< قائمة الدروس

الموضوع: السُّجود في الصَّلاة(11)

 

هذا، ويظهر من بعض الأعلام أنَّ الإرغام بالأنف غير السُّجود على الأنف، وأنَّهما سنَّتان، قال الشَّيخ البهائي رحمه الله -في تفسير حديث حمَّاد من كتاب الأربعين حديثاً- (ما تضمنه الحديث من سجوده عليه السلام على الأنف، الظّاهر أنَّه سنّة مغايرة للإرغام المستحبّ في السُّجود، فإنَّه وضع الأنف على الرَّغام -بفتح الراء- وهو التراب؛ والسّجود على الأنف -كما روي عن عليّ عليه السلام: لا تجزئ صلاة لا يصيب الجبين- يتحقّق بوضعه على ما يصحّ السُّجود عليه، وإن لم يكن تراباً؛ وربما قيل: الإرغام يتحقّق بملاصقة الأنف الأرض، وإن لم يكن معه اعتماد، ولهذا فسّره بعض علمائنا بمماسّة الأنف التراب والسّجود، يكون معه اعتماد في الجملة، فبينهما عموم من وجه..).

ولكنَّ الإنصاف: أنَّ التأمُّل في النصوص يُرشد إلى اتّحادهما، فإنَّ التعبير بالإصابة في موثَّقة عمَّار يراد منها الاعتماد، لوحدة السّياق مع الإصابة في الجبين الذي يراد منه الاعتماد، بلا إشكال.

ومن هنا جمع بين السُّجود ووضع الأنف -الذي يشمل الإصابة- في صحيحة حمَّاد، حيث ورد فيها (وسجد على ثمانية أعظم: الجبهة، والكفَّين، وعيني الرّكبتين، وأنامل إبهامي الرّجلين، والأنف، فهذه السَّبعة فرض، ووضع الأنف على الأرض سنَّة، وهو الإرغام)[1] .

فهذه العبائر المختلفة كاشفة عن حكم واحد، وهو أنَّ السنَّة تتأدَّى بوضع الأنف على جنس ما يقع عليه الجبهة، لا شخصه، فلو وضع الجبهة على النبات، والأنف على الأرض، وبالعكس، لأجزأ؛ فقوله عليه السلام في الموثّقة المتقدّمة (لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين)[2] ، ليس المراد منه إصابة الأنف شخص ما يصيبه الجبين، بل النوع، أو الجنس، كما لا يخفى.

 

قوله: (ونظره إلى طرفه)

قال في الذكرى: (ومنها: نظره في حال سجوده إلى طرف أنفه، قاله: جماعة من الأصحاب)، قال صاحب الحدائق رحمه الله -بعد نقله كلام الشهيد-: (وهو يُؤذن بعدم وقوفه على مستنده، وبذلك صرَّح غيره أيضاً؛ ومستنده الذي وقفت عليه ما في كتاب الفِقه الرَّضوي، حيث قال عليه السلام: ويكون بصرك في وقت السُّجود إلى أنفك وبين السّجدتين في حجرك، وذلك في وقت التشهُّد).

أقول: قد ذكرنا في أكثر من مناسبة أن كتاب الفقه الرضوي لم يثبت أنَّه رواية عن الإمام عليه السلام، إلَّا إذا كان بعنوان روي، فيكون رواية مرسلة، واستقربنا أن الكتاب المذكور هو فتاوى لابن بابويه رحمه الله.

وعلل العلامة رحمه الله في المنتهى استحباب النظر إلى طرفه بقوله: ( لئلا يشتغل قلبه عن عبادة الله تعالى).

ولا يخفى عليك أن الأحكام الشرعية لا تثبت بهذاه التعاليل المستنبطة.

وعليه، فالمسألة مبنية على التسامح في أدلة السنن، وقد عرفت ما فيها أيضاً.

قوله: (وبين السَّجدتين إلى حجره)

قال المصنِّف رحمه الله في الذّكرى: (ومنها أن يكون نظره في جلوسه بين السّجدتين إلى حجره؛ قاله: المفيد وسلَّار، وأطلق ابن البراج أنَّ الجالس ينظر إلى حجره)، وفي الحدائق: (لِمَا عرفته من عبارة كتاب الفِقه الرّضوي المذكور).

أقول: قد عرفت الجواب أيضاً، فلا حاجة للإعادة.

قوله: (والذِّكر أمام التسبيح)

كما في حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إذا سجدتّ فكبِّر، وقل: اللهمّ لك سجدتّ، وبك آمنت، ولك أسلمتُ، وعليك توكلتُ، وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه، وشقَّ سمعه وبصره، الحمد لله رب العالمين، تبارك الله أحسن الخالقين، ثمَّ قل: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات... )[3]

_____________

 

قوله: (وتكراره، كما سبق في الرُّكوع)

راجع ما ذكرناه في مبحث الركوع عند قول المصنِّف رحمه الله : (ويستحبّ تثليثه، وتخميسه، وتسبيعه).

قوله: (والدُّعاء فيهما)

كما في جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة أبي عبيدة الحَذَّاء (قال: سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول -وهو ساجد-: أسألك بحق حبيبك محمَّد (صلى الله عليه وآله) إلَّا بدَّلت سيئاتي حسنات، وحاسبتني حساباً يسيراً، ثمَّ قال في الثانية: أسألك بحق حبيبك محمَّد (صلى الله عليه وآله) إلَّا كفيتني مؤنة الدُّنيا، وكلّ هول دون الجنَّة، وقال في الثالثة: أسألك بحق حبيبك محمَّد (صلى الله عليه وآله) لَمَا غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل، وقبلت من عملي اليسير، ثمَّ قال في الرابعة: أسألك بحق حبيبك محمَّد (صلى الله عليه وآله) لَمَا أدخلتني الجنَّة، وجعلتني من سكانها، ولما نجّيتني من سفعات النَّار برحمتك، وصلى الله على محمد وآله)[4] ؛ وعن الجوهري: (سفعته النَّار والسّموم: إذا لفحته لفحاً يسيراً، فغيَّرت لون البشرة).

ومنها: صحيح محمَّد بن مسلم (قال صلَّى بنا أبو بصير في طريق مكّة، فقال -وهو ساجد، وقد كانت ضلَّت ناقة لحمالهم- : اللهمَّ رُدَّ على فلان ناقته، قال محمَّد: فدخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام، فأخبرته، فقال: وفعل؟! فقلتُ: نعم، قال: وفعل؟! قلتُ: نعم، قال: فسكتَ، قلتُ: فأعيد الصَّلاة؟ قال: لا)[5] .

ومنها: حسنة زيد الشحَّام عن أبي جعفر عليه السلام (قال: ادعُ في طلب الرِّزق في المكتوبة -وأنت ساجد-: يا خير المسؤولين! ويا خير المعطين! ارزقني، وارزق عيالي من فضلك، فإنَّك ذو الفضل العظيم)[6] .

ومنها: رواية عبد الرّحمان بن سيَّابة (قال: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: اَدعو وأنا ساجد؟ قال: نعم، فادعُ للدنيا والآخرة، فإنَّه ربّ الدّنيا والآخرة)[7] ، وهي ضعيفة، لأنَّ عبد الرّحمان بن سيَّابة لم يوثَّق.

والرّوايات الواردة في اعتماد الإمام الصَّادق عليه السلام عليه في تقسيم الأموال على من خرج مع زيد هو راويها، فلا ينفع، كما أنَّ وجوده في كامل الزيارات لا ينفع، لأنَّه ليس من مشايخه المباشرين.

ومنها: رواية عبد الله بن هلال (قال: شكوتُّ إلى أبي عبد الله عليه السلام تفرُّقَ أموالنا، وما دخل علينا، فقال: عليك بالدُّعاء وأنت ساجد، فإنَّ أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد، قال: قلتُ: فأدعو في الفريضة، وأسمي حاجتي؟ فقال: فعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وفعله عليّ عليه السلام بعده)[8] ، وهي ضعيفة أيضاً بجهالة عبد الله بن هلال.

قوله: (وبينهما)

كما في حسنة الحلبي المتقدِّمة: (فإذا رفعتَ رأسَك فقلْ بين السَّجدتين: اللهمّ اغفر لي وارحمني، وأجرني، وادفع عني (وعافني)، إنّي لِمَا أنزلتَ إليَّ من خير فقير، تبارك الله رب العالمين)[9] .

وفي صحيحة حمَّاد بن عيسى المشهورة: (ثمَّ رفع رأسه من السُّجود، فلمَّا استوى جالساً، قال: الله أكبر... وقال: اَستغفر الله ربي وأتوب إليه، ثمَّ كبَّر وهو جالس، وسجد للثانية... )[10]

_____________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo