< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(19)

 

قوله : (وهو المُجزِئ عنها في موضع التخيير على الأقوى ، وقد بيّناه في الذكرى)[1]

المعروف بين الأعلام إذا لم يُحسِن شيئاً من القرآن عوَّض بالذِّكر ، وفي الجواهر : (بل لا أجد فيه خلافاً ، إلَّا من بعض الناس ، فاحتمل تقديم الترجمة عليه - يقصد ترجمة القرآن - وهو اجتهاد في مقابلة النصّ ، بل كأنَّه خرق للإجماع ، قال في موضع من المحكي عن الخلاف : إنْ لم يُحسِن شيئاً من القرآن أصلاً وجب أنْ يحمد الله مكان القراءة إجماعاً ... )[2] ؛ وفي الحدائق : (المشهور أنَّه يسبِّح الله تعالى ويهلّله ويكبره ... )[3] .

وعن المصنِّف رحمه الله في الذكرى : زيادة التحميد ، وعن مجمع البرهان : نقّص التهليل .

والظَّاهر أنَّ غرض الجميع هو مطلق الذِّكر ، وما ذكروه من التسبيح والتهليل وغيره إنَّما هو من باب المثال .

وقال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (ولو قيل : بتعيُّن ما يُجزِئ في الأخيرتين من التسبيح ، كان وجهاً ، لأنَّه قد ثبت بدليّته عن الحمد في الأخيريتين ، فلا يقصد بدل الحمد في الأُولتين عنهما)[4] .

وعن السَّيد السَّند رحمه الله في المدارك : (أنَّه أحوط) .

أقول : لكي يتضح الحال لا بدّ من ذكر الرّوايات الواردة في المقام ، وهي ثلاثة :

الأُولى : النبويّ المتقدّمة (إذا قمت إلى الصّلاة فإنْ كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلَّا فاحمد الله تعالى ، وهلِّله وكبِّره )[5] ، وهو واضح في الاكتفاء بالتحميد والتهليل والتكبير .

ولعلّ المراد مطلق الذِّكر ، إلَّا أنَّه ضعيف جدّاً ، كما تقدَّم .

الثانية : وهي نبويّة أيضاً ، حيث روت العامَّة (أنَّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله) لَمَّا قال له رجل : يا رسول الله ! لا أستطيع شيئاً من القرآن ، فعلّمني ما يجزيني في الصلاة ، فقال : قل : سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ... )[6] [7] .

ورواه المصنِّف رحمه الله في الذكرى بدون لفظ (في الصَّلاة) بعد كلمة (ما يجزئ) .

وهذا النبويّ ظاهر فيما اختاره المصنِّف رحمه الله في الذكرى من تعيّن التسبيحات الأربع .

ولكنّه ضعيف أيضاً لم يرد من طرقنا أصلاً .

أضف إلى ذلك : أنَّه غير ظاهر في الصَّلاة ، على روايةِ المصنف رحمه الله في الذكرى .

الثالثة : صحيحة عبد الله بن سنان المتقدِّمة (أَلَا ترى لو أنَّ رجلاً دخل في الإسلام - لا يُحسِن أن يقرأ القرآن - أجزأه أن يكبِّر ويسبِّح ويصلِّي)[8] .

وعن الأردبيلي رحمه الله احتمال أنْ يكون المراد من التكبير فيه تكبيرة الإحرام .

وعليه ، فيكون بالتسبيح وحده كافياً ، وأمَّا قوله : (ويصلِّي) أي : يمضي في صلاته .

والخلاصة : أنّه إذا لم يكن المراد من التكبير في الصَّحيحة هو تكبيرة الإحرام التسبيحات الأربع.

 

ثمَّ إنه هل يجب أن يكون التسبيح بقدر القراءة ، أم لا ؟

المشهور بين الأعلام هو كونه بقدرها ، خلافاً لجماعة من الأعلام ، منهم المحقِّق رحمه الله ، حيث ذهبوا إلى استحباب المساواة .

قال المحقِّق رحمه الله في المعتبر : (وقولنا : بقدر القراءة ، نريد به الاستحباب ، لأنَّ القراءة إذا سقطت لعدم القدرة سقطت توابعها ، وصار ما تيسَّر من الذِّكر والتسبيح كافياً)[9] .

والإنصاف : عدم وجوب المساواة ، لأنَّ صحيحة ابن سنان المتقدِّمة ظاهرة في الاجتزاء بمطلق التكبير والتسبيح ، وكذا النبويين المتقدمين ، فإنَّهما ظاهران في الاجتزاء بمطلق التحميد والتكبير ، أو التسبيحات الأربع بإضافة الحوقلة ، ولكنَّهما ضعيفان ، فيصلحان للتأييد فقط .

ثمَّ لو شككنا في وجوب المساواة فالأصل هو البراءة ، والله العالم .

 

قوله : (ولو أحسن بعضه أتى ، وفي تكراره الوجهان به)

قد عرفت أنَّ يكفي مطلق التكبير والتسبيح حال الاختيار ، فمن باب أولى يكتفي بالبعض حال العجز ، فلا موجب للتكرار .

قوله : (ولو أحسن الذِّكر بالعجميَّة فالأقرب وجوبه)

وهو الصَّحيح ، لأنَّ الذِّكْر لا يخرج عن كونه ذِكْراً بالترجمة ، والله العالم .

 

قوله : (وفي ترجيحه على القراءة بالعُجميَّة نظر)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى : (ولو كان يحسن قرآناً مترجماً ففي ترجيح الذِّكْر المترجم عليه ، أو بالعكس ، نظر ، من حيث أنَّ ترجمة القرآن أقرب إليه من الذِّكْر ، ومن أنَّ الغرض الأقصى من القرآن نظمه المعجز ، وهو يفوت بالترجمة ، بخلاف الأذكار كما سلف ، وقوَّى الفاضل تقديم القرآن هنا) .

أقول : قد ذكرنا سابقاً أنَّ الإنصاف عدم الاعتبار بترجمة القرآن في حال الاختيار ، ضرورة عدم كونها قرآناً ، بعد وضوح أنَّ لألفاظ القرآن الكريم دخلاً في قِوام قرآنيَّتها .

نعم ، بناءً على الاجتزاء بمطلق الذِّكْر لدى العجز عن قراءة شيءٍ من القرآن إمَّا مطلقاً ، أو عند العجز عن التسبيح والتحميد والتهليل اتَّجه الاجتزاء بترجمة الفاتحة ونظائرها ، لا من حيث كونها ترجمةً للقرآن ، بل من حيث كونها من مصاديق الذِّكْر ، وهذا بخلاف سائر الآيات القرآنيَّة التي هي من قبيل القِصص والحكايات ، فلا يُجتزأ بترجمتها أصلاً .

وعليه ، فإذا كانت ترجمة الفاتحة من مصاديق الذِّكر فلا يعني حينئذٍ في ترجيح القرآن الكريم المترجم على الذِّكر بالعُجميَّة أو بالعكس ، طالما أنَّ الجميع داخل تحت عنوان الذِّكْر .

نعم ، لو لم يكن ترجمة الفاتحة من مصاديق الذِّكْر لكان الأقوى تقديم ترجمة الذِّكْر على ترجمتها ، لأنَّ الذِّكْر لا يخرج عن كونه ذِكْراً بالترجمة ، بخلاف القرآن الكريم حسب الفرض ، والله العالم .

 

قوله : (ولو لم يُحسِن قرآناً ، ولا ذِكْراً ، وجب الوقوف بقدرها)

كما هو المعروف بين الأعلام ، قال في نهاية الأحكام : (ولو لم يعلم شيئاً من القرآن ، ولا من الأذكار ، وضاق الوقت عن التعلّم ، وجب أن يقوم بقدر الفاتحة ، ثمَّ يركع) .

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (وإنْ تعذَّر احتمل وجوب قيام بقدر الحمد ، لعموم فأتوا منه ما استطعتم ، وهو مختار الفاضل رحمه الله ) .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo