< قائمة الدروس

الموضوع : الركوع في الصَّلاة(16)

قوله : (وجعل اليدين بارزتين ، أو في الكمَّيْن ، ويُكره كونهما تحت الثياب ، وجوَّز ابن الجنيد إدخالهما للمؤتزر أو المتسرول)

المعروف بين الأعلام كراهة أن يركع ويداه تحت جميع ثيابه ، بحيث تكونان ملاصقتين لجسده ، وذكر المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (أنَّه يكره في الرُّكوع خمسة أمور ، منها الرُّكوع ويداه تحت ثيابه ، بل تكونان بارزتين أو في كمَّيْه ، قاله الأصحاب) ؛ ونسبته إلى الأصحاب مشعر بدعوى الإجماع عليه ؛ وكذا الشهيد الثاني رحمه الله في المسالك ، حيث نسبه إلى الأصحاب .

أقول : سواء أكانت عبارتهم مشعرة بدعوى الإجماع أم صريحة في ذلك ، فإنَّك عرفت حال الإجماع المنقول بخبر الواحد .

نعم ، قد استُدلّ للكراهة بموثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن الرَّجل يصلِّي ، فيُدخِل يده في ثوبه ، قال : إن كان عليه ثوب آخر - إزار أو سراويل - فلا بأس ، وإن لم يكن فلا يجوز له ذلك ، وإن أدخل يداً واحدةً ، ولم يدخل الأخرى ، فلا بأس) ؛ فقوله : (فلا يجوز له ذلك) ، محمول على الكراهة ، للتسالم بين الأعلام على عدم الحرمة .

ويؤيد أيضاً حمله على عدم الحرمة : مرسلة بن فضَّال عن رجل (قال : قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام : إنّ النّاس يقولون : إنّ الرَّجل إذا صلّى ، وأزراره محلولة ، ويداه داخلة في القميص ، إنَّما يصلّي عرياناً ، قال : لا بأس)[1] ، وإنَّما جعلناها مؤيِّدةً - مع وضوح الدَّلالة - لضعفها بالإرسال .

ثمَّ إنَّ ظاهر موثَّقة عمَّار عدمُ الفرق في الكراهة بين حال الرُّكوع وغيرها من أحوال الصَّلاة ؛ وكأنهم خصَّوه بالرُّكوع لأنَّه عنده ربّما يكون سبباً لانكشاف العورة ، فيمكن جعل ذلك فيه أشدّ .

ثمَّ إنَّه قد ظهر ممَّا عرفت أنَّه لا كراهة في وضع اليدين حينئذٍ في الكُمَّيْن ، ولا تحت بعض الثياب ، خصوصاً الرّداء والعباءة .

كما أنَّه لا ينافي الكراهة نفي البأس في صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (قال : سألتُه عن الرَّجل يصلّي ، ولا يخرج يديه من ثوبه ، قال : إنْ أخرجَ يديه فحسن ، وإن لم يخرج فلا بأس)[2] .

وجه عدم المنافاة : أنَّه يمكن تقييد نفي البأس فيها بما إذا كان عليه ثوب آخر من إزار ونحوه .

أضف إلى ذلك : أنَّ الصّحيحة ظاهرة في استحباب الإخراج ، لا كراهة تركه .

ثمَّ إنّ المراد باليد المستحبّ بروزها : الرّاحة والأصابع وما جاوزها إلى الزند ، لأنَّه هو المتعارف في البروز ، والله العالم .

قوله : (وجعل التسبيحة الأُولى الواجبة ، فلو جعله غيرها فالأقرب : الجواز)

قد عرفت أنَّه يستحبّ تثليث التسبيح وتسبيعه ، بل في صحيحة أبان بن تغلب المتقدّمة : ثلاثون مرّة .

ومهما يكن ، فيجوز أن يجعل التسبيحة الواجبة غير الأُولى ، إذ لا مانع من ذلك .

_____________

(1) الوسائل باب1 من أبواب الركوع ح1 .

(2) الوسائل باب40 من أبواب لباس المصلي ح4 .

 

نعم ، الأفضل عند الأعلام أنْ يجعل التسبيحة الأُولى هي الواجبة ، قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى : (والأقرب أنَّ الواجبة هي الأُولى ، لأنَّه مخاطب بذلك حال الرُّكوع ، ولا يفتقر إلى قصد ذلك ؛ نعم لو نوى وجوب غيرها فالأقرب : الجواز ، لعدم تعيُّن التضييق) .

قوله : (فرع : لا توصف الطمأنينة الزائدة فيه ، أو في الانتصاب منه ، بالوجوب ، إلَّا في صورة تقديم الذِّكر المستحبّ على الأقرب ، وكذا زيادة القيام ، إلَّا في تطويل السُّورة ، أو الوقوف المستحبّ في القراءة)

قال المصنِّف رحمه الله في الذّكرى : (والطُّمأنينة للمستحبّات لا ريب في استحبابها ، لأنَّ جواز تركها ينفي وجوبها ، إلَّا إذا قدّم المستحبّ فإنّ الظّاهر وجوب الطُّمأنينة تخييراً ، لأنَّه لم يأتِ بالواجب بعد ؛ وكذا الكلام في طمأنينة السُّجود ، وزيادة القيام للقنوت ، والدُّعاء بعد فراغ واجب القراءة ؛ أمَّا القيام في القراءة الواجبة فموصوف بالوجوب وإن كان بسورة طويلة ، غاية ما في الباب أنَّه من قبيل الواجب المخير ؛ أمَّا لو أدخل التكبيرات الزائدة على الاستفتاح في الصَّلاة ، أو سأل الجنَّة ، واستعاذ من النّار في أثناء القراءة ، ففي وجوب هذا القيام نظر ، أقربه الوجوب لما سبق ؛ وكذا القيام للوقوف المستحبّ في أثناء القراءة ؛ أمَّا القيام الذي يقع فيه السُّكوت للتنفّس فلا إشكال في وجوبه ، لأنَّه من ضرورات القراءة) ، وهو جيَّد ، لا يحتاج إلى التعليق عليه .

قوله : (وأوجب سلَّار والحسَنُ تكبيرَ الرُّكوع والسُّجود)

ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل سابقاً عند قول المصنِّف رحمه الله : (ويستحبّ التكبير للرّكوع قائماً ... ) ، فراجع .

قوله : (وروى معاوية بن وهب وابن مسكان استحباب رفع اليدين عند الانتصاب من الرُّكوع ، واختاره الصَّدوقان والجعفي ، وهو قريب ، لصحّة الرّواية)

ذهب جماعة من الأعلام إلى استحباب رفع اليدين عند الانتصاب من الرّكوع ، منهم ابنا بابويه ، وصاحب الفاخر ، والمصنّف هنا وفي الذكرى ، وصاحب الجواهر ، والمحقِّق الهمداني في مصباح الفقيه ، والسَّيد محسن الحكيم في المستمسك (قدس الله أسرارهم) ، وبعض متأخِّري المتأخِّرين ، وهو الإنصاف ، كما سيتضح لك إن شاء الله تعالى .

وبالمقابل : نفى هذا الاستحباب ابن أبي عقيل والمحقِّق والعلَّامة (قدس الله أسرارهم) ؛ وأكثرهم لم يتعرّضوا لذلك ، بنفي ولا إثبات .

قال المحقِّق في المعتبر : (رفع اليدين بالتكبير مستحبّ في كلّ رفع ووضع ، إلَّا في الرّفع من الرُّكوع ، فإنَّه يقول : سمع الله لمَنْ حمده ، من غير تكبير ولا رفع يد ، وهو مذهب علمائنا) .

وقال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى : (لم أقفْ على قائل باستحباب رفع اليدين عند الرّفع من الرُّكوع ، إلَّا ابني بابويه وصاحب الفاخر ؛ ونفاه ابن أبي عقيل والفاضل ، وهو ظاهر ابن الجنيد ، والأقرب : استحبابه ... ) .

أقول : قدِ استدلّ للقول بالاستحباب بصحيحتين :

الأُولى : صحيحة معاوية عمار (قال : رأيتُ أبا عبد الله عليه السلام يرفع يديه إذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الرُّكوع ، وإذا سجد ، وإذا رفع رأسه من السُّجود ، وإذا أراد أنْ يسجد الثانية)[3] .

الثانية : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (قال في الرَّجل يرفع يده كلّما أهوى للرّكوع والسّجود ، وكلَّما رفع رأسه من ركوع أو سجود ، قال : هي العبودية)[4] .

 

وهما ظاهرتان في استحباب رفع اليدين عند رفع الرّأس من الرُّكوع ، ولا معارض لهما .

وأمَّا القول : بأنّ مشهور المتقدّمين أعرض عنهما ، وإعراضه يوجب الوهن .

ففيه : ما ذكرناه في أكثر من مناسبة أنَّ إعراضهم لا يوجب ضعف الرِّواية الصّحيحة .

مضافاً إلى أنَّه لم يثبت الإعراض ، بل يحتمل أنَّ عدم إفتاء مشهور المتقدّمين على طبقهما ترجيحاً لباقي الأخبار الخالية من ذلك على كلا الصّحيحتين ، وهذا لا يسمَّى إعراضاً .

ثمَّ إنَّه يظهر من الصّحيحتين المتقدِّمتين استحباب رفع اليدين فقط ، وأمَّا التكبير معه فلا .

وعليه ، فيُؤتى بالرفع بلا تكبير ، خلافاً لما حُكي عن تُحفة السَّيد الجزائري وبعض الأعلام ، حيث إنَّهم اعتبروا معه التكبير .

ولعلّ مستندهم : معروفيّة التلازم بينهما في سائر المواضع ، فذِكْر أحدهما يدلّ على الآخر .

وفيه : منع ، بل ظاهر هاتين الصّحيحتين ، فضلاً عن غيرهما ، نفي ذلك .

نعم ، قد يؤيِّد استحباب التكبير معه رواية الأصبغ بن نباتة في مجمع البيان عن أمير المؤمنين عليه السلام ، في تفسير قوله تعالى ﴿: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ ، قال النَّبي (صلى الله عليه وآله) : (ما هذه النَّحِيرَة التي أمرني بها ربي ؟ قال : ليست بنَحِيرَة ، ولكنّه يأمرك إذا انحرفت للصَّلاة أنْ ترفع يديك إذا كبّرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الرُّكوع ، وإذا سجدت ، فإنَّه صلاتنا وصلاة الملائكة في السّماوات السبع ، فإنَّ لكلِّ شيءٍ زينة وإن زينة الصَّلاة رفع الأيدي عند كلِّ تكبيرة)[5] ، وهي شاهدة على المنساق إلى الذِّهن من الأمر برفع اليدين هي إرادته مع التكبير لا مجردة عنه ، وذلك لمعهوديَّة وقوع الرّفع حال التكبير في سائر أحوال الصَّلاة ، وإلَّا لم يذكر في الرِّواية إلَّا الأمر برفع اليدين في هذه الأحوال .

وفيه - مع قطع النظر عن ثبوت هذه المعهوديَّة - : أنَّ الرّواية ضعيفة بالإرسال ، وبجهالة مقاتل بن حنان .

وقيل : يشهد أيضاً لاستحباب التكبير حال هذا الرّفع عموم الخبر المرويّ في الاحتجاج وكتاب الغيبة للشّيخ الطوسي رحمه الله ، حيث ورد فيه (أنّه إذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير)[6] .

وفيه - مضافاً إلى احتمال كون الحالة الأخرى بعد الرُّكوع هي السُّجود لا ما يشمل الرفع منه - : أنَّه ضعيف ؛ أمّا في كتاب الاحتجاج فبالإرسال .

وأمَّا في كتاب الغيبة فبجهالة أحمد بن إبراهيم النوبختي .

قوله : (ويقارن بأوَّله أوَّل الرّفع من الرّكوع)

وذلك لظاهر الصّحيحتين المتقدّمتين ، حيث ظاهرهما مقاربة رفع أوّل اليدين بأوَّل الرّفع من الرّكوع ، قال المصنّف رحمه الله في الذّكرى : (وحينئذٍ يبتدئ بالرّفع عند ابتداء رفع الرّأس ، وينتهي بانتهائه ؛ وعليه جماعة من العامّة) .

_____________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo