< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة (3)

 

وقال العلَّامة (رحمه الله) في التذكرة والتحرير : (لا تجب قراءة الفاتحة فيها ، للأصل)[1] .

ويرد عليه أوَّلاً : أنَّه لا معنى للأصل بعدما عرفت .

وثانياً : أنَّه إن أراد الوجوب بالمعنى المصطلح فهو على حقّ ، لأنَّ الأصل إذا لم يكن واجباً لا تجب أجزاؤه ، وإن أراد بعدم عدم الوجوب الشرطي ، بحيث تنعقد النافلة من دون قراءة الحمد فهو ممنوع جدّاً .

نعم ، قد يشهد للعلَّامة (رحمه الله) رواية عليّ بن أبي حمزة (قال : سألتُ أبا الحسن (عليه السَّلام) عن الرَّجل المستعجل ، ما الذي يجزيه في النافلة ؟ قال : ثلاث تسبيحات في القراءة ، وتسبيحة في الرُّكوع ، وتسبيحة في السُّجود)[2] ، بناءً على عدم التخصيص بالمستعجل ، لعدم القائل بالفصل .

وفيه أوَّلاً : أنَّ الرّواية ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة ، وبجهالة أحمد بن عبد الله حفيد البرقي .

وثانياً : أنَّه لم ينقل القول بمضمونها عن أحد من الأعلام ، لا في المستعجل ، ولا في غيره ، وهذا في حدّ ذاته موجب لوهن الرِّواية ولو كانت صحيحة السَّند ، لِمَا ذكرناه في أكثر من مناسبة أنَّ إعراض الكلّ عن رواية يوجب وهنها ، بخلاف إعراض المشهور فقط ، فإنَّه لا يوجب الوهن ، والله العالم بحقائق أحكامه .

 

قوله : (والبسملة آية منها ، ومن كلِّ سورة ، والرِّواية بعدمها مؤوَّلة ، وقول ابن الجنيد : بأنَّها ليست آية من غير الحمد ، شاذّ)[3]

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى : ({بسم الله الرحمان الرحيم} آية من الفاتحة ، ومن كلّ سورة - خلا براءة - إجماعاً منَّا ، ورواه العامَّة من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) عن أمِّ سلمة ، وأنَّه قال : إذا قرأتم الفاتحة فاقرؤوا : {بسم الله الرحمان الرّحيم} ، فإنَّها أمّ القرآن ، والسَّبع المثاني ، وإنَّ {بسم الله الرّحمان الرّحيم} ، آية منها ... ) [4] [5] [6] .

وقال في المدارك : (تعليقاً على قول المحقِّق في الشَّرائع : والبسملة آية منها يجب قرائتها معها ، هذا قول علمائنا أجمع ، وأكثر أهل العلم ... )[7] .

وفي الجواهر : (والمشهور بين أصحابنا ، بل لا خلاف فيه بينهم ، كما عن المعتبر ، كونها آية من الفاتحة ، بل عن المنتهى أنَّه مذهب أهل البيت ، بل النصوص مستفيضة فيه إن لم تكن متواترةً ، كالإجماعات على ذلك ، بل وعلى جزئيِّتها من كلّ سورة ، والنصوص دالَّة عليه أيضاً ، وإن لم تكن بتلك الكثرة ، والدَّلالة في الفاتحة ؛ نعم ، شذّ ابن الجنيد ، فذهب إلى أنَّها افتتاح في غير الفاتحة ...)[8] .

أقول : تسالم الأعلام قديماً وحديثاً ، وفي جميع الأعصار والأمصار على أنَّ البسملة جزء وآية من الفاتحة ، ومن كلّ سورة خلا سورة البراءة ، إلَّا ما حكي عن ابن الجنيد (رحمه الله) من أنَّها آية من الفاتحة ، وفي غيرها افتتاح لها ، وليست آية منها ، لبعض الأخبار التي سنذكرها - إن شاء الله تعالى -المحمولة على التقيَّة .

وأمَّا بين أهل الخلاف فالمشهور عنهم أنَّها آية من الفاتحة فقط ، وليست آية من غيرها .

ومهما يكن ، فيدلّ على ما ذكرناه - مضافاً للتسالم بين الأعلام - جملة من الرِّوايات التي لا يبعد تواترها في الفاتحة ، وأمّا في غير الفاتحة فهي مستفيضة ، ونحن نقتضر على بعضها :

منها : صحيحة محمَّد بن مسلم قال : سألتُ أبا عبد الله ’ عن السَّبع المثاني والقرآن العظيم ، أهي الفاتحة ؟ قال : نعم ، قلتُ : {بسم الله الرحمان الرحيم} من السَّبع ؟ قال : نعم ، هي أفضلهنّ[9] .

منها : صحيحة معاوية بن عمَّار (قال : قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام) : إذا قمتُ للصَّلاةِ أقرأُ {بسم الله الرحمان الرحيم} في فاتحة الكتاب ، قال : نعم ، قلتُ : فإذا قرأتُ فاتحةَ القرآنِ أقرأُ {بسم الله الرحمان الرحيم} مع السُّورة ، قال : نعم)3 [10] .

ومنها : رواية يحيى بن أبي عمران الهمداني (قال : كتبتُ إلى أبي جعفر (عليه السَّلام) : جعلتُ فداكَ ! ما تقولُ في رجلٍ ابتدأَ بـ {بسم الله الرَّحمان الرَّحيم} في صلاته وحده في أمّ الكتاب ، فلمَّا صار إلى غير أمِّ الكتاب من السُّورة تركها ، فقال العباسي : ليس بذلك بأس ، فكتب بخطه : يعيدها - مرتين - على رغم أنفه ، يعني العباسيّ ) [11] ، ولكنَّها ضعيفة لِعدم وثاقة يحيى بن أبي عمران الهمداني .

وقوله (عليه السَّلام) : (يعيدها) يعني الصَّلاة ، وحمله على البسملة وإن أمكن إلَّا أنَّه بعيد .

وقوله (عليه السَّلام) : (مرتين) يتعلق بقوله (عليه السَّلام) : (كتب) ، لا بقوله (عليه السَّلام) : (يعيدها) إذا لا معنى لإعادة الصَّلاة مرتين .

والعباسيّ : هو هشام بن إبراهيم العباسيّ ، وكان يعارض الرِّضا والجواد (عليهما السَّلام) ، وقيل العياشيّ لا العباسيّ ، وأنَّه صاحب التفسير المشهور - أي محمَّد بن مسعود العياشي - فإنَّه كان في أوَّل أمره من فضلاء العامَّة ، ثمَّ استبصر ورجع إلى مذهب الشَّيعة ، ولكنَّه بعيد ، لعدم إدراكه الإمام الجواد (عليه السَّلام) ، فلعلّ العياشي شخص آخر ، والله العالم .

ومنها : جملة من الرِّوايات مذكورة في تفسير العياشي ، كمرفوعة يونس بن عبد الرّحمان (قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن قوله تعالى : {ولقد آيتناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم} قال : هي سورة الحمد ، وهي سبع آيات ، منها {بسم الله الرحمان الرحيم} ) [12] ، وهي ضعيفة بالإرسال والرفع .

ورواية أبي حمزة عن أبي جعفر ’ قال : سرقوا أكرم آية في كتاب الله {بسم الله الرحمان الرحيم}[13] ، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال .

ورواية صفوان الجمَّال (قال : قال أبو عبد الله (عليه السَّلام) : ما أنزل الله من السَّماء كتاباً إلَّا وفاتحته {بسم الله الرحمان الرحيم} ، وإنَّما كان يُعرف انقضاء السُّورة بنزول {بسم الله الرحمان الرّحيم} ابتداءً للأخرى) [14] ، ولكنَّها أيضاً ضعيفة بالإرسال .

ورواية خالد بن المختار (قال : سمعتُ جعفر بن محمَّد (عليه السَّلام) يقول : ما لهم - قاتلهم الله ! - عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله ، فزعموا أنَّها بدعة إذا أظهروها ، وهي {بسم الله الرحمان الرحيم})[15] ، وهي ضعيفة بالإرسال ، وبخالد بن المختار فإنَّه مهمل .


[4] سنن الدارقطني : ج1/ ص312، والسنن الكبرى : ج1/ ص45.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo