< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(20)

 

وفيه أوَّلاً : أنَّ ما استُدلّ به على وجوب القيام بقدرها من قوله (صلى الله عليه وآله) : (إذا أمرتم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) هو نبويّ ضعيف جدّاً .

وثانياً : أنَّ ما ذكر من عجزه عن القرآن والذكر - ولو مع الترجمة - فرض بعيد بحسب العادة .

 

قوله : (ولو أمكن الائتمام وجب ، ولا يسقط به وجوب التعلّم)[1]

قد ذكرنا سابقاً أنَّه لا يجب عليه الائتمام ، بناءً على ما هو الأقوى عندنا من أنَّ الائتمام مسقط للقراءة ، لا أنَّه عدل للواجب التخييري .

وأمَّا على المبنى الآخر فبما أنَّه عاجز عن الأصل ، وعن البدل ، فيتعيَّن حينئذٍ العِدل الآخر ، وهو الائتمام .

وأمَّا عدم سقوط وجوب التعلّم فهو في محلّه ، إذ لا موجب لسقوطه ، والله العالم .

 

قوله : (وفي السّورة يقرأ ما تيسّر عند العجز عن الكاملة ، فإن تعذّر أجزات الفاتحة عند الضِّيق)

المعروف بين الأعلام أنَّ حال السّورة - بناءً على وجوبها - حال الحمد في أنَّه يجب على من لم يحسنها أن يتعلّمها ما لم يتضيّق الوقت ، وإذا تضيّق الوقت أتى بما يحسنه منها ، كالفاتحة ، ولو لم يحسن المصلّي شيئاً منها سقط التكليف بها ، ولا يجب البدل لها ، وذلك لقصور دليل البدليَّة عن الشّمول للسّورة ، لأنَّ ما دلّ على البدليّة من الإجماع إنّما دلّ عليه في خصوص جاهل الفاتحة .

ولا إجماع عليه في جاهل السّورة ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع على عدم وجوبه مع الجهل بالسّورة ، هذا كله بناءً على صحّة الاعتماد على الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وإلّا فقد عرفت ما فيه .

والعمدة في المقام هو ما دلّ على البدليّة بالنصوص ، وموردها جاهل القراءة كليّة ، فلا تشمل صورة معرفة الفاتحة والجهل بالسّورة .

وبالجملة ، فإنَّ النصوص إنّما دلّت على البدليّة فيمَنْ ليس عنده شيء من القرآن ، وهو لا يصدق على مَنْ يعرف الفاتحة ويجهل السّورة .

وعليه ، فبدليّة الذِكْر إنَّما هي عند الجهل بأصل قراءة القرآن ، لا خصوص الفاتحة .

ومن هنا يكون الذِكْر بدلاً عنها وعن السّورة إذا لم يحسن شيئاً من القرآن أصلاً ، فتكفي التسبيحات الأربع مرةً واحدةً عنهما ، ولا حاجة إلى تكريره بدلاً عن كلٍّ منهما ، وإن كان هو أحوط ؛ كما أنَّ الأحوط عدم قصد بدليّتها عن خصوص الفاتحة ، بل عن القراءة الواجبة عليه ، والله العالم .

 

قوله : ((فرع) : لو تعلّم في أثناء الصّلاة انتقل من البدل إليه ولو كان بعد فراغه منه ، ما لم يركع)

قال المصنّف رحمه الله في الذكرى (ولو تعلّم في الأثناء فإن كان قبل شروعه في البدل قرأ المبدل ، وإن كان في أثناء البدل قال في التذكرة : قرأ ما لم يأتِ ببدله ، لأنّه امتثل ، ولو قيل : بوجوب المبدل كلّه كان وجهاً ، لأنّه في محلّ القراءة بعد ، وهو متمكّن منها ، سواء كان قد شرع في الذِكْر ، فتعلّم بعض القرآن أو تعلّم الفاتحة ، أو كان قد شرع في غيرها من القراءة فتعلّم الفاتحة ؛ نعم ، لو كان قد ركع مضت الرّكعة واستأنف القراءة فيما بقي.... ) [2]

أقول : لا إشكال في وجوب المبدل إذا كان التعلّم قبل الشّروع في البدل ، كما أنّه لا إشكال في سقوطه إذا كان التعلّم بعد فوات المحلّ ، أي بعد الرّكوع .

وإنّما الكلام لو حصل التعلّم في الأثناء ، أو بعد الفراغ من البدل ، وقبل الركوع .

والإنصاف : هو عدم الإجزاء ، لأنَّ أدلّة البدليّة ظاهرة في استمرار العذر إلى آخر الصّلاة ، أو فيما إذا فات المحلّ ، ولا تشمل ما لو ارتفع العذر قبل فوات المحلّ .

ومن هنا يجب عليه المبدل ، إذ لا أمر حينئذٍ لكي يقتضي الإجزاء ، بل هو تخيّل الأمر لتخيّل استمرار العذر ، والله العالم .

 

قوله : (والأخرس يحرِّك لسانه ، ويعقد قلبه بمعناها ، إن أمكن فهمه)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (قراءة الأخرس تحريك لسانه بها مهما أمكن ، ويعقد قلبه بمعناها ، لأنَّ الميسور لا يسقط بالمعسور ؛ وروى الكليني عن السّكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن في الصّلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه .

وهذا يدلّ على اعتبار الإشارة بالإصبع في القراءة ، كما مر في التكبير ... )[3]

أقول : لا خلاف بين الأعلام في أنَّ الأخرس يحرّك لسانه بالقراءة ، بل هو متسالم عليه في جميع الأعصار والأمصار ، كما أنَّ المعروف بينهم اعتبار الإشارة بإصبعه أيضاً عند تحريك لسانه لروايه السّكوني التي أشار إليها المصنف رحمه الله ، وهي معتبرة من حيث السّند .

وأمَّا الاستدلال لذلك بقاعدة أنَّ الميسور لا يسقط ففي غير محلّه ، لما عرفت أنّ الرّواية الواردة بذلك ضعيفة بالإرسال .

ثمَّ إنّه يبقى الكلام في المراد بعقد القلب بها ، ويظهر من جماعة من الأعلام أنَّ المراد هو أنْ يقصد كون هذه الحركة حركة قراءة ، لتتميز بذلك عن حركته في غيرها ، باعتبار أنّ حركة اللسان أعمّ من القراءة ، فلا تنصرف إليها إلَّا بالقصد والنية .

والظّاهر من كلام المصنّف رحمه الله هنا وفي البيان أنَّ المراد بعقد القلب قصد معاني الحمد والسورة وتصوّرها بقلبه ، بل هو صريحه في الذكرى ، حيث قال : (ولو تعذّر إفهامه جميع معانيها أُفهم البعض ، وحرك لسانه به ، وأُمر بتحريك لسانه بقدر الباقي تقريباً وإن لم يفهم معناه مفصّلاً ، وهذه لم أرَ فيها نصّاً) .

وأشكل عليه المحقِّق رحمه الله في جامع المقاصد : (بأنّه لا دليل على وجوب ذلك على الأخرس ولا غيره ، ولو وجب ذلك لعمَّت البلوى أكثر الخلائق ، والذي يظهر لي أنّ مراد القائلين بوجوب عقد قلب الأخرس بمعنى القراءة وجوب القصد بحركة اللسان إلى كونها حركة للقراءة ، إذ الحركة صالحة لحركة القراءة وغيرها ، فلا يتخصّص إلّا بالنية ... ) .[4]

والإنصاف : أنّه لا يجب على الصّحيح القادر المختار أن يؤدي تلك المعاني بألفاظها في ضمن القراءة فضلاً عن الأخرس ، ضرورة كون معاني القراءة من حيث هي خارجة عن ماهية المأمور به .

وقد ذكرنا في بعض المناسبات أنّ قراءة القرآن لا بدّ فيها من قصد الحكاية الراجع إلى استعمال اللفظ في اللفظ الخاص الذي نزل به الروح الأمين على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) .

وعليه ، فالقارئ يتلفّظ مستعملاً لفظه في اللفظ الجزئيّ الخاصّ حاكياً عنه حكايةً استعماليةً .

ويشير بإصبعه لدى العجز عن النطق بها ، لا حكاية معانيها من حيث هي .

إنْ قلت : إنَّ الأخرس إذا كان أصمّ ، كما هو الغالب للتلازم بينهما ، فلا يمكنه ذلك حينئذٍ ، لأنَّه لم يعقل الألفاظ ، ولم يسمعها ، ولم يعرف أنّ في الوجوب لفظاً حتّى يقصده بلسانه ، ويشير إليه بإصبعه .

قلت : يمكن أن يقصد على نحو الإجمال ، لأنّ قصده إلى فعل ما يفعله الناطق على الوجه الذي يفعله هو قصد للفظ إجمالاً ، وهو سهل عليه ، والله العالم بحقائق أحكامه .

 

قوله : (والألثغ وشبهه يجب عليه إصلاح اللسان ، فإنْ تعذَّر أجزأ ، والأشبه عدم وجوب الائتمام عليه)

هذا هو المعروف بين الأعلام ، بل الظّاهر أنّه لا خلاف فيه ، قال المصنّف رحمه الله في الذكرى : (والتمتام والفأفاء والألثغ والأليغ يجب عليهم السّعي في إصلاح اللسان ، ولا يجوز لهم الصّلاة مع سعة الوقت مهما أمكن التعلّم ، فإنّ تعذّر ذلك صحّت القراءة بما يقدرون عليه ، والأقرب عدم وجوب الائتمام عليهم ، لأنَّ صلاتهم مشروعة) .

وبالجملة ، ما ذكره المصنّف رحمه الله في الذكرى وهنا هو متّفق عليه بين الأعلام ، ويشهد له بعض الرّوايات :

منها : معتبرة السّكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قال النّبيّ (صلى الله عليه وآله) : إنَّ الرجل الأعجمي من أمتي ليقرأ القرآن بعجميّة فترفعه الملائكة على عربيته) .[5]

ويستفاد منها أنّ الله سبحانه وتعالى بمزيد فضله وكرمه يوكل الملائكة بإصلاحه ، فلا يرفع إليه إلّا على الهيئة والكيفيّة المأمور بها .

ومنها : رواية مسعدة بن صدقة (قال : سمعت جعفر بن محمد عليه السلام (يقول : إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصّلاة والتشهّد ، وما أشبه ذلك ، فهذا بمنزلة العجم والمحرم ، ولا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح ... ) .[6]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo