< قائمة الدروس

الموضوع : الركوع في الصَّلاة(18)

 

قوله : (الثاني : لو مُنِع من الانتصاب سقط ويسقط ذِكْره ، فلو قدر قبل الشُّروع في السُّجود لم يُعِد عند الشَّيخ)

لو كان مريضاً لا يقدر على الانتصاب معه سقط بلا إشكال ، لانتفاء التكليف بغير المقدور ، ويسقط معه الذِّكر وهو (سمع الله لمن حمده) ، وإنَّما الكلام لوِ ارتفع العذر قبل التلبُّس بالسُّجود ، فعن جماعة من الأعلام ، منهم المصنِّف رحمه الله في البيان ، والشّيخ في المبسوط والخلاف ، أنّه لا يتدارك ، للحكم بسقوطه وقد خرج عن محلّه ، والأصل عدم وجوب العود إلّا بأمر جديد ، ولم يثبت .

وعن العلَّامة رحمه الله في التذكرة : أنّه يتدارك ، وقوَّاه المصنِّف في الذِّكرى ، لوجوب الانتصاب والطّمأنينة مع الإمكان ، وقد أمكن .

أقول : إذا قلنا : بأنَّ مطلق القيام عقيب فعل الرّكوع مطلوباً فالأمر كما ذكره العلَّامة رحمه الله في التذكرة ، والمصنِّف رحمه الله في الذّكرى .

وأمَّا إذا قلنا : بأنّ الواجب هو رفع الرّأس من الرّكوع وجوباً نفسيّاً ليس وجوبه مقدَّمة للقيام الحاصل عقيبه فلا يجب التدارك ، لسقوط محلّه .

قوله : (الثالث : لو سقط قبل الرّكوع أعاده ، ولو سقط بعد الطمأنينة أجزأه ؛ وقبلها قولان)

لو سقط سهواً قبل الرّكوع أعاده بلا خلاف ، وإذا سقط بعد الرّكوع والطّمأنينة أجزأه ، لحديث (لا تعاد) .

وأمَّا إذا سقط بعد الرّكوع قبل الطّمأنينة ، قال المصنِّف رحمه الله في الذّكرى : (فالأقرب عند المحقق : أنَّه لا يعيد ، لأنَّ الرُّكوع المشروع قد حصل ، فلو أعاد لزاد ركوعاً ، وهو جيِّد على مذهبه ، إذ الطّمأنينة ليس عنده ركناً ، ويجيء على قول الشَّيخ في الخلاف وجوب العود) .

أقول : قد تقدم أنَّ مسمى الطمأنينة يكون ركنا ، وهو الذي يتوقف عليه صدق الرُّكوع عرفا دون الزيادة التي توازي الذكر الواجب .

وعليه ، فلو سقط بعد الرُّكوع وقبل الطمأنينة بمقدار المسمى أعاد الرُّكوع ، وأما إذا سقط بعد حصول مسمى الطمأنينة وإن لم يكن بمقدار الزيادة التي توازي الذكر الواجب فلا شيء عليه لحديث لا تعاد ، والله العالم .

قوله : (الرابع : لو ترك الطّمأنينة عمداً في النافلة فالوجه : البطلان ، وكذا ترك كلّ ما يبطل الفريضة ، إلَّا السُّورة ، والشَّك في العدد ، والزّيادة سهواً وإن كان ركناً على الظّاهر)

قال المصنِّف رحمه الله في الذّكرى : (ولو ترك الطّمأنينة في الرّكوع عمداً في صلاة النافلة ، فإن قلنا : بركنيّته بطلت قطعاً ، كما لو ترك الرّكوع ، وإن قلنا : بعدمها ، فالأقرب البطلان ، وقطع الفاضل بأنَّه لو ترك الاعتدال من الرّكوع والسّجود في النافلة صحّت ، وكان تاركاً للأفضل ؛ وفيه : بعد ، لأنّ حقيقة الصَّلاة إنّما تتمّ بأجزائها ، فهو كترْك سجدةٍ ، أو ترْك الفاتحة فيها) .

أقول : يظهر من الأخبار الكثيرة أنَّه لا فرق بين الفريضة والنافلة في الأجزاء والشَّرائط والموانع ، إلَّا في بعض الموارد التي ثبت في النصّ الفرق بينهما ، كما في السّورة ، حيث ثبت في الأخبار جواز تركها في النافلة .

وكما في الشكّ في العدد ، حيث ثبت في النصّ جواز البناء على الأقلّ أو الأكثر في النافلة ، كما في صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (قال : سألتُه عن السّهو في النافلة ، فقال : ليس عليك شيء)[1] ، إلَّا إذا كان البناء على الأكثر يوجب بطلان الصَّلاة ، كما لو شكّ في أنَّه في الرّكعة الثانية أو الثالثة فإنّ البناء على الأكثر يوجب البطلان .

نعم ، وقع الكلام بين الأعلام في زيادة الرّكن سهواً في النافلة ، فهل يوجب ذلك البطلان ، أم لا - بعد الاتفاق على أنَّ نقصانه سهواً مع عدم إمكان التدارك يوجب البطلان - ؟

المعروف عن جماعة من الأعلام ، منهم المصنّف رحمه الله هنا ، عدم بطلان النافلة بزيادة الرُّكوع سهواً .

وقد يستدلُّ لذلك ببعض الأدلَّة :

منها : أنَّ الدّليل على البطلان به في الفريضة هو الإجماع ، وهو دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقَّن ، وهو الفريضة ، ولا يشمل النافلة .

وفيه : أنَّّ الدّليل عليه في الفريضة غير منحصر بالإجماع ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى .

ومنها : معتبرة الحسن الصَّيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : قلتُ له : الرَّجل يصلّي الرّكعتين من الوتر ، ثمَّ يقوم فينسى التشهّد حتَّى يركع ، ويذكر وهو راكع ، قال : يجلس من ركوعه يتشهّد ، ثمَّ يقوم فيتمّ ، قال : قلتُ : أليس قلتَ في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته ، ثمَّ سجد سجدتي السّهو بعدما ينصرف يتشهد فيهما ؟ قال : ليس النافلة مثل الفريضة)[2] ، والرّواية معتبرة ، لأنّ الحسن الصَّيقل من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته .

والاستدلال في هذه المعتبرة مبنيّ على اتّصال ركعة الوتر بالشّفع ، أي عدم الفصل بينهما بالتسليم ، ويعبَّر عن الرّكعات الثلاث بصلاة الوتر .

ولكن بما أنَّ الأقوى عندنا ، وعند أغلب الأعلام : هو الفصل بينهما بالتسليم ، فتحمل الرّكعة الثالثة على كون المراد بها صلاة أخرى منفصلة .

_____________

وعليه ، فلا يكون زيادة في الأولى ، وإن كان قوله عليه السلام (ليس النافلة كالفريضة) يأبى الحمل على كون الرّكعة الثالثة منفصلة عن الأولتين ، إذ لو حمل كون الركعة الثالثة منفصلة لم يكن فرق حينئذٍ بين النافلة والفريضة في صحّة الصَّلاة ، ولزوم التدارك للفائت لِعدم تحقّق الزيادة ، مع أنَّه قال عليه السلام : ليس النافلة كالفريضة) .

الإنصاف : أنَّه لا يصحّ الاستدلال بهذه المعتبرة ، لتعارض قوله عليه السلام : (ليس النافلة كالفريضة) مع ما دلّ على لزوم الفصل بين ركعات الوتر .

ومنها : حسنة زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (قال : إذا استيقن أنَّه زاد في صلاته المكتوبة ركعةً لم يعتدّ بها ، واستقبل صلاته استقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً)[3] ، وهي دالّة على البطلان فيما لو زاد ركعة سهواً ، كما يستفاد ذلك من قوله عليه السلام : (إذا استيقن) ، وهي خاصّة بالمكتوبة ، فلا تشمل النافلة .

وفيه : أنَّ الاستدلال على ذلك مبنيّ على أنَّ الوصف له مفهوم ، وقد عرفت في محلّه أنَّه لا مفهوم له .

وعليه ، فالتقييد بالمكتوبة لا يدلّ على نفي الحكم عن غيرها .

ومن هنا قد يقال : إنَّه لا فرق بين الفريضة والنافلة من هذه الجهة ، وذلك لإطلاق موثّقة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : سألتُه عن رجلٍ صلَّى فذَكَر أنَّه زاد سجدةً ، قال : لا يعيد صلاةً من سجدة ، ويعيدها من ركعة)[4] ، فقوله : (ذكر أنَّه زاد ...) ظاهر في الزّيادة السّهوية .

والمراد من الرّكعة في قوله عليه السلام : (يعيدها من ركعة) هو الأعمّ من الرُّكوع والسّجدتين ، وبما أنَّ الصَّلاة مطلقة تشمل الفريضة والنافلة ، فيكون زيادة الركن مبطلاً لها ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - المزيد من التفصيل في مبحث الخَلَل ، والله العالم .

قوله : (الخامس : لو شكّ في إكمال الهوي بعد الانتصاب لم يلتفت ، وكذا لو شكّ في الرّكوع ، أو في الانتصاب ، بعد جلوسه للسّجود على الأقوى)

وذلك لقاعدة التجاوز ، كما سيأتي تفصيل ذلك - إن شاء الله تعالى - في مبحث الشّكّ في الأفعال ، والله العالم .

وقع الفراغ منه صحبيحة يوم الجمعة في التاسع والعشرين من شهر شبعان المعظم سنة 1438 هـ ، الموافق لـ 26 أيار سنة 2017 م ، وذلك في مسقط رأسي المجادل العاملية .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo