< قائمة الدروس

الموضوع : الركوع في الصَّلاة(14)

 

قوله : (ولا (واو) قبل الحمد ، كما لا (واو) في ربّنا لك الحمد ، رواه محمّد بن مسلم عن الصَّادق عليه السّلام ، وأنّ المأموم يقوله بعد تسميع الإمام ، وأنكر وروده بعض الأصحاب ، مع أنّه جوّزه ، وزاد أبو بصير في روايته عنه : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، ولا بأس به)

أي بعد قوله : (سمع الله لمن حمده) يقول : الحمد لله ، بلا (واو) قبل الحمد ، كما أنَّه لا (واو) بعد (ربّنا) في قولك : ربّنا لك الحمد ، خلافاً للعامّة ، حيث يقولون : ربّنا ولك الحمد .

وبالجملة ، يظهر من المصنِّف رحمه الله هنا وفي الذِّكرى أنّه يستحبّ للمأموم مكان (سمع الله لمن حمده) أن يقول : ( ربّنا لك الحمد) ، بعد قول الإمام : (سمع الله لمن حمده) .

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (وروى الحسين بن سعيد بإسناده إلى أبي بصير عن الصَّادق عليه السلام : سمع الله لمن حمده ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمان الرحيم ، بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، أهل الكبرياء والعظمة والجبروت[1] ، وبإسناده إلى محمّد بن مسلم عنه عليه السلام : إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده ، قال مَنْ خلفه : ربّنا لك الحمد ، وإن كان وحده إماماً أو غيره قال : سمع الله لمن حمده ، الحمد لله رب العالمين[2] - إلى أن قال : - وأنكر في المعتبر : ربّنا لك الحمد ، وذكر أنّ المروي ما ذكره الشَّيخ) .

أقول : يظهر من الشَّيخ أيضاً أنَّه أنكر كون (ربّنا لك الحمد) ، منقولة عن أهل البيت عليه السلام ، حيث حُكي عنه أنّه قال : (ولو قال : ربّنا لك الحمد لم تفسد صلاته ، لأنَّه نوع تحميد ، لكنّ المنقول عن أهل البيت عليهم السلام أَولى) .

قال المصنّف رحمه الله في الذكرى : (والذي أنكره في المعتبر تدفعه قضيّة الأصل ، والخبر حجّة عليه ، وطريقه صحيح ، وإليه ذهب صاحب الفاخر واختاره ابن الجنيد ، ولم يقيّده بالمأموم) .

أقول : اعلم أوَّلاً : أنَّ أغلب علمائنا لم يذكروا من جملة المستحبّات (ربنا لك الحمد) .

وثانياً : أنَّ تلك الرّوايتين المذكورتين في الذّكرى لم يذكر المصنّف رحمه الله في الذّكرى طريقه إلى الحسين بن سعيد ، ولا طريق الحسين بن سعيد إلى أبي بصير ، وإلى محمَّد بن مسلم ، فتكون الرّوايتان ضعيفتين بالإرسال ، وإن شهد رحمه الله بصحتها ، لأنَّ اجتهاده ليس حجّةً على الآخرين .

ولو كانت تلك الرّوايتان موجودتين في أصل الحسين بن سعيد لذكرتا في جوامع المحمدِين الثلاثة ، وغيرها من الكتب المعتبرة .

ولعلّ الأصل الذي وصل إلى الشّهيد رحمه الله كان مشتملاً على تلك الرّوايتين .

والخلاصة إلى هنا : أنَّه لم يثبت استحباب (ربنا لك الحمد) إلَّا على القول بالتسامح في أدلّة السُّنن ، وقد عرفت ما فيه ، والله العالم .

_____________

قوله : (والأقرب أنّ تطويل الدّعاء هنا غير مستحبّ ، فلو فعله فالأقرب : عدم البطلان ما دام اسم الصّلاة)

ذكرنا هذه المسالة بالتفصيل عند قول المصنِّف سابقاً : (ويسكن ولو يسيرا ) ، وبينا أنَّ تطويل الدُّعاء هنا أيضاً مستحب ، وذكرنا صحيحة معاوية بن عمار التي يستفاد منها ذلك ، فراجع .

قوله : (ويستحبّ التكبير للرّكوع قائماً ، وفي الخلاف : يجوز هاوياً ، ورفع اليدين به ، كما سلف)

يقع الكلام في ثلاثة أمور :

الأوَّل : في استحباب التكبير للرّكوع أو وجوبه .

الثاني : بعد القول بالاستحباب ، هل يعتبر أن يكون التكبير للرّكوع في حال القيام ، أم يجوز أن يكبّر وهو في حال الهوي للرّكوع ؟

الثالث : في استحباب رفع اليدين حال التكبير ، على نحو ما مرّ في تكبيرة الإحرام .

أقول : أمّا الأمر الثالث : فقد تقدّم الكلام فيه مفصّلا عند الكلام عن رفع اليدين في تكبيرة الإحرام ، فراجع .

وأمَّا الأمر الأوَّل : فالمعروف بين الأعلام هو الاستحباب .

وحُكي عن ابن أبي عقيل والدّيلمي وجوب التكبير ، وهو ظاهر السَّيد المرتضى رحمه الله أيضاً ، ونقل الشَّيخ رحمه الله في المبسوط القول : بالوجوب ، عن بعض أصحابنا ، وتردَّد فيه المحقّق رحمه الله في الشّرائع ، ثمَّ استظهر الندب .

هذا ، وقدِ استُدلّ للقول بالوجوب بتعلّق الأمر بالتكبير له في جملة من الرّوايات :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال : إذا أردت أن تركع فقل -وأنت منتصب - : الله أكبر ، ثمَّ اركع ... )[3] .

ومنها : حسنة زرارة المرويّة في الكافي (قال : قال أبو جعفر عليه السلام : إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يدك وكبِّر ، ثمَّ اركع واسجد)[4] ، ورواها الشَّيخ رحمه الله في التهذيب ، إلَّا أنَّه ترك قول : (وكبر) .

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام - حيث ورد فيها - (قال : إذا كنت إماماً أو وحدك فقل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلَّا الله ، ثلاث مرات ، تكمله تسع تسبيحات ، ثمَّ تكبِّر وتركع)[5] .

ومنها : صحيحة حمّاد - حيث ورد فيها - (رفع يديه حِيال وجهه ، وقال : الله أكبر ، وهو قائم ، ثمَّ ركع ... )[6] ، وظاهر الأمر في هذه الرّوايات هو الوجوب .

ولكن بإزاء هذه الرّوايات جملة من الرّوايات ظاهرة أو صريحة في استحباب التكبير للرّكوع ، وبها يرفع اليد عن الرّوايات الظّاهرة في الوجوب ، وتحمل على الاستحباب :

منها : صحيحة زرارة المرويّة في الفقيه (قال : قال أبو جعفر عليه السلام : إذا كنتَ كبَّرت في أوّل صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرةً ، ثمَّ نسيت التكبير كلّه ، أو لم تكبِّر ، أجزأك التكبير الأوَّل عن تكبير الصَّلاة كلّها)[7] ، فإنَّ الرّخصة في تقديمها وتركه في مواضعها عمداً ، كما هو قضية ظاهر العطف بكلمة (أو) ظاهرة بعدم كونها من حيث هي ممَّا يخلّ تركها بالصّلاة .

أضف إلى ذلك : أنَّ القائل بالوجوب لا يلتزم بجواز تقديمها .

_____________

 

وعليه ، فتكون هذه الصّحيحة دالّة على استحباب تكبير الرُّكوع ، ولكن أشكل على الصّحيحة بأنّها مرويّة في التهذيب بالعطف بـ (الواو) ، هكذا : (ثمَّ نسيت التكبير كلّه ، ولم تكبّر أجزأك ... ) ، فيشكل الاعتماد عليها حينئذٍ لاختصاصها بمورد النسيان .

ولكنَّ الإنصاف : أنَّ هذا الإشكال في غير محلِّه ، لِمَا ذكرناه في أكثر من مناسبة أنَّه إذا تعارضت نسخة الفقيه أو الكافي مع نسخة التهذيب تقدَّم نسخة الفقيه أو الكافي ، لكونهما أضبط بكثير من التهذبيب ، بل قال صاحب الحدائق رحمه الله : (لا يخفى على من راجع التهذيب وتدبّر أخباره ما وقع للشّيخ من التحريف والتصحيف في الأخبار سنداً ومتناً ، وقلّما يخلو حديث من أحاديثه من علّة في سند أو متن ... ) ، فإنّ هذا الكلام وإن كان لا يخلو من من المبالغة إلَّا أنَّه في الجملة صحيحة .

والخلاصة : أنَّ هذه الصّحيحة تامّة الدّلالة على عدم الوجوب ، وبها يرفع اليد عن الرّوايات الظّاهرة في الوجوب .

ومنها : رواية أبي بصير (قال : سألته عن أدنى ما يجزي في الصَّلاة من التكبير ، قال : تكبيرة واحدة)[8] ، وهي ضعيفة بمحمّد بن سنان ، فالتعبير عنها بالموثّقة ، كما عن جماعة من الأعلام في غير محلّه .

وأمّا الإضمار الموجود فيها فلا يضرّ ، لما هو المعروف من حال أبي بصير من أنَّه لا يروي إلَّا عن الإمام عليه السلام .

ثمَّ إنَّها أيضاً ضعيفة الدّلالة ، لأنَّ الظاهر أنَّ السّؤال فيها إنّما هو بالنسبة إلى التكبيرات الافتتاحيّة ، أي ما هو أدنى ما يجزي من التكبيرات الافتتاحيّة ، وليس السّؤال عن تكبيرات الصَّلاة ليدخل فيه تكبير الرُّكوع .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo