الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/04/13
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة (7)
ومنها : صحيحة زرارة (قال : قلتُ لأبي جعفر عليه السَّلام : رجل قرأ سورة في ركعة فغلط ، أيدعُ المكان الذي غلط فيه ويمضي ، أو يدعُ تلك السّورة ويتحوّل منها إلى غيرها إلى غيرها ؟ فقال : كلّ ذلك لا بأس به ، وإنْ قرأ آيةً واحدة ، فشاء أنْ يركع بها ، ركع )[1] .
ومنها : صحيحة عليّ بن يقطين - في حديثٍ - (قال : سألتُ أبا الحسن عليه السَّلام عن تبعيضِ السُّورةِ ، فقالَ : أكره ، ولا بأس به في النافلة) [2] ، بناءً على أنْ يكون المراد من الكراهة هي ما يقابل الحرمة ، أي المراد منها الكراهة بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء .
ومنها : رواية أبان بن عمَّن أخبره عن أحدهما عليهما السَّلام (قال : سألته هل تقسّم السّورة في ركعتين ؟ قال : نعم ، اقسمهما كيف شئت) [3] ، وهي ضعيفة بالإرسال .
ومنها : صحيحة إسماعيل بن الفضل (قال : صلَّى بنا أبو عبد الله عليه السَّلام - أو أبو جعفر عليه السَّلام - فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر سورة المائدة ، فلمَّا سلّم التفتَ إلينا ، فقال : أمَا إني أردت أنَّ أعلّمكم) [4] .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السَّلام (أنَّه سئل عن السّورة ، أيصلّي بها الرّجل في ركعتين من الفريضة ؟ قال : نعم ، إذا كانت ستّ آيات قرأ بالنصف منها في الرّكعة الأولى ، والنصف الآخر في الركعة الثانية) [5] ، ولكنها ضعيفة يس الضرير .
ومنها : رواية سليمان بن أبي عبد الله عليه السَّلام ( قال : صليتُ خلفَ أبي جعفر عليه السَّلام ، فقرأ بفاتحة الكتاب ، وآي من البقرة ، فجاء أبي فسئل ، فقال : يا بني ! إنّما صنع ذا ليفقهكم ويعلّمكم ) [6] ، وهي ضعيفة أيضاً بجهالة كلّ من محمَّد بن الفضل وسليمان بن أبي عبد الله .
ومنها : رواية عمر بن يزيد (قال : قلتُ لأبي عبد الله : أيقرأ الرَّجل السّورة الواحدة في الرّكعتين من الفريضة ؟ قال : لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات) [7] ، وهي ضعيفة ، لأنَّ الحسن بن السري غير موثق ، ولم يثبت أنَّ النجاشي وثّقه ، لأنَّ نسخ النجاشي الموجودة في هذه الأيام خالية عن كلمة التوثيق.
وأمّا توثيق العلَّامة وابن داود (رحمهما الله) فلا يعتدّ به ، لأنَّ توثيقات المتأخّرين مبنية على الحدس .
والخلاصة : أنَّ التعبير عن الرِّواية بالصّحيحة في غير محلّه .
ثمَّ إنَّ هذه الرِّواية ، وإن احتملت الحمل على تكرار السّورة في الركعتين ، إلَّا أنَّ التقييد بأكثر من ثلاث آياتٍ لا يظهر له وجه على هذا التقدير ، وكذا غيرها من الرّوايات .
لا يقال : إنَّ هذه الأخبار ساقطة عن الاعتبار لإعراض الأصحاب عنها .
فإنَّه يقال : إنَّ إعراض المشهور لا يوجب وهن الرِّواية ، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة .
نعم ، لو ثبت إعراض جميع المتقدّمين لكانت ساقطة عن الاعتبار ، ولكنّه لم يثبت ، بل ذهب بعض المتقدّمين إلى العمل بهذه الرّوايات .
والإنصاف : أنَّ الصناعة العلميّة ، وإن كانت تقتضي حَمْل الأخبار الظّاهرة في الوجوب على الاستحباب لأجل هذه الرّوايات الصّريحة في جواز التبعيض ، إلَّا أنَّ النفسَ هنا في هذا المقام لا تطمئنّ بذلك ، ولا تستريح لذهاب معظم المتقدّمين ، وجميع متأخّري المتأخّرين إلى القول بوجوب سورة كاملة بعد الحمد ، ولمخالفة أهل السنّة المخالفين ، حيث نقل اتّفاقهم على استحباب السّورة ، وجواز تبعيضها .
ومن هنا ذهب بعض الأعلام إلى حمل الأخبار الدّالة على التبعيض على التقيّة ، فإنّ الحمل على التقيّة ، وإن كان في غير محلّه إذا أمكن الجمع بين الأخبار ، إلَّا أنَّه يصلح للتأييد .
والخلاصة : أنَّ القول بوجوب سورة كاملة بعد الحمد ، لو لم يكن أقوى ، فهو أحوط وجوباً ، والله العالم بحقائق أحكامه .
قوله : (ويجب مراعاة إعرابها وبنائها)[8]
المعروف بين الأعلام أنه تبطل الصَّلاة مع الإخلال عمداً بشيء من إعراب الكلمات وبنائها ، وفي المنتهى : (لا خلاف فيه) ، وعن المعتبر : (الإجماع عليه) .
ولا فرق في الإخلال بين كونه مغيِّراً للمعنى ، كضمّ تاء {أنعمت} ، أو لا كفتح دالّ {الحمد} ، لأنَّ الإعراب كيفيّة للقراءة ، وكما وجب الإتيان بحروفها وجب الإتيان بالإعراب المتلقى من صاحب الشّرع .
وحُكيَ عن المعتبر عن بعض الجمهور أنَّه لا يقدح في الصّحّة الإخلال بالإعراب الذي لا يغيِّر المعنى ، لِصدق القراءة معه ، قال في المدارك : (وهو منسوب للمرتضى في بعض رسائله)[9] ثمَّ قال : (لا ريب في ضعفه) .
ثمَّ إنَّه قدِ استُدل للبطلان - مع الإخلال عمداً بشيءٍ من إعرابها وبنائها - :
بالإجماع تارةً .
وبدخول الهيئة الصّحيحة - إعراباً وبناءً - لغةً في مسمَّى القرآن الكريم ، كما صرّح به في جامع المقاصد (رحمه الله) ، تارةً أخرى .
وثالثةً : بأنّه المنساق من إطلاق الأوامر .
أقول : أمَّا الإجماع المنقول بخبر الواحد فهو يصلح للتأييد فقط .
وأمَّا القول بدخول الهيئة الصّحيحة إعراباً وبناءً في مسمَّى القرآن فهو الإنصاف ، إذ يعتبر في كون المقروء قرآناً حقيقة كونه بعينه هو الهيئة المنزَلة من الله تعالى على نبيّه (صلى الله عليه وآله) مادةً وصورةً ، فالإخلال بصورته التي هي عبارة عن الهيئات المعتبرة في العربيّة بحسب وضع الواضع ، كالإخلال بمادته ، مانع من صدق كونه هي تلك الهيئة .
ويصحّ أنَّ يقال : إنّ هذه الكلمة بهذه الكيفيّة ليست بقرآن ، كما هو واضح .
وأمَّا إطلاق اسم قراءة القرآن على المجموع المشتمل على الجزء الملحون فهو إمَّا من باب التجوّز ، أو التغليب .
وأمَّا الدليل الثالث - وهو أنَّه المنساق من إطلاق الأوامر - : فهو صحيح أيضاً .
ثمَّ إنَّه يقع الكلام في كفاية الإتيان بالقراءة صحيحةً بحسب اللغة العربيّة ، وإن لم يكن بإحدى القرآت التي يقرأ بها القرآن الكريم ، أم أنَّه يشترط أنَّ تكون القراءة متعارفة في زمن الأئمة عليهم السَّلام ؟
والصحيح هو الثاني .