الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
38/06/21
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : القراءة في الصَّلاة(43)
ومن هنا يحتمل قويًّا أنْ يكون مراد الأعلام من التسالم على الحرمة هو الحرمة العرضيّة ، من جهة استلزام قراءة السّورة الطِّوال تفويت الوقت ، وإلَّا فلا مفسدة في قراءتها حتّى تكون حرمتها ذاتيّة .
الأمر الثاني : المعروف بين الأعلام أنَّه إذا قرأها عامداً بطلت صلاته ، قال في الجواهر : (نعم ، يقوى البطلان في المقام لو فرض تشاغله بسورة طويلة في الفريضة حتّى خرج الوقت ، ولم يحصل له ركعة ، لأنَّه افتتحها أداءً ولم تحصل ، وانقلابها قضاءً في الأثناء لا تساعد عليه أدلة القضاء ، ضرورة َظهورها في المفتتحة عليه ، أو التي كانت في الواقع كذلك وإن لم يعلم المكلف ، كما لو صلّى بزعم سعة الوقت ركعةً مثلاً ، ثمَّ بان قصوره قبل إحرازها ، فإنّ الصِّحّة حينئذٍ - بناءً على عدم وجوب التعرض للأداء والقضاء في النية - متِّجهة ، بخلاف المقام الذي فرض فيه سعة الوقت في نفس الأمر لكنَّه فات بعد تلبُّس المصلّي بتقضير من المكلف .
أمَّا لو كان قد أدرك ركعةً ، وكان تشاغله بالسّورة مفوِّتاً لما عداها ، فقد يقوى الصِّحّة وإن فعل محرَّماً بتفويت الوقت الاختياري ... ) .
أقول : أمَّا إذا لم يدرك مقدار ركعة من الوقت فصلاته باطلة حتّى لو قرأ السّورة الطويلة سهواً ، إذ لا دليل على الصِّحّة لأنَّه لا يوجد أمر بالأداء ، لا الأمر الاختياري ولا اضطراري ، ولا أمر بالقضاء أيضاً ، كما ذكره صاحب الجواهر رحمه الله .
وأمَّا تصحيحها ، كما عن المحقِّق الهمداني رحمه الله ، بأن تكون الصّلاة ملفقةً من الأداء والقضاء ، بأن يكون بعضها بداعي الأمر الأدائي وبعضها الآخر بداعي الأمر القضائي ، فليس بتامّ .
وَلْنذكر أوَّلاً ما قاله ، ثمَّ نرى ما هو الإنصاف ، قال : (وربما يفصَّل في المسألة بين ما لو كانت السّورة الطويلة موجبةً لفوات الوقت قبل إدارك ركعة من الصَّلاة ، أو بعده ، فتبطل على الأوَّل ، لأنَّه حال الشّروع كان مأموراً بصلاة أدائيّة ، وقد فرَّط فيها ، ولم يأتِ بها في وقتها كي تقع أداءً ، ولم يكن الأمر بقضائها حال الشّروع منجّزاً عليه كي تصحّ قضاءً .
وهذا بخلاف ما لو وقع ركعة منها في الوقت فإنَّها تصحّ أداءً كما عرفته في المواقيت .
وفيه : تقدمت الإشارة إليه مراراً من أنَّ القضاء وإن كان بأمر جديد إلَّا أنّ الأمر الجديد كاشف عن أنّ مطلوبيّة الصّلوات المؤقّتة مستمرة ، وأنّ تقديها بأوقاتها من قبيل تعدّد المطلوب ، فلا يسقط طلبها بفوات وقتها ، فيستفاد من هذا صحّة التلفيق ، وجواز التلبُّس بالصَّلاة التي يقع بعضها في الوقت وبعضها في خارجه ، مع خروجه عن موضوع كلٍّ من الأمرين ، أي الأمر بفعلها في الوقت وفي خارجه ... ) .
وفيه : أنَّ هذا الكلام إنَّما يتمّ إذا كان القضاء تابعاً للأداء ، ولكنّ ذكرنا في علم الأصول أنّ القضاء بأمر جديد ، وأنّ تقيّدها بأوقاتها ليس من باب تعدّد المطلوب ، بل من باب وحدة المطلوب .
وعليه ، فلا أمر حينئذٍ حتّى تصحّ الصّلاة لا أداءً لِسقوطه ، ولا قضاءً لأنه بعد خروج الوقت ، هذا كلُّه إذا لم يدرك مقدار ركعة .
وأمَّا إذا أدرك مقدار ركعة فالإنصاف : هو التفصيل بين ما لو قرأها عامداً وبين ما لو قرأها ساهياً ، فإن كان عامداً فتبطل الصّلاة إن قصد بقراءتها الجزئيَّة ، كموثّقة أبي بصير (مَنْ زاد في صلاته فعليه الإعادة) .
والسرّ في كونها زيادةً : أنَّه غير مأمور بقراءة السّور الطِّوال الذي يفوت بقراءتها .
نعم ، لو قرأها لا بعنوان الجزئيَّة فلا موجب للبطلان حينئذٍ ، طالما أدرك ركعةً من الوقت ، وإن لم يقدر على قراءة سورة أخرى قصيرة لِضيق الوقت فإنَّ السّورة حينئذٍ ساقطة للضِّيق ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون بسوء اختياره أم لا .
وأمَّا لو قرأها سهواً فتصحّ الصّلاة إذا أدرك ركعةً من الصّلاة في الوقت ، ولا تبطل من جهة الزّيادة لأنّها زيادة سهويّة غير مضرّة .
وقد اتّضح ممّا ذكرنا حال بعض الفروع فلا حاجة للإطالة بذكرها ، والله العالم .
قوله : (وفي القران قولان ، أقربهما الكراهة)
المشهور عند المتقدمين أنَّه لا يجوز أن يُقرِن في الفريضة بين سورتين في قراءة ركعة واحدة ، بل عن الصدوق رحمه الله : أنَّه من دين الإماميّة ، كما عن المرتضى في الانتصار : أنَّه ممَّا انفردت به عن مخالفيهم ، بل عن بعضهم التصريح بالبطلان معه ، ووافقهم أيضاً بعض المتأخّرين ، كصاحب الحدائق رحمه الله ، وذهب أكثر المتأخِّرين إلى الجواز ، وصحّة الصّلاة بالقِران على كراهيّة ، بمعنى أقليّة الثواب .
وقدِ استُدل لمشهور المتقدّمين القائلين بالحرمة أو ظاهرهم الحرمة بعدَّة أدلّة :
منها : صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (قال : سألته عن الرّجل يقرأ السّورتين في الرّكعة ، فقال : لا ، لكلّ سورة ركعة)[1] .
ومنها : صحيحة منصور بن حازم (قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ، ولا بأكثر)[2] .
والرّواية صحيحة لأنّ محمّد بن الحميد ثقة ، لأنّ التوثيق في عبارة النجاشي راجع إليه ، لا إلى الأب .
والاستدلال في هذه الصّحيحة مبنيّ على أن يكون المراد بالأكثر هو سورة أخرى ، لا مجرد الزّيادة على السورة الأولى ، ولو بآية أو أكثر ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى أنَّ الأقوى عدم تحقّق القِران بسورة ، وبعض سورة أخرى .
ومنها : ما رواه العياشي عن المفضل بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام (قال سمعتُه يقول : لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلَّا الضحى ، وألم نشرح ، وألم تر كيف ، ولإيلاف قريش)[3] ، وهي ضعيفة بالإرسال ، وبالمفضل بن صالح .
ورواه المحقِّق رحمه الله في المعتبر نقلاً عن كتاب الجامع لأحمد بن محمّد بن نصر عن المفضل ، وهو ضعيف أيضاً بالإرسال لعدم ذكر المحقّق رحمه الله طريقه إلى الكتاب ، وبالمفضل كما عرفت .