< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

38/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : القراءة في الصَّلاة(39)

 

فإنَّه يقال : إنَّ المجلسي رحمه الله رواها في مورد آخر من البحار مع هذه الزِّيادة .

وعليه ، فيتعارض نقله في الموردين فيسقط حينئذٍ عن الاعتبار ، وبالتالي لا يوجد معارِض لنقل صاحب الوسائل رحمه الله .

والخلاصة إلى هنا : أنَّ صحيحة عليّ بن جعفر تدلّ على الجواز تكليفاً ووضعاً ، أي لا يحرم قراءة العزائم في الفريضة ، ولا تبطل الصّلاة بالسّجود لها .

وأمَّا القول : بأنّ هذه الصّحيحة أعرض عنها المشهور ، وأنّها مخالفة لدعوى الإجماع على خلافها ، فهو في غير محلّه ، وذلك لأنّ المشهور لم يعرِض عنها ، بل استدلّوا بها للقول بالحرمة والبطلان ،.

ولو سلّمنا تحقّق الإعراض عنها إلّا أنّك عرفت أنّ إعراض المشهور لا يوحب وَهْن الرّواية ، كما أنّ حكاية الإجماع على خلافها لا يوجب وَهْنها .

ثمَّ إنَّه قدِ استُدل للجواز أيضاً بعدَّة روايات :

الأُولى : رواية عليّ بن جعفر الثانية عن أخيه (قال : سألتُه عن إمامٍ يقرأ السَّجدة فأحدث قبل أن يسجد ، كيف يصنع ؟ قال : يقدم غيره ، فيسجد ويسجدون وينصرف ، وقد تمَّت صلاتهم)[1] ، وهي واضحة جدّاً ، ولكنَّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن .

ورواها صاحب الوسائل رحمه الله في أبواب قراءة القرآن من كتاب عليّ بن جعفر ، هكذا : (قال : سألتُه عن إمامٍ قرأ السَّجدة فأحدث قبل أن يسجد ، كيف يصنع ؟ قال : يقدم غيره ، فيتشهد ويسجد وينصرف ، وقد تمّت صلاتهم) [2] ، وهي بهذا الطّريق وإن كانت صحيحةً إلّا أنّه لا يوجد فيها محلّ الشّاهد ، وهو قوله : (ويسجدون) .

وعليه ، فهي أجنبية عن المقام ، إذ لم يتعرّض فيها لسجود المأمومين ، فهي ناظرة إلى عدم وجوب السّجود بمجرد السّماع ، فتكون خارجةً عن محلّ الكلام . بقي الكلام في معنى الرّواية ، قال العلّامة المجلسي رحمه الله في البحار (أنَّه يحتمل وجوها :

الأوَّل : أن يكون فاعل التشهّد والسّجود والانصراف الإمام الأوَّل ، فيكون التشهّد محمولاً على الاستحباب للانصراف من الصلاة ، والسّجود للتلاوة لعدم اشتراط الطهارة فيه .

الثاني : أن يكون فاعل الأوّلين الإمام الثاني ، بناءً على أنّ الإمام قد ركع معهم ، فالمراد بقول السّائل ، (قبل أن يسجد) قبل سجود الصّلاة لا سجود التلاوة ، ولا يخفى بُعْده .

الثالث : أن يكون فاعل التشهد الإمام الثاني ، ويكون المراد بالتشهّد إتمام الصّلاة بهم ، وعبّر عنه بالتشهّد لأنَّه آخر أفعالها ، ويسجد الإمام الأوّل للتلاوة وينصرف .

الرابع : أن يكون فاعل الأوّلين الإمام الثاني ، ويكون المراد بالتشهّد إتمام الصّلاة بهم ، وبالسجود سجود التلاوة ، أي يتمّ الصّلاة بهم ، ويسجد للتلاوة بعد الصّلاة .

وأمَّا على ما في قرب الإسناد فالمعنى يسجد الإمام الثاني بالقوم ، إمَّا في أثناء الصلاة كما هو الظاهر ، أو بعدها على احتمال بعيد ، وينصرف - أي الإمام الأول - بعد السّجود منفرداً أو قبله بناءً على اشتراط الطّهارة فيه ، وهو أظهر من الخبر)[3] ؛ وإنَّما نقلناه بتمامه لما فيه من الفائدة .

الثانية : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (أنّه سُئِل عن الرّجل يقرأ بالسّجدة في آخر السّورة ، قال : يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ، ثمَّ يركع ويسجد) [4] ، وهي مطلقة تشمل الفريضة والنافلة .

الثالثة : رواية أبي البختري وهب بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام (أنّه قال : إذا كان آخر السّورة السّجدة أجزأك أن تركع بها) [5] ، وهي ضعيفة بوهب بن وهب .

وقد حملها الشّيخ رحمه الله على مَنْ لم يتمكّن من السّجود فأومى .

الرابعة : موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إنْ صلَّيت مع قومٍ ، فقرأ الإمام : {اقرأ باسم ربِّك الذي خلق} ، أو شيئاً من العزائم وفرغ من قراءته ، ولم يسجد ، فأوم إيماء ، والحائض تسجد إذا سمعت السّجدة) [6] ، والظّاهر أنّ المراد بالإمام هو الإمام المخالف .

وعليه ، فمع الضّرورة يومئ إيماءً .

الخامسة : موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : في الرّجل يسمع السّجدة - إلى أن قال : - وعن الرّجل يقرأ في المكتوبة سورةً فيها سجدة من العزائم ، فقال : إذا بلغ موضع السّجدة ، فلا يقرأها ، وإن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورةً غيرها ، ويدع التي فيها السّجدة ، فيرجع إلى غيرها ... ) [7] ، وهي ظاهرة في جواز قراءة سورة العزيمة في الصَّلاة ما لم يقرأ آية السّجدة ، وهي منافية لما ذهب إليه المشهور من المنع ولو بآية واحدة ، كما أنَّها ظاهرة في جواز التبعيض .

ولكنَّك عرفت الإشكال في ذلك ، والله العالم .

المسألة الثانية : في الحرمة والبطلان بمجرد قراءة إحدى سور العزائم وإن لم يسجد .

والمشهور بين الأعلام هو الحرمة والبطلان ، منهم صاحب الجواهر رحمه الله ، حيث قال : (فالبطلان حينئذٍ لازم للخطاب به - أي السجود - لا لفعله ، ضرورة عدم تصور أمر الشارع بالإتمام مع خطابه بالمبطل ، إذ هو حينئذٍ كأمرِ مَنْ وجبت عليه الجنابة للأربعة الأشهر ، أو القي لأكل المغصوب بالصّوم - إلى أن قال : - ومن ذلك يظهر أنّه لا فرق في الحكم بين قراءة جميع السورة وبين قراءة نفس آية السّجدة منها ، بل ولا بين القراءة وبين الاستماع ... )[8] .

وحاصله : أنَّ الأمر بالسّجود أمر بالإبطال ، فكيف يجتمع ذلك مع الأمر بالمضي في الصلاة ؟! نظير ما لو أُمِر بالقيء أو الجنابة في نهار الصّوم لأكله للمغصوب ، أو لمضي أربعة أشهر من وطء الزّوجة ، فكما أنّ الأمر المذكور يُبْطِل الصّوم ، وإن لم يحصل منه القيء أو الجنابة ، كذلك الأمر في المقام ، فإنّ الأمر بالسّجود - عند قراءة إحدى العزائم أو آية السّجدة منها - يُبْطِل الصّلاة ، وإن لم يحصل معه السّجود .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo