< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: السُّجود في الصَّلاة(5)

وأمَّا ما حُكي عن السَّيد وابن إدريس (رحمهما الله) ، من اعتبار السُّجود على مفصل الزندين، فلا دليل عليه.

نعم، حمله المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى على إرادة الاجتزاء بهما عن الكفَّين، لأنَّه مبدؤهما، ويتحقّق بوضعهما على الأرض مسمّى وضع الكفَّين، وحمله صاحب الجواهر عليه السلام على تحديد ابتداء اليد التي يسجد عليها.

أقول: يحتمل أنَّهما يوجبان الاستيعاب في وضع اليدين أو الرّاحتين إلى الزندين، ويزعمان أنَّ مقتضاه وقوع السُّجود على مفصل الزندين، إذ يعتبر في السُّجود الاعتماد على الأرض، ولا يكفي مجرد ملاصقة العضو حال السُّجود للأرض.

ومهما يكن، فإن أرادا اعتبار خصوص المفصل فهو باطل جزماً، وإن أرادا بعض التوجيهات المتقدّمة فأهلاً وسهلاً.

ثمَّ إنّ كثيراً من الأعلام المتقدّمين، وجملة من المتأخّرين، عبَّروا بأصابع الرّجلين أو أطرافها، ولعلّه للتعبير في بعض الرّوايات بالرّجلين، كما في صحيحة القداح، ورواية القداح، ورواية العيّاشي المتقدّمين، وفي بعضها الآخر بأطراف القدمين، كما عن الجمهور، حيث رووا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: (أمرتُ بالسّجود على سبعة أعظم: اليدين والرّكبتين وأطراف القدمين والجبهة)(3)، وضعفها واضح.

وفي بعض ثالث التعبير بأطراف الأصابع، كما عن ابن جمهور في غوالي اللآلئ عنه (صلى الله عليه وآله) :(اسجدوا على سبعة: اليدين والرّكبتين وأطراف أصابع الرّجلين والجبهة)(1)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ولكن مع قطع النّظر عن ضعف السَّند يتعيَّن رفع اليد عن هذه الرِّوايات بصحيحة زرارة، وصحيحة حمَّاد بن عيسى المتقدّمتين الدَّالتين على الاكتفاء بالإبهامين، والله العالم.

قوله: (والواجب في كلٍّ منها مسمَّاه، ولا ينقص في الجبهة عن درهم)

ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل في مبحث ما يسجد عليه، في الدَّرس الثالث والثلاثين، عند قول المصنِّفرحمه الله: (والواجب في المساجد مسمَّاها، والاستيعاب أفضل، وقدَّر ابن بابويه موضع الجبهة بدرهم)، فراجع، فإنّه مهمّ.

قوله: (واجتزأ المرتضى برؤوس الزندين)

ذكرنا ذلك في المسألة المتقدمة، فراجع.

قوله: (ويجب الاعتماد على الأعضاء بغير تحامل عنها)

قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (يجب الاعتماد على مواضع الأعضاء، بإلقاء ثقلها عليها، فلو تحامل عنهالم يجز ...)، أي لو تكلَّف عنها لم يجزِ، وعلَّله جماعة من الأعلام، منهم المصنِّف في الذِّكرى: (بعدم حصول تمام المراد من الخشوع، ولأنَّ الطّمأنينة لا تحصل بهذا القدر)،ولا يخفى أنَّ هذا التعليل عليل.

والإنصاف: أنَّه ذكرنا في بعض المناسبات أنَّ حقيقة السُّجود لا تتحقّق إلَّا بالاعتماد على هذه الأعضاء، فمجرد المماسَّة لا تكفي في صِدق السُّجود، كما لو جعل سناداً تحت بطنه أو صدره، مع لصوق المساجد السَّبعة بالأرض من دون اعتماد عليها.

وقد يشهد لما ذكرنا روايتان:

الأُولى: صحيحة عليّ بن يقطين المتقدِّمة في كيفيَّة التسبيح في الرُّكوع عن أبي الحسن الأوَّل عليه السلام (قال: سألتُه عن الرُّكوع والسُّجود ، كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال: ثلاثة، وتجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض)(3).

الثانية: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفرعليه السلام (قال: سألتُه عن الرَّجل يسجد على الحصى، فلا يمكِّن جبهته من الأرض، قال: يحرِّك جبهته حتَّى يتمكَّن، فينحي الحصى عن جبهته، ولا يرفع رأسه)(4)، وهي صحيحة بطريق الشَّيخ رحمه الله في التهذيب، ولا بأس بدلالتهما، لكنَّ موردهما خصوص الجبهة، ولعله قد خصَّت بالذِّكر لكونها أساس الباقي.

ثمَّ اعلم أنَّه لا يكفي الاعتماد على بعض الأعضاء مع مماسَّة البعض الآخر.

نعم، لا تعتبر مساواة الأعضاء في الاعتماد، فلو كان ثقله على إحدى يديه أكثر من الأخرى فلا يضرّ، كما أنَّه لا تجب المبالغة في الاعتماد، بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء كلّ ذلك للإطلاق.

وقد اتضح مما ذكرنا أنَّه لا يجب استقلالها بوضعه ثقله عليها، بل يجوز مشاركة غيرها معها في الثقل كالذراع والبطن ونحوهما ، وذلك للإطلاق، إذ يصدق السُّجود عليها مع المشاركة، ولا دليل على انحصار الثقل بها، والله العالم.

قوله: (فلو منعه قرح بالجبهة فالمروي: احتفار حفيرة له، فإنْ تعذَّر سجد على أحد الجبينين، فإنْ تعذَّر فعلى الذَّقن، وقال الشَّيخ: يسجد على أحد الجبينين، فإنْ تعذَّر فعلى الذَّقن، وإنِ احتفر جاز)

المعروف بين الأعلام أنَّه لو منعه قرح بالجبهة، ولم يستغرقها، بل بقي منها ما يحصل به وضع المسمَّى، وجب عليه أن يحتفر حفيرةً مثلاً، ليقع السَّليم من جبهته على الأرض.

_____________

(1) غوالي اللئالي: ج1، ص196، و197، ح5.

(2) مسالك النفوس: ج3، ص50.

(3) الوسائل باب4 من أبواب الركوع ح3.

(4) الوسائل باب8 من أبواب السجود ح3.

 

وفي الجواهر: (بلا خلاف فيه، كما في المدارك؛ وعليه فتوى العلماء، كما في منظومة الطباطبائي، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، لما ستعرف من عدم خلاف مَنْ ظُنَّ خلافه في ذلك، وكيف يعقل الخلاف فيه بعد فرض التمكُّن من الإتيان بالمأمور به على وجهه؟!...).

أقول: قد عرفت سابقاً، في مبحث ما يسجد عليه، أنَّ المراد بالسُّجود على الجبهة هو مسمَّى السُّجود ولو بمقدار الدِّرهم، أو مقدار طرف الأنملة، كما في حسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال: الجبهة كلّها من قِصاص شعر الرَّأس إلى الحاجبين موضع السُّجود، فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدِّرهم، أو مقدار طرف الأنملة)(1).

وعليه، فلا يجب الاستيعاب، فيكون الحكم في المقام على طبق القاعدة، فيشمله كلّ ما دلّ على وجوب السُّجود على الجبهة، ويكون حفر الحفيرة أحد أفراد الواجب، كما أنَّ له أنْ يعمل شيئاً مجوَّفاً من طين، أو خشب، أو نحوهما، لِيقع السَّليم من الجبهة على ما يصحّ السُّجود عليه.

والخلاصة: أنَّ ما ذكره الأعلام مطابق للقاعدة.

ومع ذلك استدلّوا برواية مصادق (قال: خرج بي دُمَّل فكنتُ أسجد على جانب، فرأى أبو عبد الله عليه السلام أثره، فقال: ما هذا؟ فقلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدُمَّل، فإنَّما أسجد منحرفاً، فقال لي: لا تفعل ذلك، ولكنِ احفر حفيرةً، واجعل الدُمَّل في الحفيرة حتَّى تقع جبهتك على الأرض)(2)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وبمصادق، فهي تصلح للتأييد فقط.

ثمَّ إنَّ ما ذكرناه إنَّما هو فيما إذا أمكن وضع الجبهة ولو بحفر حفيرة ونحوها، وأمَّا إذا تعذَّر ذلك، ولو لأجل استيعاب الدُمَّل، واستغراق الجبهة به، فالمعروف بينهم أنَّه يجب أن يسجد على أحد الجبينين، وفي الجواهر: (إجماعاً صريحاً في المحكي عن حاشية المدارك، وظاهراً في جامع المقاصد ومجمع البرهان والمدارك، والمحكي عن تعليق النافع، وفي الذخيرة وشرح المفاتيح للأستاذ الأكبر الظَّاهر أنَّه لا خلاف فيه، وفي الجامع أيضاً، والمحكي عن إرشاد الجعفرية، والروض، أنَّه لا خلاف في تقديم الجبينين على الذَّقن...).

وقال الشَّيخ رحمه الله في المبسوط: (إن كان هناك دُمَّل أو جراحة، ولم يتمكَّن من السُّجود عليه، سجد على أحد جانبيه، فإن لم يتمكَّن سجد على ذقنه، وإن جعل لموضع الدُمَّل حفيرة يجعلها فيه كان جائزاً).

وفيه: تصريح بعدم وجوب الحفيرة أوَّلاً، ونحوه قال في النهاية.

والإنصاف: لا بدّ من حمل عبارته على معنى آخر، إذ لا يمكن إبقاؤها على ظاهرها من عدم وجوب الحفيرة، لما عرفت أنَّ وجوب الحفيرة يشمله إطلاق وجوب السُّجود على الجبهة، فكيف يخفى ذلك على شيخ الطائفة؟!

وعليه، فتحمل عبارته إمَّا على إرادة الوجوب من الجواز إذا فرض توقُّف وقوع السَّليم عليه، أو إرادة بيان جواز ذلك اختياراً، مع فرض عدم التوقُّف.

وقال ابن حمزة رحمه الله: (يسجد على أحد جانبيها، فإن لم يتمكَّن فالحفيرة، فإن لم يتمكن فعلى ذقنه...)، فقدَّم السُّجود على أحد الجانبين على الحفيرة، بناءً على إرادة الجبينين من جانبيها، أي الجبهة.

وأمَّا إذا كان مراده من أحد جانبيها -أي جانبي الجبهة- لا الجبينين، فحينئذٍ لا بدليَّة للجبينين عن الجبهة أصلاً، بل إن تعذَّرت انتقل إلى الذّقن.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo