الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/06/16
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة(41)
وثانياً : أنَّه لم تثبت حرمة إبطال الفريضة ، بل ذلك مبنيّ على الاحيتاط ، كما أشرنا إليه في عدَّة مناسبات .
وثالثاً : على القول بالتعارض والتساقط ، فإنَّ استصحاب وجوب المضي - بناءً على الوجوب - يكون من استصحاب الحكم الكلِّي ، وقد عرفت ما فيه .
هذا ، وقد استدلّ السّيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله على وجوب تأخير السّجود إلى ما بعد الصّلاة بأنّ هذا التأخير لا ينافي الفوريَّة العرفيَّة .
وفيه : أنَّه ما الفرق بين العامد والسَّاهي حتّى يكون سجود التلاوة فوراً لِمَنْ قرأ آية السَّجدة عمداً ، ويأثم لو أخَّره إلى ما بعد الصَّلاة ، ولا يكون كذلك في السَّاهي .
والإنصاف : أنَّ هذا تحكُّم .
وأمَّا القول الثالث - وهو الإيماء بدل السُّجود - : فقد يُستدلّ له بعدَّةِ رواياتٍ :
منها : موثَّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السَّلام (قال : إنْ صليتَ مع قومٍ ، فقرأَ الإمامُ {اقرأ باسم ربك الذي خلق} ، أو شيئاً من العزائم ، وفرغ من قراءته ولم يسجد ، فأوم إيماءً ، والحائض تسجد إذا سمعت السَّجدة)[1] .
ومنها : رواية سماعة (قال : مَنْ قرأ {اقرأ باسم ربك } ، فإذا ختمها فَلْيسجد ، فإذا قام فَلْيقرأ فاتحة الكتاب وَلْيركع ، قال : وإذا ابتليتَ بها مع إمامٍ لا يسجد فيجزيك الإيماء والرُّكوع ... ) [2] ، وهي مقطوعة ، وليست مسندةً إلى الإمام عليه السَّلام ، ولا أنَّها مضمرة حتَّى يُقال : إنَّ مضمرات سماعة مقبولة ، إذ يحتمل أن يكون فاعل (قال) هو سماعة ، ويكون ذلك فتوًى له لأنَّه من العلماء .
وبالجملة ، فالرّواية ضعيفة سنداً ، كما تقدم .
ثمَّ إنَّه في هاتين الرِّوايتَيْن إشعار بأنَّه لو سجد الإمام لكان على السَّامع السُّجود ولا تبطل به الصَّلاة ، ويكون ذلك مؤيِّداً للقول الأوَّل الذي ذهب إليه كاشف الغطاء رحمه الله .
ولكنَّ مورد الرِّوايتين هو التقيَّة ، فلا مانع من الالتزام في موردهما من السّجود إذا سجد الإمام من باب المراعاة ، وعدم بطلان الصَّلاة بذلك ، لأن التقيَّة أوسع من ذلك ، فلا يُفهم من ذلك جواز السُّجود اختياراً .
ومنها : صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السَّلام (قال : سألتُه عن الرَّجل يكون في صلاة جماعة ، فيقرأ إنسان السَّجدة ، كيف يصنع ؟ قال : يُومِئ برأسه) [3] .
ومنها : صحيحته الثانية (قال : وسألتُه عن الرَّجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السَّجدة ، فقال : يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع ، ثمَّ يقوم فيتم صلاته ، إلَّا أن يكون في فريضة فيُومِئ برأسه إيماءً) [4] .
والإنصاف : أنَّ هذا القول الثالث هو الصَّحيح والمتعيِّن .
إن قلت : إنَّ هذه الرِّوايات مختصَّة بالسّماع ، فالتعدِّي إلى القراءة يحتاج إلى إلغاء خصوصيَّة المورد ، وهو غير متوفِّر .
قلت : بعد التسالم على صحَّة الصَّلاة ، وبعد بطلان سائر الأقوال يتعيَّن الأخذ بهذا القول ، وبذلك تكون خصوصيَّة المورد ملغيةً .