحات في ترسل) [12] ، ونحوها رواية أبي بصير[13] .

والأُولى : ضعيفة بالإرسال .

والثانية : بالقاسم بن محمَّد الجوهري ، وعليّ بن أبي حمزة البطائني .

بل قيل : إنَّ أفضل شيء في القنوت كلمات الفرج ، وهي ليست بدعاء .

وعليه ، فإن أريد بالدُّعاء - الوارد في الصَّحيحة - ما يقابل التسبيح فلا يجب بهذا المعنى في القنوت حتماً ، فلا بدّ من حمل الدُّعاء المقابل للتسبيح على الاستحباب ، أو على إرادة الدُّعاء المتحقِّق في ضمن قراءة الفاتحة ، أو على إرادته المتحقِّق في الصَّلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) الواجبة في التشهُّد ، فإنَّها دعاء .

وإن أريد به مطلق الذِّكر الشَّامل للتسبيح ونحوه فجميع الأذكار الواجبة في الصَّلاة مصداق له .

وعليه ، فلا ينحصر حمله في القنوت حتَّى يتعيَّن حمله عليه .

ومنها : رواية الأعمش عن جعفر بن محمَّد (عليه السَّلام) - في حديث شرايع الدِّين - (قال : والقنوت في جميع الصّلوات سنّة واجبة في الرّكعة الثانية قبل الرّكوع وبعد القراءة) [14] ، ودلالتها وإن كانت تامَّة ، لكنَّها ضعيفة بجهالة أكثر من شخص في إسناد الصَّدوق (رحمه الله) إلى الأعمش في حديث شرايع الإسلام .

ومنها : رواية الفضل بن شاذان عن الرِّضا (عليه السَّلام) (في كتابه إلى المأمون ، قال : والقنوت سنّة واجبة في الغداة والظّهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة) [15] .


[3] تفسير علي بن إبراهيم، ج1/ ص79.
[4] تفسير البرهان، ج1/ ص142.
[6] تفسير البرهان، ج1/ ص142.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo