< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(14)

 

والإنصاف : أنَّ في الرّواية عدَّة احتمالات :

الأوَّل : هذا الاحتمال المذكور .

الثاني : أنَّه يقرأ الفاتحة فيما يستقبل من الرّكعات ، ويكتفي بما قرأه في هذه الرّكعة .

الثالث : أنَّها مسوقة لبيان كيفيّة المضيّ في صلاته ، فكأنّه قال : يمضي في صلاته مبتدئاً من الفاتحة ثمَّ الإتيان بالسّورة بعدها .

الرابع : ما ذكره صاحب الوسائل رحمه الله قال : (هذا محمول على مَنْ ذكر بعد الرّكوع ... ) [1] .

والجواب أوَّلاً : أنَّ الرّواية ضعيفة السّند بعبد الله بن الحسن ، فإنَّه مهمل .

وثانياً : أنَّ الاحتمال الرّابع بعيد جدًّا عن ظاهر الرّواية ، فقول السَّائل : (ثمَّ ذَكَر بعدما فرغ من السّورة)[2] ، فإنَّه ظاهر جدًّا في أنّ التذكّر كان قبل الرّكوع .

وأمَّا الاحتمال الثاني : فهو وإن كان أقرب الاحتمالات في الرّواية إلّا أنّه غير مقبول أصلاً ، للدّليل الدَّال على وجوب تدارك الحمد ما لم يركع .

مضافاً للتسالم بين الأعلام على أنّه إذا نسي الفاتحة ، وذكر قبل الرّكوع لا بدّ من الإتيان بها .

وأمَّا الاحتمال الثالث : فإنَّه وإن كان مطابقاً للقاعدة إلَّا أنّه خلاف الظّاهر من الرّواية .

وأمَّا الاحتمال الأوَّل : فهو أيضاً لا شاهد له ، لأنَّ الظّاهر من قوله عليه السلام : (ويقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل) أي في الرّكعات الآتية .

والذي يهوِّن الخطب : أنَّ الرّواية ضعيفة السَّند ، معرَض عنها عند الأعلام .

والخلاصة إلى هنا : أنَّه لا بدّ من إعادة السّورة بعد الفاتحة .

ثمَّ إنّه لو كان التذكّر قبل الرّكوع ، وبعد قراءة الفاتحة ، فهل يعيد السّورة فقط ، أم يعيد معها الفاتحة ، يظهر من جماعة من الأعلام أنّه يعيد الفاتحة أيضاً .

ووجهه أنَّ مخالفة الترتيب كما تبطل السّورة بتقديمها كذلك تبطل الفاتحة بتأخيرها ، فلا بدّ من إعادتهما معاً .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ الظّاهر من الأدلّة الدّالّة على الترتيب بين السّورة والفاتحة هو أنّه يعتبر في الفاتحة أن تكون بعدها سورة ، ويعتبر في السّورة أن تكون قبلها فاتحة .

وعليه ، فإذا قرأ السّورة ، ثمَّ قرأ الفاتحة كانت السّورة مخالفة للترتيب ، إذ لم تكن قبلها فاتحة ، وليست كذلك الفاتحة لإمكان أن تكون بعدها سورة ، فإذا قرأ السّورة بعدها وقعتا معاً على وفق الترتيب .

وعليه ، فلا حاجة لإعادة الفاتحة ، بل يعيد السّورة فقط ، هذا مقتضى الصناعة العلميّة .

ولكنَّ الأحوط الأولى إعادة الفاتحة أيضا ً، والله العالم .

قوله : (وتجب القراءة بالعربيَّة ، فلا تجزئ بالعجميَّة ولو مع العجز ، لفوات ما به حصل الإعجاز)[3]

لا إشكال بين الأعلام في عدم إجزاء الترجمة اختياراً ، ولو بالعربيَّة ، فضلاً عن الفارسيّة ، فإنّ ترجمتها تخرجها عن كونها قرآناً .

وبعبارة أخرى : يعتبر في صدق قراءة القرآن هو الإتيان بألفاظ مماثلة للألفاظ النازلة على النّبيِّ (صلى الله عليه وآله) بقصد حكاية تلك الألفاظ الخاصّة النازلة على قلب النبي (صلى الله عليه وآله) ، فيكون الدَّال لفظاً ، والمدلول أيضاً هو اللفظ الذي نزل به جبرائيل عليه السلام على قلب النّبيِّ (صلى الله عليه وآله) ، ، وإلَّا فبدون قصد الحكاية لا يصدق عنوان القرآن ، بل هو قول مطابق له ومشابه له .

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (لا تجزئ القراءة بغير العربيّة ، ولا بمرادفها منها ، بإجماعنا ، لِقوله تعالى : {إنا أنزلناه قرآنا عربيا}[4] ، ولفوات الإعجاز ، إذ هو باعتبار لفظه ونظمه ، ولأنَّ الترجمة مغايرة للمترجم ، وإلَّا لكانت ترجمة الشِّعر شعراً ، ولأنَّ النّبيِّ (صلى الله عليه وآله) لم يفعله ، ولا نقل عن أحد من الأئمة والصحابة ... )[5] .

والخلاصة : أنَّه لا إشكال بين جميع الأعلام وفي جميع الأعصار والأمصار ، في عدم إجزاء الترجمة اختياراً ، ووافقنا على ذلك جمهور العامّة .

وحكي عن أبي حنيفة أنّه تجزي الترجمة ، لقوله سبحانه وتعالى : {لأنذركم به ومن بلغ}[6] ، وإنما ينذر كلّ قوم بلسانهم .

ويرد عليه أوَّلاً : أنَّه ورد في بعض الرّوايات أنَّ المراد بمَنْ بلغ الأئمة عليهم السلام ، فهو عطف على الفاعل في قوله : {لأنذركم } ، ففي تفسير علي بن إبراهيم[7] (قال - أي عليّ بن إبراهيم - مَنْ بلغ هو الإمام ، قال : محمَّد ينذر ، وإنا نقول كما أنذر به النّبيّ (صلى الله عليه وآله)) .

ولكنَّ الرّواية ضعيفة بالإرسال .

وثانياً : أنَّه لو سلّمنا عطفه على المفعول ، إلَّا أنَّ الإنذار بالقرآن الكريم يصدق مع إيضاح المعنى بالترجمة ، ولا يستلزم نقل اللفظ بعينه ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنَّ قراءة القرآن الكريم التي يشترط فيها قصد حكاية الألفاظ الخاصّة النازلة على قلب النّبيّ (صلى الله عليه وآله) لا تصدق بالترجمة ، كما لا يخفى ، هذا كلّه في حال الاختيار .

وأمَّا في حال الاضطرار ، كما لو عجز عن العربيَّة في القراءة ولم يمكنه إلّا بالترجمة ، قال المصنّف رحمه الله في الذكرى : (لو ضاق الوقت ، ولا يعلم غير الترجمة ، ففي تقديمها على الذّكر - الذي هو بدل عن القرءاة - تردد ؛ والذي اختاره الشّيخ رحمه الله في الخلاف أنّه يذكر الله ويكبرّه ، ولا يقرأ بالمعنى بغير العربيّة بأيّ لغة كانت ، فإن فعل ذلك بطلت صلاته إلى آخر عبارة الشَّيخ في الخلاف)[8] .

ثمَّ قال المصنِّف رحمه الله : (ويحتمل تقديم الترجمة على الذِّكر لقربه إلى القرآن ، ولجواز التبكير بالعجميّة عند الضرورة - إلى أن قال : - بأنّ المقصود في التكبير لا يتغيّر بالترجمة ، إذ الغرض الأهم معناه ، فالترجمة أقرب إليه ، بخلاف القرآن فإنّ الإعجاز يفوت ، إذ نظم القرآن معجز ، وهو الغرض الأقصى ، وهذا هو الأصحّ )[9] .

أقول : مقتضى الإنصاف هو عدم الاعتبار بالترجمة أصلاً ولو في حال العجز والاضطرار ، ضرورة عدم كونها قرآناً فينتقل حينئذٍ إلى الذِّكر من التسبيح والتحميد ، كما سيأتي إنْ شاء الله تعالى.

نعم ، بناءً على الاجتزاء بمطلق الذّكر لدى العجز عن قراءة شيء من القرآن إمَّا مطلقا ، أو لدى العجز عن التسبيح والتحميد اتّجه الاجتزاء بترجمة الفاتحة ونظائرها ، لا من حيث كونها ترجمة للقرآن ، بل من حيث كونها من مصاديق الذّكر ، إلَّا الآيات القرآنية التي هي من قبيل القصص والحكايات ، فإنّها ليست ذكراً .

وأمَّا قياس القراءة على التكبير فهو قياس مع الفارق ، كما ذكره المصنّف رحمه الله في الذكرى ، وقد تقدّمت عبارته ، والله العالم .


[7] تفسير علي بن إبراهيم : ج1/ ص195.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo