< قائمة الدروس

الموضوع: السُّجود في الصَّلاة(8)

 

قوله: (ولو زال ألم السَّاجد على الجبينين، أو على الذّقن، فإن كان بعد الذّكر أجزأ، وإلّا استدرك)

لو زال الألم بعد إكمال الذِّكر فقد ذكر المصنِّف رحمه الله أنّه يجزي، وكذا الشَّهيد الثاني رحمه الله في المسالك.

ولو زال قبل الإكمال استدرك، وذكر صاحب الجواهر (أنَّ قاعدة الإجزاء تقتضي خلاف ذلك، خصوصاً في بعض أفراد العذر، والمتّجه عليها إتمامه بعد الانتقال إلى ما تمكّن منه فتأمّل).

أقول: مقتضى القاعدة عدم الإجزاء، سواء زال الألم قبل الإكمال، أو بعده، لأنَّ المأمور به بالأمر الاختياري يمتدّ إلى آخر وقته، فلوِ ارتفع العذر أثناء الوقت فينكشف أنَّه لا أمر اضطراري في المقام، بل المكلّف متخيّل للأمر الاضطراري، لأنَّ موضوعه غير متحقّق إذ الفرض أنّ الأمر الاختياري لا زال موجوداً، والله العالم.

_____________

(1) الوسائل باب1 من أبواب أفعال الصَّلاة ح11.

 

قوله: (وسُننه التكبير له قائماً، رافعاً يديه)

تقدم الكلام حول وجوب التكبير للرّكوع، ووجوب رفع اليدين معه، وقد عرفت أنّ الأقوى هو الاستحباب، وكذلك يقال هنا، ضرورة اتّحاد البحث فيه مع البحث فيه للرّكوع دعوًى ودليلاً.

نعم، ذكرنا هناك اختصاص الاستحباب بحال الانتصاب، فلا يشرع التكبير بقصد التوظيف حال الهوي، بل إنّ أحبّ الإتيان به، فيأتي به بقصد مطلق الذّكر ، بخلافه هنا فإنَّه سيتضح لك جواز الإتيان به حال الهوي، وإن كان الأفضل أن يكبّر للسّجود قائماً، بل عن المعتبر نسبته إلى فتوى الأصحاب، وعن المنتهى على علمائنا.

قال المصنِّف رحمه الله في الذّكرى: (ولو كبَّر في هويه جاز، وترك الأفضل، قيل: ولا يستحبّ مدّه ليطابق الهوي، لما ورد أنّ التكبير جزم، وقال ابن أبي عقيل: يبدأ بالتكبير قائماً، ويكون انقصاء التكبير مع مستقرّه ساجداً، وخيّر الشَّيخ في الخلاف بين هذا وبين التكبير قائماً...).

أقول: قدِ استُدلّ لاختصاص الاستحباب حال القيام بروايتين:

الأُولى: صحيحة حمَّاد بن عيسى، حيث ورد فيهما: (ثمَّ كبَّر وهو قائم، ورفع يديه حيال وجهه وسجد)[1] ، وهي بطريق الكليني حسنة.

الثانية: حسنة زرارة (قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إذا أردتَ أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبِّر، ثمَّ اركع واسجد)[2] ، فإنّ المتبادر من هذا الكلام إرادة التكبير قبل الأخذ في الهوي.

اللهمَّ إلَّا أن يقال: إنَّ ذلك لا ينافي وقوع بعض التكبير حال الهوي، لعدم كونه من السُّجود.

هذا، وذكر جماعة من الأعلام أنّ خبر المعلَّى بن خنيس (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا هوى ساجداً انكبّ وهو يكبِّر)[3] ، يكون معارِضاً للصّحيحتين المتقدّمتين، حيث إنَّه ظاهر في استقرار عادة الإمام عليه السلام على التكبير حال الهوي، فيدل ذلك على رجحانه.

ومنه تعرف أنَّ حمله على غير سجود الصَّلاة أو صدوره في بعض الأحيان لبيان الجواز خلاف الظَّاهر جدًّا، لأنَّ ظاهر لفظ (كان) المداومة على الإتيان به في حال الهوي.

ومنه تعرف أيضاً عدم صحّة الجمع بينه وبين الصّحيحتين المتقدّمتين بالحمل على التخيير، كما عن صاحب الحدائق رحمه الله، لأنَّ المداومة كما تنافي مرجوحيَّة الإتيان به حال الهوي كذلك تنافي التخيير بين الإتيان به حال الهوي والإتيان به قائماً، لأنَّ مقتضى المواظبة عليه كونه أرجح من الإتيان به قائماً.

أقول: إنَّ الخبر ضعيف بالمعلّى بن خنيس نفسه، فلا يكون معارِضاً للصّحيحتين.

ويؤيِّد ذلك أيضاً: إعراض الأصحاب عنه، حيث المعروف بينهم التكبير قائماً، ثمَّ الهوي.

هذا، وظاهر الصّحيحتين، وإن كان تعيّن الاستحباب حال القيام، إلَّا أنَّه يجوز التكبير حال الهوي، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، حيث ورد فيها (فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخُرّ ساجداً...)[4] .

وصحيحته الأخرى عن أبي جعفر عليه السلام، حيث ورد في ذيلها (ثمَّ ترفع يديك بالتكبير، وتخرّ ساجداً)[5] ، فإنّ إطلاقهما يشمل التكبير حال الهوي.

ولا موجب لتقييد إطلاقهما بصحيحة حمّاد، وحسنة زرارة المتقدّمتين، لِما عرفت أنّ المطلق لا يحمل على المقيّد في المستحبّات، لعدم التنافي بينها؛ كلّ ما هنالك يكون التكبير حال القيام أفضل من التكبير حال الهوي.

ومن هنا، قال المصنف رحمه الله في الذكرى: (ولو كبَّر في هويه جاز، وترك الأفضل... )، والله العالم.

 

قوله: (ثمَّ الهوي متخوِّياً، سابقاً بيديه معاً، ورُوي: البدأة باليمنى، ورُوي: التخيير بين البدأة باليدين والرّكبتين)

المعروف بين الأعلام أنّه يستحبّ أن يكون سابقاً بيديه إلى الأرض قبل ركبتيه، وعبَّر المصنِّف رحمه الله هنا وفي الذِّكرى عن هذا المستحبّ بالتخوية، قال فيها : (ومنها التخوية في الهوي إليه، بأن يسبق بيديه ثمَّ يهوي بركبتيه، لرواية حفص عن الصَّادق عليه السلام، قال: كان عليّ عليه السلام إذا سجد يتخوّى، كما يتخوّى البعير الضّامر، يعني بروكه[6] ...).

أقول: هذه الرِّواية ضعيفة بجهالة حفص الأعور.

وبالجملة، فإنَّ المصنف رحمه الله عبّر عن هذا المستحّب بالتخوية.

ولكنَّها في اللغة هي التجافي والتجنّح، فعن ابن الأثير في نهايته، قال فيه -أي في الحديث- (إنَّه كان إذا سجد خوى، أي تجافى بطنه عن الأرض، ورفعه، وجافى عضديه عن جنبيه حتَّى يخوي ما بين ذلك...)، وفي القاموس: (خوى في سجوده تخويةً: تجافى، وخرج بين عضديه وجنبيه).

ومهما يكن، فيدلّ على استحباب السّبق بيديه إلى الأرض جملة من الرّوايات:

منها: صحيحة زرارة الطّويلة عن أبي جعفر عليه السلام - حيث ورد فيها- (فإذا أردتَ أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخرّ ساجداً، وابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك، تضعهما معاً، ولا تفترش ذراعيك افتراش الأسد (السّبع خ ل) ذراعيه، ولا تضعنّ ذراعيك على ركبتيك وفخذيك، ولكن تجنّح بمرفقيك، ولا تلزق كفّيك بركبتيك، ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك، ولا تجعلهما بين ركبتيك، ولكن تحرفهما عن ذلك شيئاً، وابسطهما على الأرض بسطا، واقبضهما إليك قبضاً، وإن تحتهما ثوب فلا يضرّك، وإن أفضتَ بهما إلى الأرض فهو أفضل، ولا تفرجنّ بين أصابعك في سجودك ولكن ضمهن جميعاً... )[7] .

_____________

نقحه الأقل حيدر عتريس العاملي


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo