< قائمة الدروس

الموضوع: السجود في الصَّلاة(21)

قوله: (وإن كانتا في الرّكعتين الأخيرتين على الأصحّ)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى: (إنّ الإخلال بالسّجدتين معاً مبطل في الأخيرتين كالأوليين، والخلاف فيه مع الشَّيخ كما تقدّم في الركوع...)، وفي المدارك: (إنّ من أخلّ بالسّجدتين، حتَّى ركع فيما بعد، بطلت صلاته، وهو اختيار الشَّيخ في النهاية وأكثر الأصحاب، وقال في الجُمل: إنّ ترك ناسياً سجدتين في ركعة من الأولتين أعاد الصَّلاة، وإن كانتا من الأخيرتين بنى على الرّكوع في الأولى وسجد السّجدتين والأصحّ الأوّل ... ) .

والإنصاف: هو ما ذكره المشهور من الأعلام من البطلان، لإطلاق جملة من الرّوايات، منها صحيحة زرارة المتقدّمة في أكثر من مناسبة (لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة: الطّهور والوقت والقبلة والرّكوع والسّجود...)[1] .

وأمّا ما حكي عن الشَّيخ رحمه الله في الجمل فلم يعرف له دليل.

إلَّا أنْ يقال: بأنّ السّجدتين مساويتان للرّكوع في جميع الأحكام، وقد تقدّم سابقاً في مبحث الرّكوع أنّ الشَّيخ في المبسوط ذهب إلى التفصيل بين الرّكعتين الأوليين، وثالثة المغرب، وبين الأخيرتين من الرّباعية، فاختار البطلان في الأوّل والصحّة في الثاني بإسقاط السّجدتين، وإتمام الصَّلاة بعد تدارك الرّكوع.

أقول: إنَّ دعوى السّجود كالرّكوع غير ثابتة، وعلى تقديرها كان جميع ما تقدّم حجة عليه، والله العالم.

 

قوله: (ولا يبطل الإخلال بالواحدة سهواً، وإن كان في الأولتين على الأصحّ)

قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى: (إنّ الإخلال بالسّجدة الواحدة غير مبطل إذا كان سهواً، وعليه معظم الأصحاب، بل هو إجمع... )، وفي المدارك: (هذا مذهب أكثر الأصحاب... ).

وبالمقابل حكي عن ابن أبي عقيل والكليني بطلان الصَّلاة بنسيان السّجدة، وهناك قول ثالث، وهو التفصيل بين الأولتين فتبطل الصَّلاة بنسيان السّجدة منهما، والأخيرتين فتُقضى، كما عن الشَّيخ المفيد رحمه الله والشّيخ الطّوسي رحمه الله .

وأما القول الأوّل - وهو القول المشهور - فقدِ استدلّ له بالإجماع وبالأخبار:

أما الإجماع: فهو منقول بخبر الواحد، وقد عرفت أنّه يصلح للتأييد فقط.

وأمَّا الأخبار فكثيرة:

منها: صحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل نسي أن يسجد السّجدة الثانية حتَّى قام، فذكر وهو قائم أنَّه لم يسجد، قال: فليسجد ما لم يركع، وإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنَّه لم يسجد فليمضِ في صلاته حتَّى يسلم، ثمَّ يسجدها فإنَّها قضاء، قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: إن شكّ في الرُّكوع بعدما سجد فليمضِ، وإن شكّ في السُّجود بعدما قام فليمضِ...)[2] .

_____________

 

ومنها: موثَّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث - ( أنَّه سأل عن رجل نسي سجدة، فذكرها بعدما قام وركع، قال: يمضي في صلاته، ولا يسجد حتَّى يسلِّم، فإذا سلَّم سجد مثل ما فاته، قلتُ: فإن لم يذكر إلَّا بعد ذلك؟ قال: يقضي ما فاته إذا ذكره)[3] .

ومنها: صحيحة أبي بصير يطريق الصَّدوق رحمه الله (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عمَّن نسيَ أنَّ يسجد سجدةً واحدةً، فذكرها وهو قائم، قال : يسجدها إذا ذكرها، ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ على صلاته، فإذا انصرف قضاها، وليس عليه سهو)[4] ؛ نعم، هي بطريق الشَّيخ ضعيفة بمحمّد بن سنان.

ومنها: رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال: سألتُه عن الرَّجل يذكر أنَّ عليه السجدة يريد أن يقضيها وهو راكع في بعض صلاته، كيف يصنع؟ قال: يقضي صلاته، فإذا فرغ سجدها)[5] ، ولكنّها ضعيفة بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل.

وأمَّا القول الثاني المحكي عن ابن أبي عقيل العماني والكليني (رحمهما الله) فقد يستدلّ له بأمرين:

الأوَّل: إنَّ الإخلال بالسّجدة إخلال بالرّكن، فإنّ الإخلال بأيّ جُزء كان من الماهية المركّبة، تقتضي الإخلال بالماهية.

وأجاب جماعة من الأعلام عن هذا الدّليل، منهم المصنّف رحمه الله في الذّكرى، حيث قال: (إنّ انتفاء الماهية هنا غير مؤثِّر مطلقاً، وإلّا لكان الإخلال بعضو من أعضاء السُّجود مبطلاً، ولم يقل به أحد، بل المؤثِّر هو انتفاؤها بالكليّة...).

أقول: قد أجبنا عن ذلك في المسألة السّابقة عند الكلام عن تفسير الرّكن، فراجع.

وأمّا الأمر الثاني: المستدلّ به فهو رواية المعلّى بن خنيس (وقال: سألتُ أبا الحسن الماضي عليه السلام، في الرَّجل ينسى السّجدة من صلاته، قال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها، وبنى على صلاته، ثمَّ سجد سجدتي السّهو بعد انصرافه؛ وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصّلاة، ونسيان السّجدة في الأولتين والأخيرتين سواء)[6] ، ولكنّها ضعيفة بالإرسال، وبالمعلّى بن خنيس، قال النجاشي: ( إنَّه كوفي بزَّاز ضعيف جدًّا، لا يعوَّل عليه).

أضف إلى ذلك: أنَّه قتل في زمن الإمام الصَّادق عليه السلام، وقضيته مشهورة، حيث أخذه داود بن عليّ، فلمَّا أجلسه وأراد قتله، فقال له معلّى: أخرجني إلى النّاس فإنّ لي ديناً كثيراً ومالاً، حتَّى أشهد بذلك، فأخرجه إلى السّوق، فلمّا اجتمع النّاس، قال: يا أيّها النّاس! أنا معلّى بن خنيس، فمن عرفني فقد عرفني، اشهدوا إنّ ما تركتُ من مال، عين أو دين أو أمة أو عبد أو دار أو قليل أو كثير فهو لجعفر بن محمَّد عليه السلام، قال : فشدّ عليه صاحب شرطة داود فقتله، إلى آخر القصّة.

وعليه، فإذا كان معلّى قتل في زمن الصَّادق عليه السلام، فكيف يروي عن أبي الحسن الماضي وهو الكاظم عليه السلام، فإنّ (الماضي) صفة للإمام الكاظم عليه السلام، للتفرقة بينه وبين أبي الحسن الرّضا عليه السلام.

لا يقال: إنَّه يمكن أنَّ يكون رواها عن الإمام الكاظم عليه السلام في حياة أبيه عليه السلام.

فإنَّه يُقال: يحتاج ذلك إلى قرينة، وهي منتفية، بل هناك قرينة على العدم، وهو توصيفه عليه السلام بالماضي، فإنَّه لا يوصف بذلك إلَّا بعد وفاته عليه السلام، إلَّا أن يكون التوصيف من غير المعلّى، ولكنّه بعيد، بل هو خلاف الظاهر جدَّا.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ القول الثاني ليس بتامّ.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo